تطبيق الدستور أولى وأهم - جورج إسحق - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 12:54 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تطبيق الدستور أولى وأهم

نشر فى : الإثنين 21 أغسطس 2017 - 9:50 م | آخر تحديث : الإثنين 21 أغسطس 2017 - 9:50 م
لم نحقق إنجازا فى سبيل إخراج ميثاق عادل بين الحاكم والشعب سوى دستور 2014 الذى نعتبره من أهم منجزات ثورة 25 يناير التى كانت تطالب بالحريات العامة. وإذ نفاجأ أن الذى منوط به أن يحافظ على تحقيق ما جاء فى الدستور وتطبيقه، هو من يريد أن يعبث به ويعدله؛ «الدستور» الذى ما زال فى أدراج مجلس النواب. فقام النائب إسماعيل نصرالدين بتقديم «دراسة نقدية» لعدد من مواد الدستور، وعدد من المقترحات لتعديل مواد الدستور الخاصة بمدة الرئاسة وسلطات رئيس الجمهورية. وقد تقدم بمقترح فى شهر فبراير الماضى، إلا أن البرلمان أجل مناقشة المقترح إلى دور الانعقاد القادم.

وبدأت الإشارات فى تعديل الدستور عندما قيل إن دستور 2014 وضع «بنية حسنة» وأنه طموح ويحتاج وقتا للتنفيذ، فى إشارة إلى أن الدستور لا يصلح للفترة الحالية وهو ما حاول النواب استغلاله فى الطرح المبكر لتعديل الدستور. 

وبعد بداية الطرح الأول، تطور الموضوع إلى الإلحاح فى الطرح مما جعل رئيس لجنة حقوق الإنسان فى مجلس الشعب علاء عابد يطالب بالإسراع فى تعديل الدستور، من أجل مد فترة الرئاسة ست سنوات ويعطى رئيس الدولة سلطة إقالة الوزراء دون الحاجة إلى موافقة البرلمان. وكان مبرره الذى أوضحه فى بيان نشره أن الدستور الذى يعيق التنمية ومكافحة الإرهاب وتقدم الدولة اقتصاديا يوجب أن نشرع فى تعديله عن طريق السلطة التشريعية ثم القرار الأخير يُترك للشعب عن طريق الاستفتاء الشعبى. 
فى حين أن الرئيس المؤقت المستشار عدلى منصور الذى كان له سلطة إصدار إعلانات دستورية وهى السلطة التى استند إليها فى إصدار إعلان دستورى فى 8 يوليو 2013 الذى تضمن 33 مادة أرست فى مجملها مبادئ حقوقية وحريات متسقة مع أفضل ما جاء فى الدساتير المصرية عبر التاريخ. وبموجب الاتفاقيات الدولية التى تصون الحريات والحقوق والتى وقعتها مصر عليها والتزمت بالعمل بها. هذا هو الفرق الذى يجب أن نطرحه على الناس وليس تعديلا عبثيا. 

المادة 140 من الدستور الجديد، الذى تم إقراره فى عام 2014 بأغلبية تنص على أن «يُنتخب رئيس الجمهورية لمدة أربع سنوات ميلادية، تبدأ من اليوم التالى لانتهاء مدة سلفه، ولا يجوز إعادة انتخابه إلا لمرة واحدة. وتبدأ إجراءات انتخاب رئيس الجمهورية قبل انتهاء مدة الرئاسة بمائة وعشرين يوما على الأقل، ويجب أن تعلن النتيجة قبل نهاية هذه المدة بثلاثين يوما على الأقل».

وتنص الفقرة الخامسة من المادة 226 على أنه «فى جميع الأحوال، لا يجوز تعديل النصوص المتعلقة بإعادة انتخاب رئيس الجمهورية، أو بمبادئ الحرية أو المساواة، ما لم يكن التعديل متعلقا بالمزيد من الضمانات». 

