لو أن المسئولين والمثقفين نزلوا وقابلوا الشباب وتحاوروا معهم، فربما يمكن ردم الفجوة الصعبة الموجودة بينهم.
يوم الأربعاء الماضى، عشت تجربة حية حينما تلقيت دعوة كريمة من قسم العلوم السياسية بكلية التجارة جامعة أسيوط لحضور المؤتمر الثانى لنموذج محاكاة الاتحاد الأوروبى فى موسمه الثانى.
الفكرة نفذها بمهارة ٢٩ طالبا وطالبة، تدربوا على مدى أكثر من ستة أشهر، على نموذج المحاكاة، كل طالب يمثل دولة أوروبية، قرأ عنها وتابع مواقفها الشاملة بشأن أربع قضايا رئيسية هى الإرهاب، وأوكرانيا، وليبيا، والهجرة غير الشرعية.
فى اليوم الختامى للمؤتمر ألقى كل ممثل كلمة دولته ملخصا وجهة نظرها فى هذه القضايا، بحضور الضيوف، وأبرزهم السفير محمد العرابى وزير الخارجية الأسبق وجابريل مونويرا رئيس القسم السياسى فى المفوضية الأوروبية بالقاهرة ثم كاتب هذه السطور، إضافة بالطبع إلى الدكتور محمد عبدالسميع رئيس الجامعة، ود. عادل ريان نائب رئيس الجامعة لشئون التعليم والطلاب، ود. عبدالسلام نوير عميد كلية التجارة، ومجموعة كبيرة من أساتذة وطلاب الجامعة.
سألت الدكتور أحمد الشورى المشرف الأكاديمى على هذا المشروع، فقال لى إن الطلاب جاءوا من كليات مختلفة بالجامعة بعد مقابلات واختبارات، وتم تدريبهم على الخطابة، ومهارات التفاوض، والاطلاع الدقيق على مواقف كل دولة أوروبية على حدة، وانتقاء كلمات وتعبيرات دبلوماسية محددة. تحدث كل طالب لمدة خمس دقدائق تقريبا، وكان واضحا تفاعلهم مع الفكرة.
انتهى العرض، وعندما جاء دورى فى التعليق، قلت إن هناك أملا فى المستقبل مادام هناك طلاب مثلكم. هم متحمسون ونهمون للمعرفة، ولو وجدوا مزيدا من التدريب والمتابعة فربما يكون لهم مستقبل باهر، ولذلك كان طبيعيا أن يتنبأ السفير العرابى لبعضهم بمستقبل مشرق، ووجه لهم العديد من النصائح. بل إن السفير جابرئيل قال منبهرا إن ما يحدث فى اجتماعات مجلس وزراء الاتحاد الأوروبى فى بروكسل، لا يختلف كثيرا عما شاهده فى هذا اليوم داخل القاعة الكبرى بمركز الضيافة بجامعة أسيوط.
هؤلاء الشباب وغيرهم ممن قابلتهم فى أسيوط، يريدون أن نسمعهم ونحاورهم ونشجعهم والأهم أن نفهمهم. هم يعتقدون أن هناك فجوة كبيرة بينهم وبيننا، ولهم كل الحق فى هذه الملاحظة.
لو أن المسئولين والمثقفين نزلوا إلى هناك واستمعوا إلى هؤلاء الطلاب، فربما تم حل جزء كبير من المشكلة. لدى الحكومة اعتقاد راسخ بأن الشباب إما «شاطط وشاطح ومخه طاقق» أو إرهابى أو مغيب ومدمن، ولدى الشباب يقين بأن الحكومة منفصلة عنهم.
هذا النقاش المقترح لابد أن يكون مفتوحا، وأن تدخله الحكومة بصدر واسع، وأن تستمع إلى ما يقوله الشباب من حقائق وتطبق ما يكون صحيحا، وتصحح ما يطرحونه من أفكار خاطئة، وتشرح لهم الواقع، فربما غير الكثير منهم بعض أفكارهم الحماسية.
على كل منا أن يؤدى دوره، ويستمع ويحاور الشباب. لا أتحدث عن الشباب الذى تمت سرقة عقله وروحه فى بعض كهوف سيناء، أو من يحمل المولوتوف فى بعض شوارع القاهرة، لكن عن ملايين الشباب الذين هجرناهم وتركناهم فريسة سهلة لكل المتطرفين والظلاميين، وحتى حاملى المولوتوف. فلو كانت هناك طريقة لاستردادهم وإعادتهم ليكونوا مواطنين مسالمين، فربما كان ذلك أفضل، لكن ذلك يتطلب بطبيعة الحال، أن ينفتح المجال العام للسياسة ليستوعب كل الأفكار مادامت فى إطار القانون والدستور والدولة المدنية.
ليت كل المؤسسات والوزارات المختصة تنظم معسكرات تجمع طلابا حقيقيين، سواء كانوا مؤيدين أو معارضين للحكومة، ويكون هناك نقاش حر وموضوعى مع كل المسئولين وقادة المجتمع المدنى. لو حدث ذلك، أتوقع أن نكسب الكثير من الطلاب لخدمة المجتمع ونبعدهم عن التحول إلى وقود للمتطرفين والإرهابيين.
ما رأيته فى أسيوط يوم الأربعاء، يجعلنى موقنا أن الفرصة لم تذهب بعد، والأمل فى المستقبل كبير، شرط أن يؤدى كل منا دوره. المشكلة ليست فى الشباب بل فينا جميعا.. نحن من ابتعد وخذلناهم.