الحنين للطوارئ - فهمي هويدي - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 4:44 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الحنين للطوارئ

نشر فى : السبت 21 نوفمبر 2015 - 9:15 ص | آخر تحديث : السبت 21 نوفمبر 2015 - 9:15 ص

استغرب حفاوة الشبيحة المصريين بقرار الرئيس الفرنسى فرانسوا هولاند بإعلان الطوارئ، لسببين رئيسيين أحدهما يتعلق بالطوارئ فى فرنسا. والثانى يتعلق بالطوارئ فى مصر. ذلك أنها فى فرنسا استثناء وهى فى مصر قاعدة. ذلك أن قانون الطوارئ الفرنسى صدر فى عام ١٩٥٤ أثناء حرب الاستقلال فى الجزائر التى كانت فرنسا تعتبرها جزءا منها، ومنذ ذلك الحين فإنها لم تفعل إلا فى أوقات محدودة ولمدة قصيرة لمواجهة الاضطرابات التى حدثت فى السنوات ١٩٦١ و١٩٨٥ و٢٠٠٥. فى مصر الموقف مختلف، ذلك أنها ظلت خلال ثلاثة أرباع القرن الأخير فى حالة طوارئ ثابتة. إذ يذكر المستشار طارق البشرى أن الطوارئ أو الأحكام العرفية أعلنت ومورست فى مصر لأول مرة فى عام ١٩٣٩ مع اشتعال الحرب العالمية الثانية، ومنذ ذلك الحين وحتى الآن فإنها ظلت سارية. ولم ترفع إلا لفترات بسيطة للغاية لا تبلغ السنوات العشر. وحتى فى فترات رفعها فإن السلطة كانت تستصدر قوانين من القوانين ما يمكنها من ممارسة السلطات الاستثنائية على المواطنين. ففى سنة ١٩٥٤ مثلا صدر قانون تدابير أمن الدولة ليحل محلها حين رفعها. وفى عام ١٩٧٢ صدر قانون حماية الجبهة الداخلية وفى عام ١٩٨٠ صدر قانون الوحدة الوطنية وفى ٢٠١٣ صدر قانون منع التظاهر وفى العام الحالى ٢٠١٥ صدر قانون الإرهاب. وهكذا.

من ناحية أخرى فالفرق شاسع فى آلية وملابسات الطوارئ فى البلدين. فالقانون الفرنسى يسمح لرئيس الدولة بالانفراد بإعلان الطوارئ فى حالة وجود خطر جسيم يهدد النظام العام لمدة ١٢ يوما فقط. وإذا أراد أن يمددها لأكثر من ذلك فإن ذلك ليس من حقه، ولكنه حق الجمعية الوطنية التى عليها أن تصدر قانون بذلك. وما حدث بعد مذبحة الجمعة الماضية حين أصدر الرئيس الفرنسى قرار الطوارئ فإنه لم يفعل ذلك إلا بعد أن ألقى خطابا أمام اجتماع استثنائى لمجلسى النواب والشيوخ. كما أنه اجتمع مع رئيسى المجلسين وقادة الأحزاب من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، من مؤيديه وخصومه الألداء. لكى يستمع إلى آرائهم فى الخطوة التى ينوى اتخاذها. أى أنه رجع إلى المجتمع ممثلا فى رموز الطبقة السياسية ولم يخاطب لا العسكريين ولا الأمنيين.

فى فرنسا لا تحمى حالة الطوارئ السلطة التنفيذية من الرقابة القضائية، فى حين أن مجلس الدولة فى مصر قرر عام ٢٠٠٨ أن إعلان الطوارئ من الأعمال السيادية التي لا يمكن للمحاكم مراقبتها. إذ تذكر الدراسة التى أعدها موقع صدى مصر أن مجلس الدولة الفرنسى يحق له البت فى القضايا التى تطالب بوقف العمل بحال الطوارئ إذا رأى المواطنون أن أسبابها لم تعد سارية. وهو ما حدث عام ٢٠٠٥ حين نظر مجلس الدولة قضيتين طالبتا بوقف العمل بحالة الطوارئ الجزئية الى أعلنت آنذاك. بعدما مددها البرلمان فى أعقاب مضى الـ١٢ يوما، بسبب اندلاع أعمال الشغب فى بعض ضواحى باريس، واستمرت مدة ثلاثة أسابيع، بعدما انتقلت إلى بعض المدن.

