إلى أين من فيينا؟ - عبد الله السناوي - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 7:03 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

إلى أين من فيينا؟

نشر فى : الإثنين 20 يوليه 2015 - 8:35 ص | آخر تحديث : الإثنين 20 يوليه 2015 - 8:35 ص

فى العمل الدبلوماسى هناك فارق جوهرى بين التقدير والتسويق.

الأول يبحث فى مواطن القوة والضعف والخطوات المحتملة التالية، بينما الثانى يعمل على إضفاء القوة وإخفاء الضعف ويغيب الحديث بجدية عن سيناريوهات المستقبل.

شىء من التسويق السياسى غلب أى اعتبارات أخرى فور الإعلان عن اتفاق فيينا الذى أبرمته الدول الست الكبرى مع إيران بشأن برنامجها النووى.

كل طرف حاول بقدر ما يستطيع أن يضفى على ما توصل إليه صفة «الانتصار التاريخى» الذى حرم الطرف الآخر مما كان يستهدفه فى المباحثات المطولة.

بالنسبة للاعب الأمريكى الاتفاق هو «أفضل طريقة لمنع إيران من الحصول على سلاح نووى»، بتعبير الرئيس «باراك أوباما».

الكلام على هذا النحو يتسم بالواقعية المفرطة، غير أن بقيته تنحو إلى التسويق الزائد لتخفيض مستوى الانتقادات التى تتعرض له إدارته من معارضيه الجمهوريين فى الكونجرس.

فى التسويق السياسى يقول «أوباما» إن «إيران تمثل تهديدا للمصالح والقيم الأمريكية فى الشرق الأوسط والعالم من دون سلاح نووى».

هذا كلام لا يقف على أرض صلبة ولا تسنده التوجهات الحقيقية.

فالاتفاق أهم إنجاز لـ«أوباما» فى سياسته الخارجية بما يتجاوز تطبيع العلاقات مع الجار الكوبى المشاكس.

فى الجوهر لم تعد إيران «دولة إرهابية» ولا من «محور الشر».

بذات القدر لم تعد الولايات المتحدة «الشيطان الأعظم»، ولا«ممثلة الاستكبار العالمى».

ما هو رمزى ينشىء أوضاعا جديدة فى طبيعة العلاقة بين إيران والغرب قد تنتقل تأثيراتها إلى طبيعة النظام نفسه.

من المرجح الآن أن يحسم التيار الإصلاحى الانتخابات النيابية المقبلة.

بالنسبة للاعب الإيرانى فهو يدرك أن الاتفاق «ليس مثاليا» بحسب تعبير وزير الخارجية «محمد جواد ظريف»، غير أن مقتضيات التسويق السياسى دعت الرئيس «حسن روحانى» إلى وصفه بـ«النصر السياسى»، رهانا على أن بلاده لم تعد «خطرا عالميا».

بالحسابات الإيرانية فإن أمامها فرصا كبيرة لإعادة الاندماج فى المجتمع الدولى الذى يبدو متأهبا لاتخاذ خطوات راديكالية فى هذا الشأن وإعادة التمركز فى الإقليم على نحو جديد، اعتمادا على الطفرة المتوقعة فى مواردها بعد رفع العقوبات المالية والاقتصادية المفروضة عليها.

هناك ثلاثة سيناريوهات رئيسية للطفرة المالية.

الأول: أن تصب فى مشروعات وخدمات أساسية وتحسين مستويات المعيشة وتنشيط الاقتصاد، بما يستجيب لمتطلبات مواطنيها الذين خرجوا للشوارع للاحتفاء بما جرى فى فيينا.

وهذه مسألة شرعية لا يمكن غض الطرف عن أهميتها القصوى.

الثانى: أن تستخدم الوفرة المالية فى دعم حلفائها وتأكيد مكانتها الإقليمية.

وهذه مسألة مشروع إقليمى لا يمكن تصور أن تتخلى عنه.

الثالث: أن توظف قدراتها المالية فى سباق تسلح جديد يستنزف الإقليم كله.

وهذه مسألة صراعات قوة لا يمكن تجنبها بغير تفاهمات سياسية تخفض من مستوى أزمات الإقليم.

بصورة أو أخرى السيناريوهات الثلاثة سوف تتداخل، ولا واحد منهم يمكن استبعاده.

أين نحن هنا بالضبط؟

لا توجد معلومات موثوقة تقول بوضوح ما الذى جرى تحت الطاولة فى فيينا من تفاهمات استراتيجية فى ملفات الإقليم وأزماته.

