احترس من النبطشى - كمال رمزي - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 12:27 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

احترس من النبطشى

نشر فى : الثلاثاء 21 أبريل 2015 - 9:20 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 21 أبريل 2015 - 9:20 ص

النبطشى، هو ذلك الرجل المهياص، الممسك بميكرفون الفرج، ليملأ الأجواء بضجيج الصهللة. يرفع عقيدته مقدما تحياته الحارة لأهل الحارة، معددا مناقب العروسين، وأسرتيها، وأحبائهما، مرحبا بالوافدين من أول الشارع، مقدما التحية للجدعان، ولا يفوته التنديد بالأندال، الذين لا أخلاق لهم، ولا يحبون الخير للآخرين.. يقاس نجاح النبطشى بمدى قدرته على قتل الصمت والقضاء على الهدوء، مرهون بمواصلة الكلام، بحماس، مهما كان الكلام فازعا، فالمهم، إبقاء الإيهام بأن الليلة تشتعل بصدق حرارة العواطف.

أحيانا، ينتابن الإحساس بأن «النبطشى» ليس مجرد مهنة، بل أسلوب حياة، تسلل إلى واقفا، فأصبحنا نراه ونعايشه.. يبدو واضحا فى برامجنا التليفزيونية، حين يهلل المذيع ــ أحيانا بوقار ــ للمتحدثين له، تليفونيا، من غرفة مجاورة، متظاهرا أن المكالمة آتية من السودان أو كندا، وتصل إلى قمتها المبتذلة فى قنوات قائمة على التسابق من أجل معرفة الفروق بين صورتين لفنان واحد، والرابح سينال عشرات الآلاف من الجنيهات.. وها هو المذيع ــ أو المذيعة ــ يحض المشاهدين على الاتصال فورا، بالأرقام المكتوبة على الشاشة الصغيرة.. يمتد النشاط «النبطشى» ليشمل الإعلانات الحماسية للعقاقير المقوية للذكورة، حيث يؤكد المروج أن الدواء به طاقة الحصان.

واقعيا، نرى «النبطشجية»، فيمن يلتفون حول المسئول الكبير الذى يزور موقعا، أو كى يفتتح مشروعا، يؤدون دورا، يعتبر، على نحو ما، امتدادا لوظيفة المطيباتى أيام زمان، الذين يستحنون أداء المطرب، ويتظاهرون بأن الوجد قد أخذ منهم مأخذه، فيصيحون «الله.. تانى والنبى».. فى هذه المرة، يتظاهرون بزنهم يسخسخون من الضحك، إذا أقدم المسئول على دعابة غليظة، أو قال نكتة سخيفة. يغضبون أشد الغضب حين يبدى المسئول ضيقه بأمر ما.. أما عن المشروع، حتى لو كان إعادة افتتاح كوبرى، أو وضع حجر أساس مدرسة صغيرة، أو رصف شارع، فإنها، عند النبطشى، أطواق نجاح ستنتشل البلاد من غرق محتمل.

إحدى أدوار النبطشى، تجميل كل ما هو دميم، والترويج للبضاعة أيا كان فسادها، وإغداق الأوصاف المحببة على ما هو جديدر بالزراية، فإذا كانت العروس متواصغة الجمال، هى عنده ليست أقل من القمر، وبينما العريس عاطل عن العمل، من خريجى السجون، يمسى رجل أعمال، مشهود له بالنزاهة.. لو أقيم الفرح فى منطقة بلطجية، لابد أن يوصف أهاليها بالشرفاء.. أما عن الراقصة، التى لا علاقة لها بالرقص، والمطرب، صاحب الصوت الردىء، فإنهما، عند النبطشى، من فنانى السينما والتلفاز والإذاعة.

الصخب، من شروط النبطشى، أو هو الأساس فى الأجواء الاحتفالية، فالأصوات العالية تشتت الانتباه من ناحية، وتزج بالمتواجدين إلى حالة أقرب للغيبوبة، وربما لا يتواجد النبطشى، لكن لابد من حضور المؤثرات السمعية، ذلك أنها تصهر الجميع فى بوتقة واحدة.. فى حفلة حرق الكتب بفناء إحدى مدارس الجيزة، تعمد أصحاب العرس الكئيب، إطلاق أناشيد وطنية متوالية، لزوم صهللة الأجواء.. «النبطشى»، ليس مجرد مهنة، بل محنة، وأسلوب للتزييف، يتزايد فى حياتنا، عواقبه وخيمة، خاصة أن الانتخابات قادمة، غدا، أو بعد الغد، حيث سينشط النبطشجية، فعليا أن ننتبه.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات