ماذا غاب عن المتشائمين بشأن الذكاء الاصطناعى؟ - قضايا تكنولوجية - بوابة الشروق
الإثنين 3 يونيو 2024 3:49 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ماذا غاب عن المتشائمين بشأن الذكاء الاصطناعى؟

نشر فى : الثلاثاء 21 مايو 2024 - 6:10 م | آخر تحديث : الثلاثاء 21 مايو 2024 - 6:10 م

يخيم جو من التشاؤم على المناقشات التى تدور حاليا حول الذكاء الاصطناعى التوليدى. فقد وجد استطلاع أجرته مؤسسة YouGov فى شهر مارس أن الأمريكيين يُـبدون فى المقام الأول «الحذر» أو «الانشغال» بالذكاء الاصطناعى، فى حين يشعر واحد فقط من كل خمسة «بالأمل» أو «الحماس». ويشعر نحو أربعة من كل عشرة بالقلق أو القلق الشديد من أن الذكاء الاصطناعى قد يقضى على الجنس البشرى.

توضح مثل هذه المخاوف ميل الإنسان إلى التركيز على الخسارة التى قد يُـفضى إليها التغير التكنولوجى بدرجة أكبر من تركيزه على ما قد يترتب عليه من مكاسب. التقدم فى مجال الذكاء الاصطناعى سوف يسبب الارتباك والتعطيل. لكن التدمير الخلّاق يخلق كما يدمر، وهذه العملية مفيدة فى نهاية المطاف. ففى كثير من الأحيان، نجد أن المشكلات التى تخلقها أى تكنولوجيا جديدة من الممكن أن يكون فيها أيضا الحل لهذه المشكلات. ونحن نرى هذا بالفعل مع الذكاء الاصطناعى، وسنرى المزيد منه فى السنوات القادمة.

لنتذكر هنا الذعر الذى انتشر عبر المدارس والجامعات عندما أثبتت شركة OpenAI  لأول مرة أن الأداة ChatGPT التى طرحتها قادرة على الكتابة باللغة الطبيعية. أعرب عدد كبير من القائمين على التعليم عن مخاوف مشروعة مفادها أن الذكاء الاصطناعى التوليدى من شأنه أن يساعد الطلاب على الغش فى الواجبات والامتحانات، مما يؤثر سلبا على تحصيلهم التعليمى. لكن ذات التكنولوجيا التى تتيح هذا الانتهاك تمكننا أيضا من اكتشافه ومنعه.

علاوة على ذلك، من الممكن أن يساعد الذكاء الاصطناعى التوليدى فى تحسين جودة التعليم. يواجه نموذج التعليم فى الحجرات الدراسية القائم منذ فترة طويلة تحديات خطيرة. إذ تتباين مستويات الذكاء والاستعداد بشكل كبير بين الطلاب داخل أى حجرة دراسية، كما هى الحال مع أنماط التعلم ومستويات المشاركة والانتباه والتركيز. بالإضافة إلى هذا، تتفاوت جودة التدريس من حجرة دراسية إلى أخرى.

الذكاء الاصطناعى قادر على معالجة هذه المشكلات من خلال العمل كمدرس خصوصى لكل طالب. إذا كان طالب بعينه يتعلم الرياضيات بشكل أفضل من خلال ممارسة ألعاب الرياضيات، فإن الذكاء الاصطناعى من الممكن أن يقدم له ألعاب الرياضيات. وإذا كان طالب آخر يتعلم بشكل أفضل من خلال العمل بهدوء على المشكلات وطلب المساعدة عند الحاجة، فبوسع الذكاء الاصطناعى أن يوفر له ذلك. وإذا كان أحد الطلاب متأخرا عن رفاقه بينما تمكن آخر فى ذات الحجرة الدراسية من إتقان المادة بالفعل وأصبح يشعر بالملل، فبمقدور مدرسى الذكاء الاصطناعى العمل على معالجة الطالب الأول وتقديم مواد أكثر تحديا للأخير. كما ستعمل أنظمة الذكاء الاصطناعى كمساعدين تدريسيين مخصصين بمواصفات محددة، وهذا من شأنه أن يساعد المعلمين على تطوير خطط الدروس وتشكيل التعليم فى حجرة الدراسة.

ستكون الفوائد الاقتصادية المترتبة على هذه التطبيقات كبيرة. فعندما يكون لكل طفل مدرس خصوصى يعمل بالذكاء الاصطناعى، ستتحسن النتائج التعليمية فى عموم الأمر، وسوف يستفيد الطلاب والتلاميذ الأقل حظا فى المدارس الأدنى جودة بشكل غير متناسب فى الأرجح. بعد ذلك، سينمو هؤلاء الطلاب الأفضل تعليما ليصبحوا عمالا أكثر إنتاجية وقادرين على الحصول على أجور أعلى. سوف يصبحون أيضا مواطنين أكثر حكمة، وقادرين على جعل آفاق الديمقراطية أكثر إشراقا. ولأن الديمقراطية تشكل أحد أسس الرخاء فى الأمد البعيد، فإن هذا أيضا سيخلف تأثيرات اقتصادية صحية ونافعة.

• • •

يستبد القلق بكثير من المعلقين إزاء احتمال تسبب الذكاء الاصطناعى فى تقويض الديمقراطية من خلال شحن المعلومات الخاطئة والمضللة. وهم يطلبون منا أن نتخيل «تزييفا عميقا» ولنقل على سبيل المثال لإعلان صادر عن الرئيس جو بايدن بأن الولايات المتحدة تعتزم الانسحاب من منظمة حلف شمال الأطلسى (الناتو)، أو ربما معاناة دونالد ترامب من حدث طبي. قد يكون مثل هذا الفيديو الذى ينتشر بسرعة البرق مقنعا إلى الحد الذى يجعله يؤثر على الرأى العام فى الفترة التى تسبق انتخابات نوفمبر.

