ما أهمية قانون الجمعيات؟ وما مشكلته؟ - زياد بهاء الدين - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 3:55 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ما أهمية قانون الجمعيات؟ وما مشكلته؟

نشر فى : الثلاثاء 21 مايو 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 21 مايو 2013 - 8:00 ص

أحد أهم القوانين الجارى مناقشتها فى مجلس الشورى هذه الأيام هو قانون الجمعيات والمؤسسات الأهلية. ولكن مع أهميته فإنه لا يحظى إلا باهتمام متواضع فى الرأى العام وبين وسائل الإعلام، ربما بناء على تصور خاطئ بأنه قانون لا يهم سوى المنظمات ذات النشاط السياسى والجمعيات العاملة فى مجال حقوق الإنسان وأنه لا يمثل أهمية للغالبية العظمى من المواطنين. ولكن الواقع أن هذا تصور خاطئ تماما لأن القانون، متى صدر، سوف تكون له آثار شديدة الخطورة على آلاف الجمعيات المنتشرة فى طول مصر وعرضها والمعنية بمجال واسع من القضايا الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والإنسانية وبالتالى على ملايين المواطنين وعلى المجتمع المدنى عموما.

 

لأننا نعيش فى ظل فوضى تشريعية لم يسبق لها مثيل فإننا نجد أنفسنا ــ كالعادة ــ تائهين بين عدة مسودات وبين رؤى متضاربة ونصوص متناقضة وغموض يبدو متعمدا حول ما تنوى الحكومة أن تقدمه فى نهاية المطاف. ولذلك فإن ما أطرحه هنا ليس تعليقا على نصوص ومواد بعينها بل ما أعتقد أنها اعتبارات أساسية يجب أن تتوافر فى أى قانون للجمعيات الأهلية:

 

الاعتبار الأول هو ضرورة أن تكون هناك رؤية واضحة حول الغرض من التشريع أصلا. فهل الغرض هو الرقابة والتنظيم؟ أم التشجيع والدعم؟ هناك فارق كبير بين الأمرين والقرار يجب أن يكون واضحا قبل الدخول فى تفاصيل الصياغة والنصوص. للأسف أن كل التشريعات السابقة وكذلك القانون السارى حاليا تتعامل مع الجمعيات الأهلية باعتبارها كيانات مشبوهة بحاجة لرقابة مستمرة وتنتقص من سيطرة الدولة على المجتمع. وهنا فإننا بحاجة لنقلة نوعية فى نظرتنا إلى الجمعيات الأهلية والاعتراف بها طرفا أساسيا فى التنمية الاقتصادية والاجتماعية وفى توازن السلطات والقوى فى الدولة وطوق نجاة لفئات واسعة فى المجتمع خصوصا فى ظل غياب سياسات وبرامج رسمية للتعامل مع الخلل الاجتماعى العميق الذى نعانى منه. فإذا اقتنعنا بذلك حقيقة فإن الطبيعى أن يصبح الغرض الأساسى من القانون هو التشجيع والتنمية والمساندة من الدولة وليس مجرد الرقابة والتفتيش والجزاءات والتوجس من كل حركة وكل مبادرة.

 

الاعتبار الثانى هو ضرورة تحرير تأسيس الجمعيات وإدارتها من تدخل الدولة وسطوتها. وهنا نجد أن مشروعات القوانين المطروحة من الحكومة مؤخرا تخالف هذا التوجه (كما تخالف الدستور) لأنها تزعم أن تأسيس الجمعيات يكون بمجرد الإخطار ثم تزج بنصوص ملتوية تجعل تقديم ملف التأسيس وقيد الإخطار موقوفا على السلطة التقديرية والتعسفية لموظفى الشئون الاجتماعية بما يجعل الأثر النهائى هو استحالة تأسيس جمعية أهلية دون موافقة ورضاء جهة الإدارة. أما الموافقة على التمويل أجنبى فالمقترح مؤخرا أن تكون بالكامل بيد «لجنة تنسيقية» أغلبية أعضائها من الحكومة تتحكم فيمن يحصل على تمويل ومن لا يحصل دون حتى ذكر لمعايير أو ضوابط أو أى تنظيم موضوعى. وبينما أنه من واجب الدولة أن تحمى أمنها القومى من التدخل السياسى الأجنبى وأن تتحقق من مصادر تمويل الجمعيات وعدم مخالفتها للقانون فإن غياب معايير موضوعية يعنى أن من بيده السلطة يصبح قادرا على التحكم فى نشاط وفاعلية الجمعيات الأهلية وفقا لأهوائه وانحيازاته السياسية والفكرية وأن يوجه نشاطها لما يحقق سيطرته على المجتمع المدنى.

