المرأة الحديدية - كمال رمزي - بوابة الشروق
الأحد 5 مايو 2024 4:04 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

المرأة الحديدية

نشر فى : الأربعاء 21 مارس 2012 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأربعاء 21 مارس 2012 - 8:00 ص

جاء الفيلم بنكهة شكسبيرية، فكما نشهد، بدرجات متفاوتة من الأسى، المصائر الفاجعة لأبطال الكاتب البريطانى العظيم، حيث ضياع سلطة الملك لير، وهذيان الليدى مكبث، تطالعنا مارجريت تاتشر، بأداء خلاب من ميريل ستريب، وقد أصبحت سيدة بدينة، مسنة، دب فيها الوهن، وزحفت التجاعيد حول عنقها، وغدت جفونها منتفخة. لكن الأهم، وربما الأشد قسوة، ذلك التدهور الواضح فى قدراتها العقلية، فستائر النسيان تسدل على ذاكرتها، وحضور من غيبهم الموت، أو السفر، يتجسد أمامها، حتى إنها تتناول إفطارها، مع زوجها «دنيس تاتشر»، الذى غيبه الموت، منذ العام 2003، بل تنبهه إلى ضرورة عدم الإفراط فى تناول الزبدة.. وهى، تندمج فى اختيار لون رابطة العنق التى تناسب لون البذلة. تضطر ابنتها إلى تنبيهها، المرة تلو المرة، أن والدها توفى.. فى مواقف أخرى، تظن تاتشر أنها لا تزال رئيسة وزراء. الفيلم، بهذه البداية، وبتلك اللمسات، يضمن تعاطفا مبدئيا، مع المرأة التى كانت، فى يوم ما، حديدية.


عن طريق العودة للماضى، وبسيناريو ذكى ومراوغ، كتبته آبى مورجان، وأخرجته بإحكام، وانحياز، ميلدا لويد، نتابع، تبلور شخصية «مارجريت»، فى مقتبل العمر، إبان دوامة الحرب العالمية الثانية، أيام الدم والدمار والدموع والعزيمة، حين كانت تعمل فى بقالة صغيرة تملكها أسرتها. هنا، وفى المشاهد التالية، تعبر مريت ستريب، الجميلة، ذات الابتسامة الدائمة، عن طموح يعززه قوة الإرادة، فتدخل فى تحديات متوالية، تثبت فيها أحقيتها فى أن تغدو أول رئيسة بريطانية، فى التاريخ، وحتى الآن.. الفيلم، فى بعد من أبعاده، يعتبر عملا «نسويا»، إلى حد كبير، ليس بسبب كاتبته ومخرجته وحسب، بل لأن رؤيته، أصلا، على قدر كبير من الانحياز، فالرجال، أقل شأنا من النساء، بما فى ذلك زوج الحديدية الرخو، الباهت، وخصومها الذين نستمع، عدة مرات، لجعجعاتهم الجوفاء، فى مراكز صنع القرار، وتنتهى بقدرتها، على إقحامهم جميعا.. وتتجلى قوة شكيمتها، عندما يُقدم المجلس العسكرى الأرجنتينى الحاكم، التافه، باحتلال جزء الفوكلاند التابعة للتاج البريطانى، فتبدو «تاتشر»، كما لو أنها الصقر الهادئ، الجارح، الواثق، وسط جنرالاتها الأقل شأنا. تأمر، باستعادة الجزر، وتشن حربا  تنتهى بنصر مظفر، فتح لها الطريق نحو توليها لفترة رئاسية جديدة عام 1983، وعزز شعبيتها تجاه المعترضين على سياستها التى تجنح نحو اليمين، وتعمل لمصلحة الرأسمالية، ذات الطابع الوحشى.. فى فترة حكمها «1979 ــ 1990»، قضت على نفوذ نقابات العمال، وقلصت حقوقهم، مما أدى إلى اندلاع مظاهرات حاشدة، ترصدها المخرجة بطريقة بارعة، فتبدو كما لو أنها مشاهد تسجيلية، وعلى يسار اللقطات المتوالية، تقبع «تاتشر» فى المقعد الخلفى لعربتها، وتتعمد «ميريل ستريب» عدم الالتفات إلى قبضات العمال وهى تطرق زجاج السيارة، وأن تشمخ بأنفها، كأن الأمر لا يعنيها.. الفيلم، يتجنب الخوض فى أسباب المظاهرات، وطوال الساعتين، لم نسمع وجهة نظر العاطلين عن العمل، أو الذين ضاقت بهم سبل الحياة.

 

«المرأة الحديدية»، المصنوع بمهارة، تعوزه النزاهة، ويهمل ما هو جدير بالاهتمام، وكان من الممكن أن ينكشف أمره، ولولا فطنة كاتبته التى لجأت إلى عبقرية شكسبير الذى يجعلنا نأسى، حتى للطغاة، حين انهيارهم.. هنا، بين الحين والحين، نرى الخفوت المتوالى فى عقل السيدة الصعبة، مما أدى إلى أن تعلق سيدة أرجنتينية قائلة: صورة العزلة الهائلة لتاتشر جعلتنى حزينة.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات