حق المواطن فى بر مصر - عمرو حمزاوي - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 5:02 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حق المواطن فى بر مصر

نشر فى : الجمعة 22 أبريل 2016 - 9:35 م | آخر تحديث : الجمعة 22 أبريل 2016 - 9:35 م
منذ أيام قليلة، سقط مجددا مواطن مصرى ضحية لرصاص أمين شرطة (قتيل الرحاب).

منذ أيام قليلة، واصلت الأجهزة الأمنية معاملتها غير الإنسانية للمسلوبة حريتهم فى سجن العقرب وتعنتها فى احترام حقوقهم من الحصول على الدواء إلى الزيارات الدورية من قبل ذويهم.

منذ أيام قليلة، سلبت الأجهزة الأمنية حرية عدد من طلاب الجامعات وعدد من الشباب ودفعت بهم إلى أماكن الاحتجاز إن على خلفية مشاركتهم فى تظاهرات سلمية أو فى سياقات أخرى.

منذ أيام قليلة، تصاعدت الممارسات القمعية للسلطات المصرية ضد المجتمع المدنى حيث زج بالمزيد من المنظمات الحقوقية فيما يسمى إعلاميا قضية التمويل الأجنبى، وتعرضت أعمال وأنشطة المزيد من المنظمات والجمعيات الأهلية لضغوط حكومية.

منذ أيام قليلة، استمرت الاحتجاجات السلمية لحملة الماجستير والدكتوراه الباحثين عن التعيين فى الجامعات والمعاهد العلمية، واحتجاجات بعض القطاعات العمالية وبعض موظفى الأجهزة الحكومية بسبب غياب الاستجابة لمطالبهم الاقتصادية المشروعة، واستمر كذلك الفعل الاحتجاجى لنقابة الأطباء الرافض للانتهاكات المتكررة لكرامة وحقوق الأطباء من قبل عناصر تنتمى للأجهزة الأمنية.

***

هذه المظالم منفردة أو مجتمعة، وعلى الرغم من حدوثها فى بيئة مجتمعية مصرية تعصف بها الأعداد غير المسبوقة للمسلوبة حريتهم والانتهاكات المتراكمة لحقوق الإنسان والتراجع المؤسف فى منظومة العدالة التى ما عادت تمنع حدوث جرائم مروعة كالتعذيب والاختفاء القسرى والقتل خارج القانون، لم ترتب حراكا شعبيا مشابها للحراك الذى أحدثه فى الأيام القليلة الماضية تأجيج المشاعر الوطنية بشأن مسألة جزيرتى تيران وصنافير ولم تستحوذ على اهتمام مماثل فى النقاش العام وفى فاعليات شبكات التواصل الاجتماعى. بل إن سلب حرية عدد من الطلاب والشباب على خلفية مشاركتهم فى مظاهرات «جمعة الأرض» سرعان ما تجاهله العديد من القوى الاحتجاجية التى دعت إلى التظاهر وتجاوزته الأحداث المتلاحقة.

وإذا كان من اليسير هنا التذرع بفاعلية تأجيج المشاعر الوطنية فى مخاطبة قطاعات شعبية واسعة ودفعها إلى الرفض العلنى لسياسات أو قرارات تلصق بها (وبغض النظر عن حضور أو انتفاء الأسس الموضوعية) صفات التخاذل عن الدفاع عن المصالح الوطنية أو اتهامات التنازل عن الحقوق الوطنية فى مقابل محدودية فاعلية المطالب المتعلقة بالدفاع عن حقوق الإنسان والحريات وسيادة القانون لجهة اكتساب قدر معتبر من الاحتضان الشعبى، فإن الأمر المحبط بوضوح هو عجز القوى الاحتجاجية والشخصيات العامة المنتسبة للفكرة الديمقراطية عن إضفاء شىء من العقلانية على تأجيج المشاعر الوطنية والحراك الشعبى الذى أحدثته.

