عن القمة الاقتصادية العربية فى بيروت: إلى متى تستمر «مقاطعة» سوريا؟ - طلال سلمان - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 10:20 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عن القمة الاقتصادية العربية فى بيروت: إلى متى تستمر «مقاطعة» سوريا؟

نشر فى : الثلاثاء 22 يناير 2019 - 11:35 م | آخر تحديث : الثلاثاء 22 يناير 2019 - 11:35 م

انتفى الغرض من القمة العربية. كان الهدف منها، بالأصل، جمع من تفرق من الدول لأسباب سياسية، بعضها يتصل بالخوف من «الوحدة» وبعضها الآخر بسبب الخوف من كمائن الدول الكبرى المهيمنة، الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا أساسا، ومعهما وبعدها إسرائيل.
كان التضامن هو الهدف، بداية، ثم صار الهدف مواجهة الكوارث، خصوصا أن آخرها التى انعقدت تلبية لنداء جمال عبدالناصر كانت بسبب التصادم بين العرش الأردنى والمقاومة الفلسطينية فى عمان فى أيلول (الأسود) 1970.
بعد رحيل عبدالناصر، «انقلب» السادات على سياساته فى الداخل بداية، ثم على المستوى العربى والدولى مباشرة بعد حرب أكتوبر 1973. بدأت الحرب بإمكانية أن يربحها «العرب» وقد تجلت طلائع النصر واضحة على الجبهة المصرية (سيناء) كما على الجبهة السورية (الجولان)، قبل أن يتكشف التواطؤ الذى نسجه وزير الخارجية الأمريكى هنرى كيسنجر لتوقيف القتال على الجبهة المصرية، مما سمح لقوات الاحتلال الإسرائيلى بإعادة احتلال محيط منطقة قناة السويس وتهديد القاهرة، ثم التفرغ لمواجهة الجيش السورى الذى كان على وشك الوصول إلى بحيرة طبريا.
...وكان أن «عوقبت» مصر السادات بترحيل جامعة الدول العربية من القاهرة إلى تونس لفترة انتهت مع اغتيال السادات وتولى حسنى مبارك رئاسة مصر. فى حين استمر العمل بموجبات «الصلح» مع العدو الإسرائيلى، بما فى ذلك «الاعتراف» وتبادل التمثيل الدبلوماسى.
لكن ذاكرة العرب قصيرة.. وهكذا عادت الجامعة العربية إلى القاهرة، وعاد معها الملوك والرؤساء العرب إلى زيارة «جمهورية مصر العربية» وكأن شيئا لم يكن.
...وعادت القمة العربية إلى الانتظام فى انعقادها فى شهر مارس من كل عام، متنقلة بين العواصم، ومن خلفها قراراتها التى لم تنفذ!.
***
ثم كان أن تفرع عن القمة قمة عربية ثانية للشئون الاقتصادية والاجتماعية.
تزايدت القمم لكن النتائج ظلت دون المستوى الذى يرضى الحد الأدنى من طموح العرب.
صارت كل قمة تعقد بنصف نصابها، ويحل الوزراء محل الملوك والرؤساء العرب، فى حين كانت معاهدات الصلح أو «التطبيع» مع العدو الإسرائيلى تتزايد ومعها جولات رئيس حكومة العدو الإسرائيلى وسائر مسئوليه على العديد من العواصم العربية.
باتت المعادلة واضحة: بقدر ما يتناقص التضامن العربى على قاعدة «وحدة المصير» يتزايد النفوذ الإسرائيلى المؤكد للهيمنة الأمريكية على المنطقة.
ثم انقسم العرب بين الأغنى والأفقر «فاستقلت» دول النفط والغاز العربية فى مجلس التعاون الخليجى، الذى تبدى أنشط وأكثر فاعلية من «جامعة الفقراء العرب» فى قاهرة المعز القائمة على أنقاض القاعدة البريطانية الكبرى أيام الاحتلال البريطانى لمصر.
...وكان «منطقيا» فى الحالة هذه، أن تتمكن قطر ومن تواطأ معها من «طرد سوريا» من جامعة الدول العربية، وهى بين الدول الخمس المؤسسة لها، برعاية بريطانية فى البدايات، قبل أن تتحرر مصر بالثورة عام 1952 فتحررها.
***
صارت «القمة العربية» شكلية، أو بعضا من الفولكلور، تنعقد بمن حضر، وتنتهى بقرارات لا تنفذ..
تفرق العرب أيدى سبأ: لم تعد تجمعهم حتى «القضية المقدسة» فلسطين، لا سيما بعدما ابتدع الضعف العربى «السلطة الوطنية» التى لا سلطة لها بديلا من التحرير... ثم توالى اعتراف الدول العربية بسلطة الاحتلال الإسرائيلى على فلسطين.
***
فكيف الحال مع «القمة الاقتصادية» التى لا يشترط انعقادها، فى العادة، حضور الملوك والرؤساء العرب. وأى اقتصاد عربى مع انقسام العرب بين أغنياء حتى التخمة وفقراء حتى العوز؟
كان طبيعيا أن يستشرى نفوذ دول النفط والغاز، وأن تتهاوى قيمة «دول القرار العربى»، إما بسبب فقرها، أو بسبب التطورات الدراماتيكية التى ضربت دولة صدام حسين فى العراق، أو بسبب الحرب فى سوريا وعليها.. فضلا عن سقوط الدول العربية الفقيرة، الصومال وجيبوتى.. إلخ سهوا!
