روايات من مصر - إبراهيم الهضيبى - بوابة الشروق
الإثنين 6 مايو 2024 12:22 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

روايات من مصر

نشر فى : الجمعة 19 أغسطس 2011 - 8:38 ص | آخر تحديث : الجمعة 19 أغسطس 2011 - 8:38 ص
سياسيون يرون كل الأمور على ما يرام وآخرون لا يرون أن فى مصر ثورة الشارع يبحث عن حلول مشكلاته اليومية ويعجز عن فهم الثورةعند ساسة مصر روايات...

منها ما يقول إن الأمور تسير على ما يرام، فالرئيس مبارك أجبر على التنحى فى فبراير وأعلن المجلس العسكرى ــ الذى تولى مهمة القيادة ــ نيته تسليم السلطة لمدنيين منتخبين ديمقراطيا بعد مرحلة انتقالية محددة زمنيا، وخلال هذه المرحلة تم اتخاذ مجموعة من الإجراءات على الأصعدة المختلفة، فتم حل الحزب الوطنى والاتحاد العام للعمال والمجالس المحلية وجهاز مباحث أمن الدولة، وتم إلقاء القبض على عدد كبير من رموز المال والسلطة فى عهد مبارك وتحويلهم للمحاكمة، وظهرت مساحات واسعة من الحريات لم تكن قبل ذلك متصورة، سمحت بوجود قوى سياسية جديدة على الأرض كانت قبل ذلك محظورة، والخطاب الإعلامى صار أكثر تنوعا فظهرت فيه مساحات كبيرة من الحرية، والانتخابات البرلمانية (الخطوة الأولى فى اتجاه تسليم السلطة) يجرى الإعداد لها على قدم وساق لتجرى بعد أسابيع معدودة، وأخيرا ظهر الرئيس المخلوع مبارك مع نجليه وكبار أعوانه الشرطيين أمام الملايين فى قفص الاتهام فى قضية قتل المتظاهرين والفساد السياسى، باختصار شديد: الثورة تسير فى مسارها الصحيح، ربما مع الاعتراف بوجود بعض أوجه القصور الهامشية.

ينفى آخرون وجود أى تغيير حقيقى، فلافتة جهاز الأمن الوطنى حلت محل لافتة أمن الدولة وبقى الضباط والمقار والأدوات، واستبدلت بلافتة الحزب الوطنى لافتات متنوعة لأحزاب تقوم على شبكات المصالح والنفوذ ذاتها بسبب تأخر استصدار قانون الاستبعاد السياسى، والقيادة السياسية مصرة على عدم عقد انتخابات المحليات قبل البرلمان، والمحتجزون بتهم الفساد والقتل تم إطلاق سراح أغلبهم بسبب عدم كفاية الأدلة أو للقصور فى عمل النيابة، والإعلام لايزال متحيزا فى مجمله لمصالح الفئات نفسها التى تحكمت فى مصير الشعب فى النظام السابق، والكرامة مهدرة بعنف لفظى ومادى يميز التعامل مع المتظاهرين، والمدنية مهدرة بالإصرار على محاكمة المدنيين عسكريا، وخريطة الانتقال الديمقراطى لاتزال غامضة لم يتحدد من خطواتها وجدولها الزمنى إلا ما يتعلق بالانتخابات البرلمانية، والسياسة الخارجية على حالها قبل الثورة، خصوصا ما يتعلق بالقضايا الإقليمية المركزية، باختصار: الثورة تم وأدها، وتحولت إلى حركة إصلاحية غيرت بعض الأشخاص وأصلحت جزئيا بعض المواقف ولم تغير شيئا.