فهل يعقل أن المباحثات كلها اقتصرت على جوانبها التقنية المعقدة دون أن تصحبها أى تفاهمات استراتيجية؟

أكثر الأسئلة جوهرية الآن: إلى أين من فيينا؟

أو كيف يؤثر الاتفاق على تفاعلات الإقليم وحروبه ومآسيه؟

إيران تتحدث عن تفاهمات محتملة فى ملف الإرهاب أو بالأحرى الحرب على «داعش» كأرضية سياسية تجمع الذين وقعوا على اتفاقية فيينا.

غير أن أى حديث عن مثل هذه التفاهمات بلا أفق سياسى أقرب إلى الأوهام المحلقة.

الذين يتشاركون فى ميادين القتال لا بد أن تجمعهم أهداف سياسية لما بعد الانتهاء من العمليات العسكرية.

ما صورة الإقليم وعلى أى نحو قد تقسم دوله؟

دون إجابة واضحة يصعب الاطمئنان إلى ما بعد الحرب.

بالنظر إلى الاستراتيجية الأمريكية فإنها تضع قدما فى الشرق الأوسط وأزماته، وقدما أخرى فى آسيا ووعودها الاقتصادية.

لا غادرت الأولى، ولا استقرت فى الثانية.

قد يكون من بين أهدافها ــ فى توقيع اتفاقية فيينا ــ أن تأخذ نفسا طويلا يسمح لها بمثل هذه المغادرة، وفق ترتيبات جديدة لم تتضح معالمها حتى الآن.

وبالنظر لإيران فإن أولوياتها الإقليمية هى على الترتيب: سوريا ثم العراق فلبنان واليمن.

سوريا مسألة حياة أو موت، والقضية تتجاوز ــ من منظور الأمن القومى ــ مستقبل النظام السورى الحالى.

والعراق يدخل فى أمنها القومى المباشر، بينما لبنان ساحة قوة ونفوذ فى قلب المشرق العربى، واليمن مناكف استراتيجى بالقرب من الخليج.

أرجو أن نتذكر أن إيران تقدمت إلى مشروعها النووى فى التوقيت ذاته الذى تمددت فيه أدوارها الإقليمية، وراهنت على نسج الحقائق فى الإقليم المشتعل بالنيران دون تعجل، كأى نساج سجاد يأخذ وقته الطويل قبل أن ينتهى من عمله.

وأرجو أن نتذكر أن إيران رغم كل الأخطاء الفادحة التى ارتكبتها تقدمت إلى الإقليم عام (١٩٧٩) برؤية جديدة غير التى كان يتبناها الشاه «محمد رضا بهلوى»، وهو نفس العام الذى انسحبت فيه مصر من قضاياه إثر معاهدة السلام مع إسرائيل.

التاريخ لا يعرف الفراغ الاستراتيجى، وعندما تتخلى عن أدوارك فإن هناك من يتقدم لملئه.

أمام التطورات الجوهرية المقبلة فى معادلات الإقليم نحتاج فى العالم العربى إلى أمرين رئيسيين، وإلا فإن الأمور سوف تسوء بأكثر مما هى عليه الآن.

الأول: أن تحسم الدول العربية الرئيسية، فى مصر والخليج على وجه الخصوص، خياراتها المشتركة فى الحرب مع الإرهاب، وأن تمتلك تصورا استراتيجيا شبه متماسك لأزمات الإقليم وسبل الخروج منها.

بتعبير استمعت إليه من وزير الخارجية المصرى «سامح شكرى»:«لا توجد مواقف جامدة فى أى حوارات دبلوماسية بين مصر والخليج».

التعبير برسائله إيجابى فى وقت حرج يستدعى الحديث بجدية والاقتراب بصورة مختلفة من الأزمات المتفجرة.

الثانى: أن نأخذ مبادرة الحديث مع إيران بصورة شبه جماعية، تطرح القضايا كلها على الطاولة، مناطق الاتفاق وحدود الاختلاف.

إيران بالنهاية مكون رئيسى على أى مستوى حضارى وتاريخى فى الإقليم، وليست عدوا تقطعت معه سبل التفاهمات إلى الأبد.

إذا كانت تتحدث عن «آفاق جديدة للتعاون مع المجتمع الدولى» فإنها لن تقدر على تثبيت حضورها الإقليمى ما لم تكن هناك تفاهمات استراتيجية تفتح «صفحة جديدة» على ما دعت أطراف عربية.