خطابنا الدعوى إلى أين؟ 2ــ المرسل جــ المؤسسية مرة أخرى - جمال قطب - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 10:38 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

خطابنا الدعوى إلى أين؟ 2ــ المرسل جــ المؤسسية مرة أخرى

نشر فى : الجمعة 20 مارس 2015 - 10:15 ص | آخر تحديث : الجمعة 20 مارس 2015 - 10:15 ص

ــ1ــ

استفسر بعض القراء عما ذكرناه من ضرورة المؤسسية فى ممارسة الدعوة، لذلك نوسع القول فنقول إن الدعوة إلى الدين دعوة عليا تنسب نفسها لله جل جلاله، ولا تأتى نسبة شىء لله إلا كما نسب هو جل جلاله فى القرآن الكريم أو نسبه إلى الله رسول أو نبى عليهم الصلاة والسلام. نعم فالدعوة الدينية دعوة عليا محفوفة بالخشوع من ناحية، وبالخشية والوجل من ناحية أخرى، لذلك فإن الله سبحانه قد اصطفى من يتكلمون عن ربهم. نعم فقد اصطفى النبيين والمرسلين، فلا حق لأحد بعد محمد صلى الله عليه وسلم أن يصوغ خطابا أو يصدر أمرا أو نهيا عن الله إلا أن ينقل نص البلاغ كما هو، ويصبح الفهم والتأويل من ناحية، والطاعة والمعصية من ناحية أخرى حق لكل إنسان على مسؤليته. ولهذا السبب فإن ممارسة الدعوة الدينية تقوم بأدوار محددة، هى:


1ــ نقل البلاغ كما هو ((..وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ))، وقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم كيفية البلاغ فقال: «بلغوا عنى ولو آية».
2ــ تفعيل البلاغ وتنفيذه ((خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَة تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا..))، ((..بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ۚ..)).
3ــ دعوة الناس للتتعرف على الدين، وهذه الدعوة ينبغى أن تتجرد من أى هوى أو رغبة، كما يجب أن ترتفع إلى مستوى مسئولية التعبير عن إرادة الله، لذلك فإن الإسلام لا يعرف ولا يقر انفراد مذهب، أو انفراد تيار أو جماعة برأى خاص ينسبونه لله رغم استغراب الغالبية وابتعادها عنه، كما فعل الأجداد مع الخوارج والمعتزلة. ومعنى هذا أن الناس ــ كل الناس ــ لا يصغون السمع ولا يطيعون الدعوات الخاصة بعاطفة ورغبة إلا إذا تقاربت مع الوحى من ناحية والواقع المعاش من ناحية أخرى.

ــ2ــ

فصناعة الخطاب الدعوى ونشره على الناس يستلزم مؤسسة تجمع بين المذاهب المعتدلة، ويضع هذا التجمع العلنى للمذاهب دستور مشاوراته وقواعد استنباطه واستنتاجه بتوافق وتراحم، كما يختار أدواته المساعدة له من علوم وتراث بتوافق تام، ثم يقوم بعد ذلك بالإعداد للدعوة من خلال تدوين الوثائق الآتية:
1ــ تفسير القرآن الكريم تفسيرا موضوعيا.
2ــ استخراج الرؤية القرآنية للكون وسكانه، والعلاقات المتاحة بين الجميع من خلال التفسير المُشار إليه.
3ــ استخراج القيم القرآنية العليا (الإطارية) المهيمنة على كل السلوكيات والعلاقات.
4ــ ستخراج المبادئ التى يجب مراعتها تطبيقا وحفاظا على القيم الإطارية.
5ــ صياغة إستراتيجية الدعوة وبيان مجالاتها، ومستوى كل مجال، ووسائل الاتصال اللائقة بكل مستوى
وقواعد الاتصال المناسبة (الزمان/ المكان/ الوسيلة/ شخص الداعى.. إلخ).
6ــ تفسير السنة النبوية المتواترة والصحيحة تفسيرا يتطابق مع القرآن الكريم وقيمه العليا.
7ــ التمييز بين السنة النبوية العامة لكل الناس، وبين الأحاديث النبوية النوعية المتعددة فى الظروف الخاصة.
(العمر/ العقل/ الصحة/ البيئة/ المهنة أو الحرفة/.. إلخ).
8ــ صناعة المقررات العلمية المتدرجة التى تؤهل الدارسين للعمل بالدعوة.
9ــ صياغة دستور لأخلاقيات ومسئوليات الدعاة.
10ــ ضبط قواعد التزود العلمى والتدريب العملى والترقى الوظيفى للدعاة.
11ــ إحكام التواصل السريع الدائم بين جميع العاملين فى المؤسسة.
12ــ تحديد الشروط الواجب توافرها فى المقبلين على دراسة الدعوة أو التفرغ لها.
وواضح أن جميع هذه الوثائق والوظائف متكاملة ومتداخلة فلابد من صدورها عن هيئة واحدة، هى مؤسسة الدعوة.

ــ3ــ

وحقل الدعوة الدينية سواء فى المساجد أو فى التجمعات، أو عبر وسائل الإعلام أو عبر الاتصالات الخاصة، لابد وأن يتمتع بثقة الكافة لتجد الدعوة طريقها إلى العقول والقلوب دون تخوف أو حذر، فالثقة فى حامل الخطاب تجعل المتلقى أكثر راحة وأكثر أمانا، وأن الدعوة تعبير صحيح عن الوحى، وتلك الثقة تفتح باب الاقتناع والإيمان.

ــ4ــ

أما ما يراه الناس ويسمعونه من دعوات ويلاحظون عليها مدى الشخصنة (الرؤى الخاصة والفهوم الخاصة المجافية للمعروف العام)، تلك التى أحاطت بالدعوات حتى يصرح ويصرخ أغلب الناس بأن هذه الدعوة مذهب فلان، ورأى فلان.. إلخ. ولاشك أن الدعوة الدينية إذا انتسبت لبشر، فقد بعدت بعيدا عن مصدرها «الوحى» مما يفقدها جدواها وقدسيتها، ويحولها إلى «أيدولوجيا» تعبر عن شخص أو فئة.

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات