هل تتحقق طموحات تركيا الخارجية؟ - أحمد عبدربه - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 12:43 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هل تتحقق طموحات تركيا الخارجية؟

نشر فى : الأحد 21 سبتمبر 2014 - 7:50 ص | آخر تحديث : الأحد 21 سبتمبر 2014 - 7:50 ص

«إن الرجل الذى يقبع على رأس الحكومة التركية الآن هو نفسه المتهم بالمسئولية عن فشل وتخبط السياسة الخارجية التركية فى السنوات القليلة الماضية، فهل ينجح خليفته وزير الخارجية الحالى الدكتور مولود جاويش أوغلو فى إصلاح ما فسد؟»

كان السؤال الفائت واحدا من أهم الأسئلة التى شغلت الساحة الداخلية التركية وكذلك شغلت دوائر صنع القرار الغربية المهتمة بتطورات الشأن التركى خلال الشهر الفائت! وخارج دوائر حزب العدالة والتنمية الحاكم تكاد تكون الإجابة هى «لا»، ليس بسبب عدم قدرة السيد مولود جاويش على التغيير أو الإصلاح، ولكن ببساطة لأن الموضوع يتخطاه، فالمعلم التركى والمخطط للسياسة التركية طوال السنوات الماضية ما زال على رأس السلطة ويعتقد بشدة أنه سيستمر المخطط الأول للسياسة الخارجية التركية خلال المرحلة القادمة.

•••

تولى داود أوغلو ملف الخارجية عام ٢٠٠٩ بعد مسيرة أكاديمية ناجحة ومرموقة، وسريعا ما بدأ داوود فى رسم ملامح السياسة الخارجية التركية التى استندت إلى مبدأين واضحين سبق وعبر عنهما فى كتاباته الأكاديمية، الأول: أن العمق الاستراتيجى الحقيقى لتركيا ليس فى التوجه غربا نحو أوروبا ولكنه فى إعادة العلاقات الاستراتيجية مع ممتلكات الإمبراطورية العثمانية السابقة، وهو ما يعنى إعادة بناء علاقات استراتيجية مع الدول العربية والشرق أوسطية، فالعمق الإسلامى بالنسبة لتركيا هو الأساس الذى سيمكن تركيا من الدخول بثقلها وبندية مع الاتحاد الأوروبي، اعتمادا على قيام تركيا بتقديم نموذج ناجح للغرب «للإسلام الديمقراطي»، وتقديم نموذج يحتذى به للعالم العربى والإسلامى فى الجمع بين الإسلام والحداثة والتقدم. أما المبدأ الثانى فهو أن تنجح تركيا فى صناعة سياسة خارجية صفرية المشاكل مع الجيران!

كانت القوة الرئيسية لداوود أوغلو هى توقعه بقيام ثورات الربيع العربي، وقد استغلت تركيا هذه الثورات فى تعضيد وجودها حيث دعمت بشدة عملية التحول فى تونس ومصر وليبيا فضلا عن سوريا. إلا أنه وبعد أن تراجعت هذه الثورات عن التأثير تعرضت السياسة الخارجية التركية لترنحات شديدة أفقدتها قدرتها على التأثير، ولأول مرة منذ عقود فإن أنقرة الآن لا تملك سفراء فى القاهرة ودمشق وتل أبيب معا وهو تعبير واضح عن أزمة السياسة الخارجية وأنها خرجت بشدة عن مبدأ صفرية المشاكل الذى حاول أوغلو اتباعه وخاصة إذا ما أضفنا إلى تلك الأزمات العلاقة المتوترة بين تركيا ودول الخليج فى ظل دعم الأولى لجماعة الإخوان المسلمين، بالإضافة إلى العراق الغاضبة من اتباع تركيا سياسات داعمة لحزب العمال الكردستانى واتهام بغداد لأنقرة بدعم نقل البترول من شمال العراق إلى تركيا دون إذن الأولى.

•••

وبحسب عدد من الباحثين الأتراك فإن السياسة الخارجية التركية تعتمد على أربع افتراضات رئيسية، الافتراض الأول؛ أن الرابطة الدينية الإسلامية ستحل محل القومية فى دول الشرق الأوسط كصانع لهويات الشعوب فى تلك المنطقة، والثانى أن قادة الشرق الأوسط وخصوصا فى المحيط العربى سينظرون إلى تركيا باعتبارها المثل الأعلى فى نموذج الإسلام الوسطى المتماشى مع الديمقراطية والحداثة، أما الثالث فهو أن هذه الصحوة الدينية المحافظة ستتيح الفرصة لتركيا للتأثير الكبير على المنطقة، بينما يقوم الفرض الرابع والأخير على أن الولايات المتحدة تتبع سياسات تأمرية ضد المنطقة من أجل منع انتشار الديموقراطية بها.

فشل دعم المعارضين السوريين، وعدم السيطرة على عملية انتقال السلاح من الأراضى التركية إلى سوريا، فضلا عن دعم الإخوان وقيادتهم وإغضاب القاهرة وحلفائها فى الخليج، بالتوازى مع التوتر مع الولايات المتحدة كانت العناوين الكبيرة لفشل سياسة داوود الخارجية.