ولكن فى حين يشكل التزييف العميق الذى يشمل قادة سياسيين ومرشحين لمناصب عليا تهديدا حقيقيا، فإن المخاوف بشأن المخاطر التى تهدد الديمقراطية والتى يحركها الذكاء الاصطناعى مبالغ فى تقديرها. ومرة أخرى، من الممكن توظيف ذات التكنولوجيا التى تسمح بالتزييف العميق والأشكال الأخرى من حرب المعلومات كأداة للتصدى لها أيضا. ومثل هذه الأدوات تُـسـتَـخـدم الآن بالفعل. على سبيل المثال، تعمل SynthID، وهى أداة لوضع العلامات المائية طورتها منصة DeepMind التابعة لشركة Google، على صبغ المحتوى الناتج عن الذكاء الاصطناعى بتوقيع رقمى لا يستطيع البشر إدراكه ولكن يمكن اكتشافه بواسطة البرامج. قبل ثلاثة أشهر، أضافت OpenAI  علامات مائية على كل الصور المولدة بواسطة ChatGPT.

• • •

هل تُـفضى أسلحة الذكاء الاصطناعى إلى خلق عالم أشد خطورة؟ من السابق للأوان أن نجزم بهذا. ولكن كما هى الحال مع الأمثلة المذكورة أعلاه، فإن ذات التكنولوجيا التى يمكنها خلق أسلحة هجومية أفضل يمكن استخدامها أيضا لإنشاء دفاعات أفضل. يعتقد عدد كبير من الخبراء أن الذكاء الاصطناعى من شأنه أن يزيد من درجة الأمان من خلال تخفيف «معضلة المدافع»: التباين الذى لا تحتاج قوى الشر بسببه إلا إلى النجاح مرة واحدة، فى حين يجب أن تعمل الأنظمة الدفاعية فى كل مرة.

فى شهر فبراير، ذَكَـرَ رئيس شركة جوجل التنفيذى، ساندر بيتشاى، أن شركته طورت نموذجا لغويا كبيرا مصمما خصيصا للدفاع السيبرانى والاستخبارات المرتبطة بالتهديدات. كتب بيتشاى: «بعض أدواتنا أصبحت أفضل بنسبة تصل إلى 70% فى اكتشاف النصوص الضارة وأكثر فعالية بنسبة تصل إلى 300% فى تحديد الملفات التى تستغل الثغرات ونقاط الضعف».

ينطبق ذات المنطق على المخاطر التى تهدد الأمن القومى. يخشى الاستراتيجيون العسكريون أن تتمكن أسراب من الطائرات المسيرة آليا المنخفضة التكلفة والسهلة الصنع من تهديد حاملات الطائرات الضخمة الباهظة التكلفة، والطائرات المقاتلة، والدبابات ــ جميع الأنظمة التى تعتمد عليها المؤسسة العسكرية الأمريكية ــ إذا جرى التحكم فيها وتنسيقها بواسطة الذكاء الاصطناعى. لكن ذات التكنولوجيا الأساسية تُستخدم بالفعل لإنشاء دفاعات ضد مثل هذه الهجمات.

• • •

أخيرا، يخشى كثيرون من الخبراء والمواطنين أن يحل الذكاء الاصطناعى محل العمال البشريين. ولكن كما كتبت قبل بضعة أشهر، فإن هذا الخوف المشترك يعكس عقلية المحصلة صفر التى تسىء فهم كيفية تطور الاقتصادات. فبرغم أن الذكاء الاصطناعى سيتسبب فى إزاحة عدد كبير من العمال، فإنه سيخلق أيضا فرصا جديدة. وسوف يبدو العمل فى المستقبل مختلفا إلى حد كبير عن العمل اليوم، لأن الذكاء الاصطناعى التوليدى سيخلق سلعا وخدمات جديدة يتطلب إنتاجها عمالة بشرية. حدثت عملية مماثلة مع التقدم التكنولوجى فى السابق. وكما أوضح الخبير الاقتصادى فى معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا ديفيد أوتور وزملاؤه، فإن غالبية وظائف اليوم تقع فى مهن ظهرت بعد عام 1940.

تركز المناقشة الدائرة حاليا حول الذكاء الاصطناعى التوليدى بشكل غير متناسب على الارتباك الذى قد يطلق له العنان. لكن التقدم التكنولوجى لا يعطل النظام فحسب؛ بل يخلق أيضا. سوف تظل قوى الشر التى تسعى إلى إحداث الفوضى باستخدام تكنولوجيات جديدة حاضرة دائما. ما يدعو إلى التفاؤل أن هناك حافزا ماليا هائلا للتصدى لمثل هذه المخاطر، فضلا عن الحفاظ على الأرباح وتوليدها.

عمل الكمبيوتر الشخصى والإنترنت على تمكين اللصوص وتسهيل انتشار المعلومات الكاذبة، وتسببا فى إحداث ارتباكات كبرى فى سوق العمل. ومع ذلك، لن نجد إلا قلة قليلة من الناس اليوم يرغبون فى إعادة عقارب الساعة إلى الوراء. ينبغى للتاريخ أن يلهم الثقة ــ وليس الرضا عن الذات ــ فى أن الذكاء الاصطناعى التوليدى سوف يقودنا إلى عالم أفضل.

مايكل آر. سترين

 مدير دراسات السياسة الاقتصادية فى معهد «أميركا انتربرايز»

 موقع Project Syndicate

النص الأصلى

قضايا تكنولوجية قضايا تكنولوجية
التعليقات