هناك رواية ثالثة يقول أصحابها إن الأمور لاتزال قيد التشكل، وأن مسار الثورة يتأرجح بين قوى تحاول وأدها أو تحويلها لحركة إصلاحية، وأخرى مصرة على استكمال مسارها، وأن الجيش عقب توليه الأمور فى فبراير اتخذ خطوات فى المسارات الثلاث المتعلقة بالمرحلة الانتقالية وهى تفكيك منظومة الاستبداد ومعاقبة المفسدين ووضع آليات الانتقال الديمقراطى، بيد أنه لم يتخذ ما يكفى من إجراءات فى أى من هذه المسارات، وكل الخطوات الجادة إنما اتخذت بضغط من الشارع، وأن أهداف الثورة الأقل مركزية هى التى يتم الاستجابة لها بسهولة، وكلما كان الطلب مركزيا احتاج تحقيقه لقدر أكبر من الضغط الشعبى الذى لا يتحقق إلا بوحدة الصف الوطنى، وأن ما اتخذ من إجراءات لا يرقى لدرجة الكفاية التى تطمئن الثوار لاستحالة عودة الوضع إلى ما كان عليه قبل الثورة، وهذا الاطمئنان لا يكون إلا بتفكيك منظومة القمع والتأكد من عجزها عن خرق القانون وإهانة المصريين، وهذه الخطوة هى الأهم فى مسار الثورة وهى تحتاج لقوة دفع يصعب إيجادها فى ظل تشرذم الثوار.

وهناك روايات أخرى
وعند مواطنى مصر روايات أخرى...
سائق سيارة أجرة ازداد غضبه من الاعتصام الأخير بسبب تعطيله للمرور فى محاور رئيسية وسط المدينة، لم يستطع تفهم مبررات الاعتصام، فهو فى ظنه اعتصام لا يفيده، ولا يعبر إلا عن قلة تريد فرض أجندتها على الأغلبية.. وماذا عن مطالب أهالى الشهداء فى القصاص العادل؟ يسب الشهداء وأهلهم.

مصفف شعر يستعد للزواج، يلوم الثورة على تأخر زواجه بسبب ارتفاع أسعار الحديد، يحتاج فى ظنه لدعم من الدولة لإتمام زواجه، يتصور أنه ــ فى مصر الثورة ــ مستحق لهذا الدعم، لا يرى سبيلا للوصول إليه إلا عن طريق الواسطة التى يبحث عنها بين زبائنه، يلوم ــ أكثر ما يلوم ــ الاعتصامات الفئوية التى تعطل المصالح وتضر بالبلاد.

موظف قارب سن المعاش فى مصلحة حكومية معجب بالثورة ولكن له على الثوار عتابان، الأول أنهم نسوا الناس فى مطالبهم التى انحصرت فيما لا يريد أن ينشغل به من أولوية الدستور أو الانتخابات، وطبيعة الدولة (التى يراها «طول عمرها مسلمة، ومش عارف يعنى إيه الفرق بين اللى دول بيقولوه واللى دول بيقولوه»)، ولم تعد تهتم بقضايا مثل التأمين الصحى، فيما من هم مثله يعانون الأمرين لتأمين مصاريف العلاج، عتابه الثانى هو للشباب الذين صاروا يتحدثون مع الأكبر ــ سواء من هم فى السلطة أو من هم خارجها ــ بأسلوب «عيب وميصحش»، وأنهم ما عادوا يدركون أن الأكبر يكون فى بعض الأحيان أحكم بحكم خبرته، وهو فى كل الأحوال يستحق احتراما لسنه، ورغم العتاب فإن الرجل يبدو متفائلا، ويتمنى لو يجد ما يساعد به الثورة غير التظاهر، ولا يجد من يدله على ما ينبغى فعله.

سائق سقط منزله فى الدويقة، تقدم بطلب للمحافظ لإيجاد سكن بديل، جاءته اللجنة تعاين المنزل وأرادت قبض (المعلوم) قبل كتابة التقرير، لم يكن معه المبلغ الذى طلبوه فكتبوا فى التقرير ما يفيد عدم استحقاقه، يبيت حاليا فى أحد المستشفيات العامة مرافقا لمريض لا يعلمه، لا تسأل عن موقفه من الثورة.

وهناك أيضا روايات أخرى
الروايات فى «مصر المواطنين» ــ حتى تلك التى تتميز نبرتها بالحدة ــ لا تكره مصر الثورة، وإنما تعجز عن فهمها، والروايات فى «مصر الساسة» تتكلم عن حقوق المواطنين ولكنها لا تتكلم معهم بما يكفى، والمحصلة أن «مصر الساسة» أصبحت قيادات بلا جمهور، أو على أحسن حال قيادات متشرذمة تفتت بتشرذمها الجمهور الذى أجبرت وحدته مبارك على التنحى، وأما «مصر المواطنين» ــ وهى دائما على حق ــ فهى عاتبة على الساسة وعلى الثوار عتاب المحبين.
التعليقات