أنا متفائل - خالد الخميسي - بوابة الشروق
الإثنين 6 مايو 2024 7:41 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أنا متفائل

نشر فى : السبت 20 يونيو 2009 - 4:27 م | آخر تحديث : السبت 20 يونيو 2009 - 4:27 م

 قرأت ما كتبه الشاعر ابن نباتة السعدى الذى توفى عام 1014 فى بغداد: «تفاءلت لما خوفونى سيوفهم..».

فأدركت أن التفاؤل إذن فى الوضع المصرى الراهن ليس جريمة يعاقب عليها القانون. فالرجل قد تفاءل منذ نحو الألف عام والسيوف مشهرة فى وجهه. فلم لا أكون أنا اليوم متفائلا؟.. صحيح أن ما هو مشهر فى وجوهنا اليوم أشد بأسا وفتكا من السيوف، بدءا من الحالة التعليمية التى وصلت إلى الحضيض ووصولا إلى الأزمة الاقتصادية الطاحنة التى يعيشها المجتمع المصرى. لكننى رغم ذلك متفائل. أعلنت لصديق لى أننى سوف أشهر تفاؤلى. فطلب منى التروى قائلا: سوف يرجمك من يقرأ كلامك بالحجارة، وسوف يكونون على صواب. فكيف بميت مثلك أن يعلن لأقرانه الموتى أنهم ليسوا بموتى؟.. لا تقدم على فعل هذه الخطيئة الشنعاء. ولكننى كما ترون لم أستمع لنصائحه وتوكلت على المولى لأكتب عن الأسباب وراء تفاؤلى.

هناك حراك ثقافى واجتماعى لم أعاينه منذ التحقت بالجامعة عام 1980. حالة من الفوران الشبابى لم أشاهدها من قبل تعلن عن نفسها من خلال عشرات الشواهد. شباب يبحث عن موطئ قدم وقرر أن يطرق جميع الأبواب فى رحلة البحث عن أرض يتكئ عليها. وفى رحلته هذه استطاع أن يفتح بيديه نافذة ثقافية وإعلامية أطلت منها آلاف الوجوه الجديدة. يكمن الأمل كما يقال فى الخيارات التى تبدو مستحيلة. والخيار هنا هو نشاط ثقافى حقيقى ينتج عنه حالة وعى تصل بالمجتمع للتغيير المنشود. هذا الجيل من الشباب لديه القدرة على رفض ما يقدمه له النظام الحالى من خيارات، وبدأ يعمل خياله فى خلق عالم جديد وتحويل عالمى إلى تاريخ.

دخل نداء الفنانة ماجدة «أهرام.. أخبار.. جمهورية» عندما كانت بائعة صحف فى أحد أفلامها إلى حيز التاريخ بعد طول نضال. فالباعة اليوم ينادون على صحف جديدة ظهرت كلها فى الأعوام القليلة الماضية بينما تغلق الصحف فى العالم كله أبوابها. كيف يكون ذلك ممكنا إلا إذا كان هناك خيار مستحيل يقبض عليه شباب اليوم كما يقبض على الجمر. رأيت بعينى خلال العام الماضى تشكل عشرات النوادى للقراءة، كلها من الشباب. يناقشون الكتاب ويطرحون أسئلة لمحاولة فتح أبواب المستقبل. حضرت هذا العام عشرات المسرحيات فى مسارح جديدة صغيرة وبعضها بائس، ولكن بممثلين ومخرجين شباب نشروا الأمل فى أجواء روحى. فتح الإنترنت نافذة بحجم السماء أطلت منها وجوه بألوان قوس قزح. تخرج من هذه النافذة يوميا بالونات ملونة جميلة بعضها صغير وبعضها هائل الضخامة، لا يهم. ترشق البالونات فى سحب عدة، منها السياسى والشعرى والقصصى والهزلى والاجتماعى. المجتمع المدنى المصرى ينمو ببطء ولكن بإيجابية. أتحدث الآن عن الجمعيات التى يديرها ويحركها الشباب لتنمية المجتمع. تمت دعوتى إلى عشرات من هذه الجمعيات، كلها تدعو إلى الأمل والتفاؤل. بزغت فرق فنية جديدة لشباب فى مجالات عدة.

بعضها جديد على المجتمع المصرى مثل عروض «الرجل الواحد»، تستضيفها مراكز ثقافية جديدة هى الأخرى فى القاهرة والإسكندرية وطنطا وغيرها من المدن. حتى أعلن نجم بحجم على الحجار أن هذه المراكز الثقافية الحديثة التى تستضيف يوميا الفرق الشابة كمركز الصاوى فتحت له أيضا نافذة بحجم السماء. وماذا عن الكتب؟ ما يحدث فى صناعة الكتاب يستحق دراسة متأنية. أطلت علينا دور نشر جديدة خلال الأعوام الماضية حملت ما هو جديد فى عالم الكتابة. ظهر عدد كبير جدا من الكتاب الجدد، فلا يمكن مقارنة عدد هؤلاء الكتاب الذين ظهروا خلال الخمسة أعوام السابقة بعدد أولئك الذين ظهروا فى الخمسة أعوام السابقة عليها. أنشئت خلال العام الماضى أعداد كبيرة من المكتبات الجديدة لبيع الكتب، فتحت مكتبات الشروق على سبيل المثال وليس الحصر، ست مكتبات جديدة، وفى الشهر الماضى فتحت مكتبة الديوان مكتبة جديدة لها فى جامعة القاهرة بعد أن افتتحت فرع مصر الجديدة. وقد حضرت مؤخرا افتتاح مكتبة حنين فى جاردن سيتى، وغير ذلك الكثير والكثير. أما فى مجال مبيعات الكتب فهناك ثورة فى مجال الأرقام. بدأت برواية عمارة يعقوبيان واستمرت حتى الآن فى عشرات وعشرات الكتب الجديدة. ماذا يحدث؟.. يحاول البعض أن يجيب عن هذا السؤال بالحديث عن كتاب أو عن كاتب. ولكن الحقيقة لها علاقة بحالة الفوران الشبابى. هؤلاء الشباب الذين يبحثون عن شجرة يستظلون بها من شمس الحكومة القائظة.

التقيت منذ أسبوع بواحدة من المتخصصين فى الفن التشكيلى وأكدت لى نفس المعنى. هناك فوران تشكيلى هذه الأيام. عشرات الفنانين الجدد يقدمون أعمالا جديدة فى الشكل والمضمون بصورة لم تحدث خلال العشرين عاما الماضية. عرفتنى على ثلاث فنانات يقدمن أول معرض لهن. كن فى الثالثة والعشرين من العمر. لديهن جرأة فى حركة الفرشاة وقدرة على التعبير دون وجل وكأنهن لا يعشن فى مجتمع ديكتاتورى. واحدة منهن كتبت شعرا بالعامية فى لوحاتها وهى لا تعرف عن الشعر شيئا، ولكن رغم ذلك كان النص قويا وصادما. تحدثن معى بثقة كبيرة فى الغد.

هل من قارئ يقبل انضمامه معى فى زمرة المتفائلين؟

خالد الخميسي  كاتب مصري