مرحبا رمضان - جمال قطب - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 10:08 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مرحبا رمضان

نشر فى : الجمعة 19 يونيو 2015 - 10:30 ص | آخر تحديث : الجمعة 19 يونيو 2015 - 10:30 ص

ــ1ــ
مضى يومان على حضورك وحلولك أيها الشهر العظيم، حيث نترقب فيك البركات. فهل يمن الله على عباده المصريين بعودة الألفة والاستقرار؟ وهل يسترد المصريون ما كانوا يتمتعون به من عافية نفسية وروح مرحة وتسامح يفوق الوصف؟ هل تستعيد أرض مصر ما كان يزينها من نشاط وإنتاج وما كان يزحم شوارعها ومتاجرها من مصنوعات تم تصنيعها وترويجها بأيد مصرية؟ متى يستعيد الأطفال سعادتهم؟ ومتى يعيش الشباب حياته فرحا فخورا بتحقيق آماله؟ ومتى يرحل كابوس البؤس والمرض عن مصر وعما حولها من بلاد الله؟

ــ2ــ
مضى يومان ــ يا رمضان ــ والجميع يذهب إلى المساجد يرفع أكف الضراعة إلى الله أن يطهر حياتنا من الكيد والدس والنفاق، ويطيلون قراءة القرآن بحثا عن خشوع يرضى الله فينزل رحماته الواسعة على البلاد والعباد، بل إننا نركع ونطيل الركوع تأديبا للنفس فلا تتجاوز وتتعدى على الآخرين، فالراكع يشعر بالخضوع لله ويتعلم ألا يكون سببا فى إخضاع أو إجبار أحد على ما يكره، فالركوع والخضوع لله وحده. مضى يومان ــ يا شهر الصيام ــ والجميع يسجد ويطيل السجود داعيا ربنا الأعلى أن يا رب تفضل علينا فأخرج البلاد مما أصابها، ونج العباد من اليأس والقنوت، وحينما يقول الساجد «سبحان ربى الأعلى» فهو يقرر أن لا علِىّ علَى الأرض ولا أعلى إلا الله جل جلاله، فلا يتعالى أحد على أحد ولا يتجبر كبير على صغير، فالسجود مدرسة الهدوء النفسى، والسجود ملتقى العبد بربه كما قال: (وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ)، وكما بين الرسول صلى الله عليه وسلم: «أقرب مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ».

ــ3ــ
مضى يومان، فلماذا هذه السرعة يا رمضان؟! أهكذا يتعجل الضيف الانصراف قبل أن ينال الناس حظوظهم من أنواره ورحماته وبركاته ومغفرته! لماذا لا تبطئ خطواتك حتى يرتوى الظمأى من هداياتك وحتى تشبع الأنفس من رحماتك، وحتى تمتلئ القلوب من بركاتك فيسترد المصريون صفاء القلوب وراحة الأنفس ورقة الشعور ويرجع الجميع أحبابا قد ألّف الصيام والقرآن بينهم.

قد اشتقنا كثيرا لنهار رمضان لندرب النفس على مواجهة الشدائد فلا تتحكم فينا الأسعار ولا ترهقنا الأكاذيب ولا يخوفنا المنع ولا يضللنا أهل السفه، فنهارك ــ يا رمضان ــ مثابرة وترقب، ومقاومة للنفس واستسلام لله، ونهارك عمل بلا لهو وحوار بلا لغو ووعى بلا سهو.

ــ4ــ
أما ليلك الهادىء ــ يا رمضان ــ من قراءة القرآن وتدبره، ومدارسة الحديث النبوى وتذكره، ومن دعاء الله ومناجاته، فهذا دعاء الملهوف يناجى ربه بتفريج الكروب، وهذا نداء المحتاجين يأملون قضاء حوائجهم من خزائن الله التى وسعتها السماوات والأرض، وهذا ذكر الذاكرين ينادون به القادر المقتدر أن يقهر الظلم والظالمين وأن يكسر الكبر والمتكبرين وأن يفتح أبواب التوبة للعصاة وأن يهد الضالين.

مرحبا رمضان يا شهر القرآن، ومن قرأ حرفا من القرآن فله عشر حسنات، فإذا كانت القراءة فى ليلك أو نهارك يا رمضان تصاعد الثواب إلى: 10 X 70 = 700 كما أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم. فمن يقرأ القرآن يتعرف على ربه معرفة صحيحة، فهذه أسماء الله الحسنى، وهذه تجليات ربنا وعطائه لنا، وهذه سير الأنبياء والمرسلين، وهذه أخلاق القرآن تنظم أرقى دستور للأخلاق بما يلائم جميع الأعمار وجميع الأحوال، وهذه أخبار الجنة ونعيمها تداعب الخيال كما يجاورها أنباء جهنم وعذابها حيث تقشعر الجلود والقلوب.

ــ5ــ
مرحبا رمضان أيها الموسم العظيم والسوق الرائجة والرابحة طوال الليل والنهار، فمن صيام إلى صلاة، ومن قيام وتراويح إلى تهجد وخشوع، ومن سورة إلى أخرى من سور القرآن، ومن الزكاة إلى الصدقة فى صورة الهدية والقرض الحسن. لقد عزمنا ــ إن شاء الله ــ أن نصون نهارك فلا كسل ولا تراخى، وأن نستثمر ليلك فلا عبث ولا لهو، ونوينا أن يكون طعامنا ما يذهب الجوع دون امتلاء وأن يكون سهرنا للذكر والقرآن والدعاء. وكل عام والجميع بخير.

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات