كى يتقدم القطاع البحثى - محمد زهران - بوابة الشروق
الأربعاء 8 مايو 2024 6:46 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

كى يتقدم القطاع البحثى

نشر فى : السبت 19 فبراير 2022 - 10:50 م | آخر تحديث : السبت 19 فبراير 2022 - 10:50 م

كل دول العالم كبرت أو صغرت متقدمة أو نامية عندها مراكز أبحاث حتى وإن كانت تلك المراكز صغيرة أو ضعيفة لكنها موجودة، وعندنا فى مصر القطاع البحثى موجود ومتمثل فى عدد كبير من المؤسسات العريقة مثل أكاديمية البحث العلمى والمركز القومى للبحوث ومركز بحوث الإلكترونيات ومعهد تيودور بلهارس للأبحاث والمعهد القومى لعلوم البحار والمصايد إلخ، مقالنا اليوم عن القطاع البحثى وما هى العوامل التى تساعد القطاع البحثى فى أى دولة على التقدم.

أول عامل هو تحديد مقياس النجاح، ما هو مقياس نجاح قطاع بحثى فى بلد ما؟ هل هى عدد الأبحاث المنشورة؟ أم عدد الأبحاث المنشورة فى المجلات والمؤتمرات المعتبرة فقط؟ أم عدد براءات الاختراع المحلية والدولية؟ أم الجوائز الدولية الحاصل عليها من يعملون فى هذا القطاع؟ قد نأخذ بالإجابة السهلة ونقول إن المقياس هو كل ما سبق، لكن هذا ليس صحيحا، القطاع البحثى فى أى دولة له مهمتان واحدة أساسية والثانية فرعية، أما المهمة الأساسية فهى حل المشكلات الموجودة فى تلك الدولة بطريقة علمية، المشكلات تختلف من دولة إلى أخرى لذلك الأجندات البحثية تختلف من دولة إلى أخرى، أما المهمة الثانية فهى القوة الناعمة للدولة عن طريق كل ما ذكرناه من أبحاث واختراعات وما إلى ذلك، المهمة الأولى لها الأولوية وهى الأصعب.

لذلك يجب على القطاع البحثى فى أى دولة تطمح إلى التقدم ألا يقدم المهمة الفرعية على الأساسية وألا يقع فى فخ الأرقام (عدد الأبحاث أو الرسائل العلمية أو الجوائز) لأنها متعلقة بالمهمة الثانية الفرعية، الدول النامية لن تكون عندها موارد للقيام بالمهمتين معا على أكمل وجه لذلك وجب وضع الأولويات نصب الأعين حين يتم وضع الأجندة العلمية للمراكز البحثية فى أى دولة.

المهمة الأساسية وهى حل مشاكل على الأرض تستلزم تعاون بين الحكومات والقطاع البحثى لأن الحكومات أدرى بالمشكلات التى تحتاج إلى حل وأيضا يحتاج القيام بتلك المهمة إلى تعاون وثيق بين المؤسسات البحثية والشركات لأنه فى الدول النامية أغلب الشركات لا يوجد بها معامل أبحاث، وحتى الشركات العملاقة التى تفتح فرع فى دولة نامية يكون همها العمالة الرخيصة أو التواجد فى سوق كبير وليس إنشاء مركز بحثى متقدم، لذلك مثلث الحكومة والمراكز البحثية والقطاع الخاص هو حل جيد فى الدول النامية.

من العوامل المدمرة لأى هيئة بحثية أو غير بحثية البيروقراطية المترهلة، وأوضح مثال على تأثير البيروقراطية المدمر هو ما حدث ويحدث لشركة أى بى إم فى الأعوام الثلاثة الماضية بعد أن كانت من أقوى الشركات فى العالم وأطولها عمرا (أكثر من قرن)، انظر إلى حالها الآن أمام شركات مثل جوجل وأمازون، البيروقراطية المترهلة تجعل الأشياء تتقدم ببطء وتفتح أبوابا للفساد وتغلق أي’ أبواب للتقدم لأن كل موظف إدارى سيخاف من تحمل مسئولية أى شىء وبالتالى «سيوقف المراكب السايرة» ويكون الهدف الحصول على الإمضاءات والأختام فقط، وحيث أن العلم والتكنولوجيا يتقدمان بخطى سريعة إذن البطء هو بمثابة الانتحار للبحث العلمى لأن الهم الأول سيكون «تستيف الأوراق» وطبعا لا نعنى هنا الأوراق البحثية.

من العوامل المؤثرة سلبا أو إيجابا فى القطاع البحثى فى أى دولة هو مدى التعاون بين المراكز البحثية المختلفة فى تلك الدولة مع بعضها، إذا كان هناك تعاون وثيق فسيسير البحث العلمى للأمام، إذا لم يكن هناك تعاون فسيسر بخطى أبطأ كثيرا، أما إذا كان هناك تنافس فسيتراجع البحث العلمى.

هل يمكن أن نستفيد من تجارب دول أخرى؟ بالطبع لكن مع الأخذ فى الاعتبار أننا يجب أن نمصر التجربة لا أن ننقلها كما هى وأيضا عندما ندرس واقع المراكز البحثية فى الدول المتقدمة يجب أن نعرف هل حالها الآن هو ما أدى إلى تقدم تلك الدول؟ أم أن تلك الدول تقدمت بأمور وأحوال فى الماضى والوضع الحالى للمراكز البحثية ليس هو الأفضل للتعلم منه لكنه يعيش على مخزون الماضى، مثال على ذلك عندما نقول إن الثقافة فى مصر كانت مزدهرة فى فترة الستينات، هل ذلك يعود إلى العوامل التى شكلت عصر الستينات؟ أم أن من قامت على أكتافهم الثقافة المصرية فى الستينيات هم من تعلموا وتثقفوا فى الأربعينيات والعوامل التى شكلت عصر الأربعينيات؟

التعلم من التجارب والتحسين المستمر صنعة وفن فى ذات الوقت.

 

محمد زهران عضو هيئة التدريس بجامعة نيويورك فى تخصص هندسة وعلوم الحاسبات، حاصل على الدكتوراه فى نفس التخصص من جامعة ميريلاند الأمريكية، له العديد من الأبحاث العلمية المنشورة فى الدوريات والمؤتمرات الدولية، بالإضافة إلى الأبحاث والتدريس.. له اهتمامات عديدة بتاريخ وفلسفة العلوم ويرى أنها من دعائم البحث العلمى، يستمتع جداً بوجوده وسط طلابه فى قاعات المحاضرات ومعامل الأبحاث والمؤتمرات، أمله أن يرى الثقافة والمعرفة من أساسيات الحياة فى مصر.
التعليقات