فى هذا الصدد نقلت دراسة الموقع عن باحث الدكتوراه المصرى فى جامعة بواتييه الفرنسية أحمد القهوجى قوله إن انعدام الرقابة القضائية يعتير الفارق الجوهرى بين تطبيق الطوارئ فى كل من مصر وفرنسا. ذلك أنه فى الحالة المصرية أصبحت الطوارئ حالة أبدية مرتبطة بأهواء النظام الحاكم دون أن تتاح للأفراد المتضررين إمكانية الطعن فيها، الأمر الذى جعل تطبيق الطوارئ فى مصر بعيد تماما عن رقابة القضاء.

ما يثير الدهشة فى حفاوة الشبيحة المصريين بإعلان الطوارئ فى فرنسا، والدعوة الضمنية لتطبيقها فى مصر أنه لم يعد هناك مجال، ولا أصبحت لدينا حاجة لإعلان الطوارئ بصفة رسمية. ليس لأننا أصبحنا ضد الإجراءات الاستثنائية التى تلجأ إليها السلطة بحق المواطنين.

ولكن لأن جهابذة القانون والأمن نقلوا مواد الطوارئ المتعارف عنها من قانون الطوارئ، وأخبرونا بأن عصر الطوارئ انتهى، فى حين أنهم ضحكوا علينا حين ألغوا العنوان ثم نقلوا كل مواد الطوارئ ووزعوها على القوانين العادية. وبدلا من أن تظل بمثابة أحكام استثنائية تطبق فى ظل أوضاع الضرورة الاستثنائية، فإنها أصبحت جزءا لا يتجزأ من القوانين العادية المعمول بها. وذلك ما حدث بالنسبة لمد الحبس الاحتياطى ومحاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية ومنع التظاهر بالقانون وصدور قانون خاص للإرهاب. ورغم أن مصادرة الأموال والممتلكات لا تتم فى ظرف الطوارئ إلا أننا فتحنا الأبواب بعد ذلك لتلك المصادرات.

الخلاصة أن كل ما يبيحه قانون الطوارئ تحول إلى أحكام قانونية مستقرة وجزءا من النظام القانونى العادى. لذلك أدهشنى مطالبة البعض بإعلان للطوارئ التى هى قائمة بغير إعلان، ولم أجد لذلك تفسيرا سوى أنه يحسد حنين الشبيحة للمصطلح الذى يحدث رنينه بما يشيعه من خوف وتوتر بين الناس.

حين ناقشت الأمر مع الحقوقى البارز الأستاذ نجاد البرعى. قال لى إن الشرطة الفرنسية اعتذرت لجميع البنايات التى اقتحموا بعض الشقق فيها لضبط الإرهابيين وطلبوا منهم إعذارهم لأنهم اضطروا إلى ذلك. ثم قال لى معقبا أعطونا سياسة وبرلمانا وقضاء وشرطة كتلك التى فى فرنسا ولن نتردد فى تأييد الطوارئ والاحتفاء بها.

فهمي هويدي فهمى هويدى كاتب صحفى متخصص فى شؤون وقضايا العالم العربى، يكتب عمودًا يوميًا ومقالاً اسبوعياً ينشر بالتزامن فى مصر وصحف سبع دول عربية اخرى. صدر له 17 كتابا عن مصر وقضايا العالم الاسلامى. تخرج من كلية الحقوق جامعة القاهرة عام 1961 ويعمل بالصحافة منذ عام 1958.