ومن الواضح من هذه الفقرة أن الدستور نفسه منع تعديل المواد الخاصة بانتخاب الرئيس، أى كل النصوص المتعلقة بإعادة انتخاب الرئيس سواء مدة الرئاسة أو عدد المدد فلا يمكن اجتزاء ذلك كما يدعى البعض بأن النص يخص عدد المدد ولا يخص تعديل المدة الواحدة فهذا عبث بمواد الدستور لتعديله غصبا واقتدارا. 
***
الدستور حصن نفسه بنفسه من أيادى العابثين به، فتعديل المواد الخاصة بإعادة انتخاب الرئيس تسقط الدستور كاملا. فلماذا العبث بالدستور وهو بمثابة القانون الأعلى والعقد الاجتماعى المحدد لعلاقة السلطة بالشعب واختصاصات السلطات المختلفة!! وهو بمثابة وثيقة استقرار الدول فلماذا العبث باستقرار وطننا فى هذه الفترة الحرجة للبلاد!! 

أما كان الأولى والأجدر من هؤلاء النواب أن يُفعلوا الدستور ويطبقوه أولا وأن يحولوا مواده إلى قوانين فاعلة تحمى الحقوق والحريات والعدالة فى البلاد بدلا من أن يطيحوا بها. 

أما كان الأولى أن يشكلوا مفوضية منع التمييز التى ينص عليها الدستور المصرى 2014 حيث نصت المادة 53: «المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون فى الحقوق والحريات والواجبات العامة، لا تمييز بينهم على أساس الدين، أو العقيدة، أو الجنس، أو الأصل، أو العرق، أو اللون، أو اللغة، أو الإعاقة، أو المستوى الاجتماعى، أو الانتماء السياسى أو الجغرافى، أو لأى سبب آخر. التمييز والحض على الكراهية جريمة يعاقب عليها القانون. تلتزم الدولة باتخاذ التدابير اللازمة للقضاء على جميع أشكال التمييز، وينظم القانون إنشاء مفوضية مستقلة لهذا الغرض». 

ونص السطر الأخير من المادة على إنشاء مفوضية لمكافحة جميع أشكال التمييز، والذى يعد ترجمة وتطبيقا فعليا لنص المادة. مما يتطلب وضع آليات جادة لضمان خروج مفوضية تتغلب على أشكال التمييز. وهو ما اعتبره الكثير نقلة نوعية فى قواعد التشريع المصرى تجاه تحقيق المساواة حيث إن هذه المادة فى الدستور تكفل مكافحة جميع أشكال التمييز بين المواطنين. 

فهل كان من الافضل ايضا أن نناقش قانون العدالة الانتقالية؟ التى يحاسب بها كل ما أساء لمصر والمصريين قبل 25 يناير وبعدها حتى نرسى العدالة والمحاسبة بالقانون فأين أنتم من تفعيل الدستور وتطبيقه قبل أن تهتموا بتعديل مواد حماها وحفظها الدستور من التغول لأنها ضد مصلحة الشعب فهل يفيق نواب الشعب ويطالبوا رئيس المجلس إخراجه من الأدراج لتطبيقه لا لتعديله! 

وأخيرا نحن نثمن ما ذكره بيان السيد عمرو موسى رئيس لجنة الخمسين الذى استنكر فيه محاولات تعديل الدستور وقال فى بيانه إن «الحديث المعتاد عن تعديل الدستور فى عام انتخاب الرئيس يثير علامات استفهام بشأن مدى نضوج الفكر السياسى الذى يقف وراءه» وأكد موسى ما يقوله العقلاء والخائفون على مصلحة هذه البلاد، أن المجتمع يحتاج «تفعيل» الدستور قبل «تعديله». 

إن العبث بالدستور ومحاولة تعديله سيضرب الدولة المدنية الحديثة فى مقتل. ويؤدى بالبلاد إلى عدم الاستقرار. نحن لسنا فى حاجة لتعديل الدستور ولكننا فى حاجة ملحة لتطبيقه.
جورج إسحق  مسئول الاعلام بالامانة العامة للمدراس الكاثوليكية
التعليقات