جنازة.. واستفتاء - كمال رمزي - بوابة الشروق
الأحد 5 مايو 2024 3:40 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

جنازة.. واستفتاء

نشر فى : السبت 20 أبريل 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : السبت 20 أبريل 2013 - 8:00 ص

جاءت الجنازة بتوقيع مارجريت تاتشر. صحيح، جنازتها بالضرورة تأتى عقب وفاتها، ولكنها سارت حسب هواها: التقاليد البريطانية العريقة، النظام الذى يبلغ حد الصرامة، الفخامة والأبهة، النزعة الأرستقراطية، معالى علية القوم، بارونات وأدواق وكرادلة ورؤساء وزراء وجنرالات، وعلى رأسهم ملكة إنجلترا شخصيا، بجلال قدرها، فى سابقة لم تحدث من قبل إلا مرة واحدة، فى جنازة ونستون تشرشل 1965.

 

نقلت وكالات الأنباء وقنوات التلفاز، بمهارة، خلال عشرات الكاميرات، وبزوايا مختلفة، قريبة وبعيدة، المسيرة الرسمية، ذات الطابع الاستعراضى، بما يتضمنه من عشرات الخيول الضخمة، موحدة اللون، سوداء، يمتطيها فرسان لا يرمش لهم جفن، كأنهم لوحة ساكنة. خلفهم عربة مدفع، استبدل مدفعها بصندوق الراحلة. طوابير من عازفى الموسيقى النحاسية، ثم طوابير من جنود أفرع الجيش البريطانى، يسيرون فى انضباط شديد، بوجوه جامدة، كأنها مصنوعة من جبس، وعيون خالية من أى تعبير، لا حزن ولا فرح، لا كآبة ولا مرح، وحين حمل ثمانية جنود الصندوق ليصعدوا به سلالم كاتدرائية القديس بولس، بدا وكأن الصندوق يتحرك بزمبلك خفى، بالغ الدقة، فالواضح أن بروفات عدة، جرى إجراءها، تجنبا لأى ارتباك.. لكن، مع كل هذا، بدت الجنازة باردة، بلا روح، مجرد عمل لامع، مصقول، مصطنع، من إخراج مدرب قوى الشكيمة، يفتقر لأى إحساس إنسانى.

 

فيما يبدو أن السلطات البريطانية، وربما تاتشر نفسها، فى نوبة يقظة وسط غياهب الألزهايمر، أدركا أن «الإحساس الإنسانى» قد يفسد المناسبة التى من المستحيل تكرارها، لذا أخليت الشوارع، ووقف رجال الشرطة على الجانبين، وسمح لمن استطاع التسلل والوقوف على الرصيف، من الكارهين للمتوفاة، إعطاء ظهره للمسيرة.. ولكن، على مسافة من الكاتدرائية، وفى أيرلندا واسكتلندا، انطلقت احتفالات أخرى، مفعمة بالحرارة، كأنها استفتاء شعبى على مرحلة فى تاريخ إنجلترا، أمسكت فيها المرأة الحديدية، بزمام الزمور.

 

فى ميدان الطرف الآخر، زحف سكان الأحياء الفقيرة، احتفالا برحيلها، فهى عندهم، حسب الأغنية التى رددها ـ المأخوذة من فيلم «الساحر أوز» الذى أعيد إخراجه عدة مرات ـ «الساحرة العجوز الشريرة»، وبينما ارتدى بعض الشباب فانلات مكتوبا عليها «تاتشر.. ماتت»، يستكمل آخرون الأغنية التى تقول «حين يدفنوك سيقفون ضاحكين وينهالون بالتراب فوقك».. لكن، واقعيا، لن تتحقق الأغنية، ذلك أن تاتشر، أوصت بحرق جثمانها.. وفى العديد من مدن أيرلندا واسكتلندا، عمت البهجة، وارتفعت حناجر السكان بآهات السعادة، وانطلقت رغاوى الشمبانيا بعد رج زجاجاتها، وتصاعدت أناشيد الفرح مع الراقصين فى الشوارع.

 

وإذا كان السياسى الشهير، صاحب الضمير اليقظ، جورج جالاوى، هاجم إيقاف ساعة بيج بن لمدة ساعة حدادا، فإن المخرج اليسارى الكبير، كين لوتش، صاحب الأعمال السينمائية القوية، البديعة، الشجاعة، التى تناصر الذين ظلمتهم تاتشر، صرح، بصراحته المعهودة بأن تاتشر كان عدوة الطبقة العاملة، وكان لها أثر مدمر، ولم يفته الاعتراض على تكاليف جنازتها التى وصلت إلى عشرة ملايين جنيه استرلينى، وقال: كان يجب خصخصة جنازتها كى يكون التكريم من جنس العمل.. لوتش، جالاوى، الآخرون، أعمق إقناعا من الجنازة السقيمة.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات