الحرية بين ثقافة «الإكراه».. وثقافة «لا إكراه» - عبد المنعم أبو الفتوح - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 4:14 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الحرية بين ثقافة «الإكراه».. وثقافة «لا إكراه»

نشر فى : الثلاثاء 21 أبريل 2015 - 9:35 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 21 أبريل 2015 - 9:35 ص

قد يندهش البعض من اعتبار أن ثقافة «اللا إكراه» هى ثقافة دينية بالأساس.. وهو من بعض ما عرفته وفهمته من الإسلام العظيم.. والنصوص توضح ذلك وضوحا لا يحتمل جدلا أو نقاشا.. وضوحا يتسع ليشمل معنى الحرية فى مفاهيمه وتطبيقاته الفكرية والسلوكية والاجتماعية.. إذ إن موضوع (الإيمان) و(الكفر) على ما يعرف عنه من أهمية كبرى لاتصاله بالإنسان فى حياته وما بعد حياته.. هذا الموضوع متروك تماما لحرية الاختيار والمشيئة والإرادة «فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر».. ولأن الدين يريد دائما من الإنسان أن يكون فى أعلى كمالات إنسانيته ما استطاع.. فكان موضوع حرية الاختيار والإرادة من أول الموضوعات التى اقترب بها الدين من العقل الإنسانى..

وما تتعرض له المرأة المصرية هذه الأيام من هجوم عنيف بغرض إكراهها على اختيار زيها ومظهرها الاجتماعى كى يكون «إكراها وقهرا» طبقا لاختيارات بعض الشخصيات التى استخدمت الإعلام والفضائيات بشكل مثير وغير مفهوم لتحول حديثها حول هذه الاختيارات من مجرد رأى شخصى إلى (حالة اجتماعية ووطنية !!). رغم أن الظواهر الاجتماعية لها محدداتها ومعطياتها وظروفها التى كونتها وتساهم فى استمرارها أو اختفائها. وهذا كله تنوعت به الدراسات إلى مستويات متقدمه فى الفهم والتفسير.

إلا أن من يقومون بالصراخ اليومى فى الإعلام متحدثين عن ملابس المرأة المصرية يتجاهلون هذه الحقائق العلمية ويتحاشون الاقتراب من الموضوع من زاويته العلمية والحضارية.. كون الزى أحد المظاهر الحضارية فى وجهها الاجتماعى.. ولدينا مثلا (السارى) الذى ترتديه المرأة الهندية كمظهر اجتماعى للحضارة الهندية.. بل اعتبره المناضلون الشرفاء فى الهند رمزا للاستقلال فى مواجهة الاحتلال الإنجليزى الذى لم يكن يريد احتلال الأرض فقط ولكن احتلال العقول والأفكار.. وهو ما حدث لبعض المثقفين عندنا هنا فى مصر للأسف الشديد.

وأود هنا أن أشير إلى بعض النقاط:

• لقد تجاوزت المرأة المصرية مرحلة تحولها إلى موضوع صراع فكرى أو سياسى فهى الإنسان «المرأة» كامل الأهلية والاستطاعة والقدرة. ولها حرية الاختيار مثلها فى ذلك مثل الإنسان «الرجل». وأمر معيب ومهين غاية الإهانة للمجتمع كله وليس للمرأة فقط أن يتم (توظيف) شأن من شأنها (الزى والملابس) إلى مادة وموضوع لتصفية الحسابات السياسية والأيديولوجية..لقد سمعت أحدهم يتحدث عن ألمه ومرارة تحملة لمشهد المرأة المحجبه من آخر الستينيات. وقد آن أوان تخلصه من هذه المرارة والألم.. ولا يدرى أحد ما علاقة المرأة المصرية وحريتها فى اختيار ملابسها بألمه ومرارته.

• كل يوم يتأكد للناس أن هناك تيارات فكرية كثيرة لا تفهم معنى (الحرية).. ولا ترى لها تطبيقا ولا ممارسة إلا على (هواها) واختيارها.. وهو أمر مشين ومعيب لنا جميعا.. لقد تقدمت المجتمعات كثيرا وتجاوزت فى فهمها لمعانى الديمقراطية والعلمانية إلى مستويات نموذجيه فى فهم (حرية الإرادة) وحرية اعتناق الأفكار والدعوة اليها وممارستها شكلا ومضمونا. ما دامت لا تتعرض لحرية الآخرين .

• لا يزال ترتيب سلم الأولويات عند كثير من المثقفين مضبوط على اختياراتهم الفكرية والأيديولوجية.. لا الاختيارات الوطنية والقومية.. وهو ما يدعونا لطرح كثير من الأسئلة حول فكرة الانتماء الوطنى كأولوية مطلقة فى حزمة الانتماءات والولاءات.

• الوطن الآن يمر بمرحلة دقيقة تتصل بوحدة صفوفة وتماسكه وسط دوائر من الخطر الإقليمى تزداد تعددا واتساعا كل يوم.

• يمثل الأزهر قيمة كبيرة فى نظر المصريين جميعا.. كجامع وجامعة ومؤسسة تاريخية من مؤسسات (الوطن) وهى القيمة التى تأكدت وتتأكد دوما من مواقفه ومواقف علمائه الأجلاء.. خاصة فيما يتعلق بمفهوم الوسطية والبعد عن إطلاق أحكام التكفير لأى من (أهل القبلة).. مهما كانت مواقفه السياسية والفكرية. ومحاولات الطعن فيه والتطاول عليه وعلى شيخه وعلمائه يعكس مواقف سيئة أقل ما توصف به أنها أبعد ما تكون عن الاختيارات الوطنية الراجحة.

• على المثقفين وأصحاب الأفكار المختلفة أن ينحوا خلافاتهم الفرعية جانبا.. لتلتقى الجماعة الوطنية كلها على الموضوعات والأهداف والاختيارات الكبرى.. والتى ليس من بينها بطبيعة الحال (ملابس) الناس خاصة فى هذا الظرف التاريخى الحاسم.. وما يتصل بالبناء الوطنى فى معماره السياسى (أحزاب قوية ــ برلمان قوى) ومعماره الاقتصادى (ناتج قومى ــ وتنمية) ومعماره الاجتماعى (القضاء على الأمية ــ والجوع) ومعماره الفكرى (التعليم – والبحث العلمى)..

وأختم كلامى بدعوة الجميع سلطة وقوى سياسية ومثقفين وتيارات فكرية إلى الاعتبار من أن تجارب السابقين فى الإقصاء والتصفية والوصول بالاختلاف إلى حدوده القصوى.. لم تسفر إلا عن خسارة كبيرة يتحملها طرف واحد فقط.. (هو الوطن).

التعليقات