وبغض النظر عن الوضع الشاذ فى لبنان الذى لا حكومة فيه بعد استقالة الحكومة التى كانت قائمة وتعذر تشكيل حكومة جديدة، فإن مناخ الخلاف السائد فى المنطقة «منع» ــ مثلا ــ من دعوة سوريا إلى هذه القمة، بذريعة أنها ما تزال «مطرودة» من جامعة الدول العربية، كما أن فى اليمن «حكومتين» تتنازعان الشرعية، واستمرار الصراع فيها وعليها.
ليس أكثر من مشروعات الوحدة السياسية إلا مشاريع الوحدة أو الاتحاد أو التضامن العربى.. لكن القليل جدا من تلك المقترحات التى تستهدف تحقيق المنافع المشتركة، للعرب فى مختلف أقطارهم وتزيد من التعاون والتبادل التجارى فيما بين دولهم المتخاصمة ما تزال حبرا على ورق أو عفا عليها الزمن.
فدول الخليج العربى استقلت بقرارها عن سائر الأشقاء.. ولما خرجت قطر على هذا القرار «نبذت» وإن ظلت الكويت مفتوحة عليها.
ولقد استمع اللبنانيون، وسائر العرب، خلال هذه القمة الاقتصادية التى غاب عنها مختلف الملوك والرؤساء العرب، فيما عدا موريتانيا وجيبوتى، فى حين تم «استبعاد» سوريا تنفيذا لقرار همايونى اتخذته الجامعة العربية بتحريض من قطر لم تسقطه أصوات الأكثرية المعارضة.. وإن كان وزير خارجية لبنان جبران باسيل قد ألقى « قصيدة مديح» لسوريا مطالبا بعودتها، خصوصا وأن فى رأس المواضيع المدرجة على جدول أعمال هذه القمة: إعادة إعمار سوريا.. ومعها إعادة النازحين الذين يناهز عددهم المليونين من لبنان اليها.
أما الامين العام للجامعة العربية أحمد أبوالغيط فقال ما مفاده أنه لم يحن الحين بعد لعودة سوريا.. ولم يعرف سامعوه «أى حين» يقصده.
***
الملوك والرؤساء العرب غير معنيين، كما تشهد قمة بيروت، بالاقتصاد والاجتماع فى الوطن العربى، فلديهم قضايا ومسائل أهم وأخطر تشغل أوقاتهم واهتمامهم..
..وليس بين اهتماماتهم وحدة الموقف العربى، أو بالحد الأدنى التعاون عربيا فى المجال الاقتصادى الاجتماعى.
وهكذا تصبح الفرقة العربية هى القاعدة، ويزداد العدو الإسرائيلى قوة على قوته، خصوصا وأن العديد من الدول العربية قد اعترفت بهذا الكيان المعادى، كما أن رئيس حكومة تل أبيب طمأن الإسرائيليين إلى أن عددا آخر من هذه الدول فى طريقه للاعتراف بالأمر الإسرائيلى الواقع.
فهل من المستغرب أن تكون إسرائيل أقوى من العرب مجتمعين، ليس عسكريا فحسب بل اقتصاديا أيضا.. ويبدو أن تجميع المنفيين والبؤساء فى أوطانهم إلى جانب العنصريين أقرب إلى التحقق من الموحدين لغة وثقافة وهوية وتاريخا وجغرافيا!
إن العرب يحاربون العرب، بغض النظر عن «النظام» القائم، هنا أو هناك، مع العلم أن معظم هذه الأنظمة مرتهنة للنفوذ الأجنبى، مع ملاحظة أن الأغنى من الدول العربية، يضيق عليها خناق الارتهان أكثر من الدول الفقيرة.. فالمستعمر يريد من يعطيه، لا من يأخذ منه، خصوصا وأن بين شروط وجوده واستمراره أن يأخذ ويأخذ ويأخذ ليظل الخاضع لاستعماره بحاجة إليه، اقتصاديا، وبالتالى سياسيا وعسكريا، والأخطر: ثقافيا!
ومع الأسف، فإن القمم الاجتماعية ــ الاقتصادية ليست أفضل حالا وأعظم تأثيرا من القمم العربية السياسية.. ومن المؤسف أن نسمع الأمين العام لجامعة الدول العربية يعلن من بيروت، أى من على مرمى حجر من دمشق، أنه «من المبكر» الحديث عن عودة سوريا إلى هذه الجامعة التى باتت ــ منذ وقت طويل ــ تفتقد دورها ومعنى اسمها والغرض من إنشائها.. حتى لو سلمنا ــ جدلا ــ بأن المستعمرين هم الذين «نصحوا» بإقامتها عشية المؤامرة الدولية لإقامة إسرائيل فوق أرض فلسطين وطرد أهلها منها.
.. وفى انتظار عودة الوعى إلى هذه الأمة، واستفاقتها إلى حقائق ذاتها، ومصالحها الحيوية التى لن تتحقق فى مناخ «الانفصال» السائد إلى حد «العداء»، بعد المقاطعة وعبر استعداء الأخ للأجنبى ضد شقيقه أو أشقائه، سيظل الحديث عن الاقتصاد والمصالح المشتركة معلقا على أكتاف القادة العرب المختلفين حتى... حافة الحرب.

طلال سلمان كاتب صحفي عربي بارز، مؤسس ورئيس تحرير جريدة السفير اللبنانية، كما أنه عضو في مجلس نقابة الصحافة اللبنانية - المدونة: www.talalsalman.com
التعليقات