 

اما الاعتبار الثالث الذى يغيب دائما عن أى حوار حول قانون الجمعيات الأهلية فهو ما يضيفه هذا القانون من أعباء مالية ومادية لا داعى لها وتكلفة باهظة على مؤسسات غرضها فى نهاية المطاف هو خدمة المجتمع ومصلحة المواطنين لا تحقيق الربح. ولكن لأن هذا الاعتبار غائب تماما عن بال من يكتبون القانون ومن يناقشونه فنجدهم غير عابئين بالتكلفة التى تتحملها الجمعيات عند التأسيس والنشر فى الوقائع المصرية والزامها باستئجار مقار وتعيين موظفين ومسك دفاتر شديدة التعقيد واتباع إجراءات عقيمة فى كل خطوة تخطوها وكلها وسائل للسيطرة والرقابة لا تحقق حماية حقيقية للمجتمع وترفع تكلفة العمل الأهلى بشكل يتعارض مع الغرض منه. مرة أخرى نحن هنا أمام غلبة الرقابة والسيطرة على فلسفة التشجيع والدعم فى نظرتنا إلى الجمعيات الاهلية ودورها فى المجتمع.

 

أما الاعتبار الرابع والأخير فهو أن مشروعات القوانين المقترحة من الحكومة تسعى للسيطرة كل أشكال التعاون والتنظيم فى المجتمع بما فيها المبادرات والحملات الشعبية والتحالفات والروابط وغيرها، وهذا اتجاه غير مطلوب وفى كل الأحوال غير ممكن. فطبيعة هذه الأشكال من التعاون تتطلب مناخا حرا ومساحة من الحركة لا تنسجم مع متطلبات أن يكون لها مقر ومجلس إدارة وشخصية اعتبارية ومحاضر اجتماعات وكل لوازم البيروقراطية المصاحبة لها. كيف يمكن ان تتوافر هذه المقومات لكل حملة شعبية أو مبادرة أهلية أو حركة احتجاجية؟ وما الهدف من ذلك ان لم يكن محاولة السيطرة على كل أشكال الاحتجاج والحراك الشعبى؟ ليس كل ما فى المجتمع قابلا للقيد والتسجيل والدخول فى القيود البيروقراطية المعتادة، ولذلك فان أى محاولة لوضع كل نشاط أهلى وشعبى فى هذه القوالب الجامدة سيبوء بالفشل ولكن سيصبح أيضا سيفا مصلتا على رقاب كل من لديهم الرغبة فى القيام بعمل جماعى.

 

تقديرى ان النصوص القانونية المطروحة من الحكومة قد عادت بنا إلى نقطة البداية مرة أخرى وإلى حيث بدأت الحركة الأهلية كفاحها ضد سطوة الدولة وسيطرتها منذ نصف قرن. مرة أخرى نعود إلى محاولة تقييد الجمعيات والسيطرة عليها ورفع تكلفة إنشائها وإدارتها لتحقيق حلم كل حاكم مستبد فى أن يكون متحكما فى كل شىء. قانون الجمعيات لا يقيد النشاط الحقوقى ولا جمعيات حقوق الإنسان وحدها بل يسعى إلى الدفع بكل نشاط أهلى وخيرى وكل مبادرة للتغيير وكل حركة احتجاج تحت رحمة الدولة، وهذه ردة خطيرة.

زياد بهاء الدين محام وخبير قانوني، وسابقاً نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير التعاون الدولي، ورئيس هيئتي الاستثمار والرقابة المالية وعضو مجلس إدارة البنك المركزي المصري.