رأيى فيما يحدث - خالد الخميسي - بوابة الشروق
الجمعة 3 مايو 2024 9:52 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

رأيى فيما يحدث

نشر فى : الأحد 20 نوفمبر 2011 - 9:15 ص | آخر تحديث : الأحد 20 نوفمبر 2011 - 9:15 ص

كان مشروع التوريث مرفوضا من قبل كل من: الولايات المتحدة الأمريكية، والجيش المصرى، والمخابرات المصرية ومن قوى مصرية عديدة. وعندما بدأ مبارك فى طلب الرضا السامى من واشنطن، رفعت أمريكا بطاقة الفيتو على مشروع جمال مبارك.هذا الفيتو أدى إلى قيام مبارك ــ لأول وآخر مرة ــ بتحدى الامبراطورية الأمريكية (التى بدأ استعمارها رسميا لمصر منذ ثورة التصحيح فى مايو 1971). رفضت أمريكا مشروع التوريث لأنها رأت أن فى مصلحتها أن يكون الجيش المصرى هو حاكم البلاد. وعندما قامت الثورة المصرية ــ التى كانت ثورة مصرية شعبية لم تمولها أو تدعمها أمريكا كما قيل من البعض ــ قام الجيش بالاتفاق مع المخابرات المصرية بعمل الشىء المنطقى الوحيد حينذاك، وهو إزاحة مبارك باعتباره ورقة محروقة، والبدء فى مشروع تأسيس نظام جديد يتمتع (بشكل) ديمقراطى ويظل مواليا للولايات المتحدة الأمريكية وللسياسات الاقتصادية التى تم فرضها علينا من النظام الدولى ويحمى مصالح الأصدقاء الإقليميين والدوليين، كما يحمى المصالح الاقتصادية المتشابكة للقوات المسلحة. ولو أن الجيش سلك دربا مخالفا لذلك لتعرضت مصالح القوى السياسية الدولية والقوى المالية المهيمنة على الكون إلى الخطر فى هذه المنطقة. ولو تم ترك الحراك الثورى مستمرا لكان هذا الأمر يعنى بالنسبة إلى تلك القوى المحلية والدولية وقوع مصر فى مهب الريح، بل وإمكانية ــ والعياذ بالله ــ وقوع البلاد تحت سيطرة حكم «قوى وطنية ثورية».

 

●●●

 

فما الذى يستطيع الجيش فعله وهو يفتقر إلى الخبرة السياسية كما أنه لا يمتلك آليات العلاقة مع الجماهير؟

كان على الجيش العثور فورا على «جسر» أو «وسيط» بينه وبين الشعب وبين القوى السياسية الأخرى إن لزم الأمر، كى يسهل له تمرير ما يريد من رسائل سياسية لتأسيس النظام المطلوب فى هذه الظروف.

كان الحل الوحيد المطروح هو إدارة حوار مع القوى السياسية القائمة ثم عقد اتفاق بين المجلس الأعلى للقوات المسلحة وبين قوة بعينها لتقوم بدور الجسر.

 

وكان الإخوان المسلمون هم الأقرب. فهم من جهة تنظيم اشتهر بعقد الصفقات السياسية مع مختلف النظم السياسية عبر تاريخه منذ حكم الملك فاروق حتى يومنا هذا، من جهة ثانية يحتفظ بوجه نضالى مقبول من فئات عدة، ومن جهة ثالثة كان جزءا فاعلا فى النظام السياسى العام لحقبة مبارك، ومن جهة رابعة فان عددا كبيرا من أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة يشاركون الإخوان توجههم المحافظ (من «حفظ» أى الحفاظ على النظام القديم. وهو عكس التيار المطالب بالتغيير). حيث أن الاثنين ينظران إلى قضية الحريات والعدالة الاجتماعية بقدر من الحذر باعتبارها من الموضوعات التى ينبغى استبدالها بقضايا أخرى، مثل العودة إلى القيم القديمة والدفاع عن أمن مصر، وغيرها من القضايا الفضفاضة التى يمزجونها بمطالب الثورة.

 

وافق الأمريكان على الصفقة مع الإخوان. وبدأنا فى هذه الأيام نستمع ــ بصورة شبه يومية ــ إلى مباركة أوباما للفوز الإخوانى المحتمل فى الانتخابات التشريعية. وقد بدأت منذ فبراير حملة فى الإعلام المصرى تقوم بالدعاية للإخوان المسلمين، وتسلط الأضواء على نضالهم السياسى، والثمن الباهظ الذى دفعوه ممثلا فى التنكيل بأعضائهم والزج بهم فى سجون العادلى. وبالطبع فإن هذا الأمر يجرى دون ذكر أخبار رجال الإخوان فى المجالس النيابية السابقة وعلاقاتهم المشبوهة مع نظام مبارك، ولا علاقات رجال أعمالهم مع النظام المالى الإقليمى والمحلى، وشبكة علاقاتهم المعقدة مع السعودية الحليف الرئيسى لأمريكا فى المنطقة.

 

وماذا بعد؟ ما الذى يمكن فعله لاحتواء الثورة وتحويل مطالبها إلى «أسياخ من الحديد المطاوع» الذى يسهل تغيير شكله؟

 

●●●

 

هناك قضية الدستور، وقضية الانتخابات، والشكل الديمقراطى، وقضية الثائرين فى الشارع المطالبين بالتغيير الحقيقى. إذن، لابد أن يسير الحل عبر أكثر من درب وهذه هى الدروب الذى سرنا فيها مع المجلس العسكرى:

 

ــ البدء باختيار المستشار طارق البشرى ــ القريب من التيار الإسلامى ــ رئيسا للجنة تعديل الدستور (ومن المحتمل أن ذلك الأمر قد مثل جزءا من الصفقة مع الاخوان)

 

ــ صياغة مشروع الاستفتاء كما عرفناه (وكان الأداء السياسى كارثيا، واعتبر العسكر نتيجته تأييدا لهم).

ــ تأصيل مفهموم «فوقية القرارات»: فعلى الجميع الاستجداء عند أعتاب المجلس الأعلى للقوات المسلحة طلبا للرضا السامى، وهذا تم بمباركة القوى السياسية المصرية التقليدية كلها.

 

ــ زرع متفجرات دائمة ليصبح الفعل الثورى رد فعل لهذه المتفجرات، والترويج  لقضايا خلافية بعيدة كل البعد عن أولويات العمل السياسى.

 

ــ البدء فى فض الاعتصامات بالعنف.

 

ــ تقييد الإعلام من خلال قدر من الحنكة فى إدارة علاقات مع القوى المالية والسياسية المهيمنة على الإعلام.

 

ــ الاستمرار فى مشروع «الفتنة الطائفية» بنفس الأداء الذى بدأه أنور السادات فى الزاوية الحمراء فى يونيو 1981، حيث توالت المشاهد المرعبة واحدا بعد الآخر منذ فبراير، وفى كل مرة كان يجرى إعلاء الخطاب الدينى عبر إرسال مجموعة من الدعاة للحوار، كبديل عن الخطاب السياسى الواجب وكبديل عن اتخاذ القرارات الحاسمة.

 

ــ بعد الاطمئنان من نتائج الحوار مع القوى السياسية التقليدية، بدأ الجيش حملته ضد القوى السياسية الشابة والجديدة وبدأ القبض على الناشطين السياسيين.

 

ــ زرع بالونات اختبار متعددة الألوان، استهدفت من ضمن ما استهدفت شغل الإعلام يوميا بمختلف القضايا التافهة.

 

ــ تمرير رسائل خوف متصلة وهى الرسائل المرتبطة بالكارثة الاقتصادية القادمة، والاخطار الدولية المحتملة، وتزامن مع الترويج لسياسات الخوف الانسحاب الأمنى الداخلى لإيقاف المد الثورى والحركات الاجتماعية المطالبة بالتغيير.

 

واستمر الإخوان المسلمون خلال ذلك الوقت باللعب ببراعة بلعبة الوجوه المتعددة، حيث أثبتوا جدارة شديدة فى لعبة الإعلام، وذلك من خلال خطاب ديماجوجى يليق بما وصلنا إليه من إنحطاط بعد عقود من التخلف السياسى.

 

ــ والرسالة الأهم التى كان على المجلس الأعلى للقوات المسلحة وحلفائه التحضير لها ــ وقد نجحوا فيها إلى حد كبير ــ هى التأكيد على فكرة أن الثورة المصرية قامت من أجل انتخابات أكثر نزاهة (من انتخابات أحمد عز). ما الذى تريدونه أيها الثوار؟ هل تريدون الديمقراطية؟ وما معنى الديمقراطية؟ إن معناها انتخاب الرئيس مرتين ثم تغييره، معناها القيام بانتخابات برلمانية نزيهة (نسبيا)، وبالطبع الفصل بين السلطات الثلاث فى إطار دستور ابن حلال. حسنا، سوف نلبى تلك الطلبات.

 

هى رسالة ذكية تم التأكيد عليها عبر الاعلام وفى نفس الوقت بعيدة كل البعد عن مطالب الثورة، حيث إن المطلب الرئيسى للثورة كان إسقاط ذلك النظام الذى انتهج سياسة اقتصادية فجة لصالح الأغنياء ضد الفقراء، نظام مارس القمع والإرهاب بشتى صوره (ومازال مستمرا فيه حتى يومنا هذا)، نظام خنق الحريات وقضى على التعليم وأعلى من سطوة الأمن، وخنق الحلم داخل روح كل مصرى، نظام يفرق بين المصرى والمصرى على ألف أساس وأساس، نظام انهارت فيه القيم وانتشر الجهل والتعصب والقبح. وفى سبيل القضاء على مثل ذلك النظام، فنحن نحتاج إلى أكثر بكثير من انتخابات برلمانية ورئيس يتغير كل أربع أو ثمان سنوات. لقد استمروا فى تأصيل الفكرة الأساسية التى عمل عليها نظام مبارك: «الشكل دون الجوهر».

 

وتم الاستمرار فى تمرير الرسالة المهمة والخطيرة، والمتمثلة فى أن الانتخابات هى أهم الأشياء فى تاريخ الثورة المصرية، وهى منتهى آماله وغاية طموحاته. ويستكمل العسكر خارطتهم فى إعادة تشكيل الحديد المطاوع. أولا: التمسك بنسبة الـ50% عمال وفلاحين. (فهؤلاء النواب سوف يسهل التعامل معهم)، ثانيا: التمسك بنسبة الفردى خارج القوائم الحزبية. ثالثا: إقامة الانتخابات التشريعية القادمة على مراحل. وهى تبدو فكرة رائعة للسيطرة على النتائج، حيث تتيح التعرف على محصلة كل مرحلة، والتصرف فى المرحلة التالية لها طبقا لتلك النتائج.

 

●●●

 

هل هناك إمكانية لعقد اتفاق استراتيجى بين المجلس للأعلى للقوات المسلحة والإخوان؟ إنه أمر مستحيل يعلمه الطرفان جيدا، وتظل الخلافات قائمة بينهما، والصفقة مرتبطة بزمن بعينه وظروف بعينها، كما أن الجيش يعتمد على ولاء رئيس الجمهورية القادم له. وهذا هو الأمر الأساسى فى المرحلة الحالية. ولكى يضمن الجيش ولاء الرئيس القادم له، فلا بد أن يستمر فى منع الاعتصامات والسيطرة على الإعلام، واستخدام سلاح البلطجية التاريخى، والاستمرار فى القبض على الناشطين السياسيين، ومحاولة إيقاف أى عمل ثورى، والاستمرار فى الانفلات الأمنى، وفى طلب العون من حلفائه المحليين والدوليين.

 

هل يفكر الجيش فى عملية خروج آمن مثل تلك التى عرضت على مبارك منذ عامين ورفضها؟ لا أظن، فهم بالتأكيد قلقون على أوضاعهم الأمنية والاقتصادية، لكنهم مستمرون فى مشروعهم لخلق نظام سياسى مصرى أليف وموالى للامبراطورية الأمريكية وللنظام المالى المرتبط بها. وهم مطمئنون إلى الأداء الممتاز للإعلام المصرى فى غسيل عقول نسبة كبيرة من المصريين لخلق تيار جماهيرى يدافع عن إنجازاتهم. لكنهم لا يرون أن الشمس قد بدأت بالغروب عن أمريكا، وأن أزمة النظام الرأسمالى فى أوجها. ويبدو أن أخبار اليونان وأسبانيا والبرتغال وفرنسا وإيطاليا وانجلترا وغيرها لم تصل مصر بعد، ولا حتى تلك المظاهرات التى تموج فى أمريكا، أظن أنهم يشعرون الآن بانتصارهم القادم. فى الوقت الذى يعتقدون فيه (بصدق) أنهم يقومون على خدمة مصر بشرف، وعلى حمايتها من شر التغيير، لأن الاستقرار (فى رأيهم) هو بر الأمان فى زمن صعب.

 

●●●

 

هل من المقدر النجاح للنظام المصرى الأليف المقبل؟ «فى المشمش». ربما ينجح فى الانتخابات القادمة، لكن مصر والعالم سوف يسلكون دربا مختلفا تماما، حيث إننا على أعتاب عصر جديد. فالعصر الحالى الذى بدأ باختراع الطباعة يلفظ أنفاسه الأخيرة، ليبدأ عصر جديد مواكبا للطريق الذى شقه الانترنت. فنحن على أعتاب مرحلة «موت السياسة» كما عرفناها، وسيطرة تشكيلات اجتماعية جديدة على مقدرات الكون عبر الخمسين عاما القادمة، وفى هذه المرحلة القادمة لن يصبح هناك بالتأكيد موقع لحكم الجيوش ولا لفكر الإخوان المحافظ والرجعى. فالعصر الجديد سوف يحكم فيه الثوار القابعون الآن فى السجون، ومعهم جميع من ظل فى الشوارع حتى الآن يطالب بالتغيير.

خالد الخميسي  كاتب مصري