ليست العلاقة بالغرب بأفضل حال، فرغم سعى أنقرة الدؤوب على الانضمام إلى الاتحاد الأوروبى إلا أن كل المحاولات باءت بالفشل حتى الآن! ورغم ذلك مازالت أنقرة تسعى إلى الانضمام بحلول عام ٢٠٢٣ لتحقق المعادلة الصعبة فى تاريخ الجمهورية فى ذكرى تأسيسها المئوية بالجمع بين البعد الهوياتى الإسلامى والضرب فى العمق الغربي. هذا ويعد تعيين وزير الخارجية الحالى تأكيدا على هذا المنحى فالرجل كان مسئولا بالأساس عن ملف الاتحاد الأوروبى فى الحكومة التركية السابقة ومعروف بتوجهه الغربى وبعلاقاته القوية مع المسئولين الأوروبيين، لكن هل هذا يكفى؟

•••

فى مقابلاتى بتركيا مع عدد من الأكاديميين الداعمين أو المحسوبين بشكل غير مباشر على الحزب الحاكم أبدوا ثقة فى نجاح الهدف بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبى بحلول عام ٢٠٢٣ ومدخلهم فى ذلك اقتصادى بحت فقال أحدهم ممن رفض التصريح باسمه إذا ما قررت اقتباس كلامه للصحافة (لكنه سمح لى بذكر اسمه فقط إذا ما نشرت دراستى فى دورية علمية وعلى احترام رغبته)، قال «رغم أن الهوية الإسلامية فى تركيا تزعج الكثير من صناع القرار فى أوروبا إلا أنهم حينما يجدوننا ضمن أقوى عشرة اقتصادات عالمية سيرضخون للطلب لأسباب مصلحية بحتة». وعلى العكس من ذلك يرى الدكتور نهاد على أوزكان وهو جنرال متقاعد بالجيش التركى وباحث فى العلاقات الدولية ومتخصص فى شئون الإرهاب والشرق الأوسط ويحمل رؤية نقدية لأوردغان وسياساته أن الانضمام إلى الاتحاد الأوروبى لن يكون أمرا سهل المنال، فسياسات أردوغان الداعمة لحركات الإسلام السياسى لن يتم التسامح معها ببساطة فى الغرب، ويرى أوزكان أنه فى خلال ثلاث سنوات لو لم تتمكن تركيا من الانضمام إلى الاتحاد الأوروبى فعلى أردوغان أن ينسى الأمر!

لعل مستقبل العلاقة بين تركيا والاتحاد الأوروبى لا يمكن إدراكه بالاعتماد على فهم كيان الاتحاد الأوروبى فحسب دون فهم الحسابات المعقدة لأعضائه فرادى، فمثلا فى تقديرى وبحسب حديثى مع قطاع كبير من الأكاديميين المهتمين بالشأن الأوروبى فى تركيا وبغض النظر عن تأييدهم أو اعتراضهم على أردوغان فإن العلاقات التركية الألمانية قد تكون بعدا هاما فى فهم مستقبل العلاقة مع الاتحاد الأوروبي، فألمانيا التى يعيش بها عدة ملايين من الأتراك المهاجرين لديها توجس كبير من توجهات تركيا الإسلامية ومدى تأثيرها على الداخل الألماني، وأثناء تواجدى هناك كانت فضيحة تجسس المخابرات الألمانية على عدد من المسئولين الأتراك فى الداخل والخارج تلقى بظلالها على المشهد التركى وتوضح مدى التوجس لدى الألمان خاصة والأوروبيين والأمريكان عامة من سياسات أردوغان، ولكن وكما قال أحد من التقيتهم متهكما «وهل تعتقد أن تركيا لا تفعل الأمر مثله مع ألمانيا؟» وهو ما يوضح الألغام الكثيرة المحيطة بالقضية.

•••

تبدو تركيا فى هذه الأيام طامحة بشدة للجمع بين الحسنيين، دولة ديمقراطية ذات هوية إسلامية لها امتدادات استراتيجية فى العمق العربى والإسلامى وعضوية فى الاتحاد الأوروبى لانهاء ميراث طويل من الصراعات القديمة ولتقديم تركيا فى عهد أدوغان باعتبارها نقطة وصل ثقافية واقتصادية وسياسية بين الشرق والغرب، بين العالم الإسلامى والغرب المسيحى فهل تنجح هذه المساعي؟

فى تقديرى هذا المسعى يبدو صعبا فى الوقت الراهن، فتدهور العلاقات المصرية التركية وفتور العلاقات مع دول الخليج العربى على هامش دعم الإخوان، فضلا عن فشل رهان ودعم تركيا للمعارضة السورية مع خروج تنظيم داعش عن السيطرة، مع عدم ارتياح الغرب لسياسات أردوغان ذات البعد الهوياتى الإسلامى تجعل الجمع بين البعدين أمرا صعبا على الأقل فى الوقت الراهن ويتطلب من أردوغان وداوود أوغلو تنازلات مؤلمة ومرونة استراتيجية ناحية مصر ودول الخليج وإسرائيل من ناحية ونجاحات اقتصادية مبهرة تجبر أوروبا على اتباع منهج براجماتى مصلحى فى التعامل مع ملف العضوية التركية، فضلا عن أوضاع أمنية مستقرة داخليا وإقليميا من ناحية ثانية، فهل تتحقق تلك المعادلة الصعبة فى غضون السنوات القليلة القادمة؟ هل تنجح سياسات تركيا الاقتصادية؟ هل سيتمتع أردوغان وداوود أوغلو بالمرونة اللازمة؟ إجابات هذه الأسئلة ستحدد وجهة تركيا القادمة، فإما نجاح مبهر فى القيام بحلقة الوصل بين الشرق والغرب أو فشل ذريع فى كلا الملفين.

تصحيح: ورد سهوا فى المقال الفائت ذكر أن تركيا تحارب الكيانات الموازية ممثلة فى جماعة «أوجلان» والصحيح هو جماعة «كولن» فعذرا على هذا الخطأ.

أحمد عبدربه مدير برنامج التعاون الدبلوماسي الأمريكي الياباني، وأستاذ مساعد العلاقات الدولية بجامعة دنفر.