ففى مسألة «الجزيرتين» كان بإمكان الديمقراطيين الارتكان فى معارضتهم للنهج الرسمى إلى الفردية التى اتسمت بها صناعة القرار الذى أفضى إلى توقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية والاعتراف بها، وإلى الشفافية الغائبة والتى عنت بالفعل استيقاظ المصريات والمصريين على اعتراف «حكومتهم» بسيادة السعودية على جزيرتى تيران وصنافير دون أن يسبق ذلك تمكين الرأى العام إن من التداول الحر للقواعد الدولية والوثائق القانونية والحقائق التاريخية التى تدلل موضوعيا على «مشروعية» الاعتراف الحكومى أو من إدارة نقاش رشيد حول الأمر برمته. كان بإمكان الديمقراطيين تعليل طغيان الفردية وغياب الشفافية بالإشارة إلى الطبيعة السلطوية للحكم فى مصر، ونظرته إلى المصريات والمصريين كجموع يتعين عليها الطاعة والتأييد والاستجابة للرأى الأوحد القادم من علٍ، واستخفافه بحق المواطن فى معرفة خلفيات النهج الرسمى وفى التداول الحر للمعلومات والتفاصيل المتعلقة بالقرارات الرسمية. كان بإمكان الديمقراطيين الابتعاد عن الاندفاع وراء تأجيج المشاعر الوطنية وكيل اتهامات التنازل عن الحقوق الوطنية للحكم، والتركيز على سلطوية الحكم التى تجعل من الفردية والشفافية الغائبة والاستخفاف بالمواطن نواقص دائمة فى النهج الرسمى، ومن ثم مخاطبة القطاعات الشعبية الواسعة التى تفاعلت مع مسألة «الجزيرتين» بكون الديمقراطية هى الحل الوحيد للتخلص من تلك النواقص.


***

والأمر الآخر الذى لا يقل إحباطا يتمثل فى تجاهل القوى الاحتجاجية والشخصيات العامة المنتسبة للفكرة الديمقراطية لأولوية المزج بين تماهيها مع الحراك الشعبى المستند إلى تأجيج المشاعر الوطنية وبين تبنيها العلنى لأجندة الحقوق والحريات التى تفرضها المظالم والانتهاكات المتراكمة فى مصر.

كان بإمكان الديمقراطيين الربط بين ما يرونه «حق الوطن»، وبين «الحق الثابت للمواطن» فى صون كرامته وحريته وحمايته من الظلم والقمع وجبر الضرر عنه حال الظلم ومحاسبة المتورطين فى المظالم. كان بإمكان الديمقراطيين تذكير الناس بالتماثل بين فردية وسرية النهج الرسمى فى مسألة «الجزيرتين»، وبين الشفافية الغائبة دوما عن القرارات والسياسات والممارسات الرسمية والتى تحرمنا كمصريات ومصريين من معرفة حقائق أوضاع بلادنا الاقتصادية والاجتماعية والأمنية. كان بإمكان الديمقراطيين مخاطبة الرأى العام بالتشابه التام بين الاستخفاف بالمواطن وبحقه فى معرفة خلفيات وأسس وتفاصيل اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية، وبين الاستخفاف بكل حقوق وحريات المواطن على نحو يجعل من الحبس والمعاملة غير الإنسانية فى أماكن الاحتجاز والتعذيب والاختفاء القسرى والقتل خارج القانون (كما فى حالة المصريين الذين اتهموا بعضوية عصابة خطف الأجانب) ومن التجاوزات الممنهجة للأجهزة الأمنية ومن الاستعلاء على المطالب المشروعة للمحتجين بين صفوف العمال والموظفين والأطباء وغيرهم الحقائق الكبرى للواقع المصرى الراهن. كان بإمكان الديمقراطيين مد الخط على استقامته بين فردية وسرية النهج الرسمى وصناعة القرار العام، وبين نزوع الحكم إلى قمع المنظمات الحقوقية المستقلة وإسكات الأصوات المستقلة عبر «إعلام الأذرع الأمنية» وصولا إلى «لا تستمعوا لغيرى» و«لا تتحدثوا فى هذا الأمر بعد الآن» وغيرهما من الأقوال الرسمية.

كان بإمكان الديمقراطيين إضفاء شىء من العقلانية على تأجيج المشاعر الوطنية وعلى توظيفها للتعبير العلنى عن رفض النهج الرسمى المتسم بالفردية والسرية، والامتناع فى سياق تفاعلهم مع الحراك الشعبى الراهن عن تجاهل أجندة الحقوق والحريات، عن تجاهل حق المواطن.
عمرو حمزاوي أستاذ علوم سياسية، وباحث بجامعة ستانفورد. درس العلوم السياسية والدراسات التنموية في القاهرة، لاهاي، وبرلين، وحصل على درجة الدكتوراة في فلسفة العلوم السياسية من جامعة برلين في ألمانيا. بين عامي 2005 و2009 عمل كباحث أول لسياسات الشرق الأوسط في وقفية كارنيجي للسلام الدولي (واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية)، وشغل بين عامي 2009 و2010 منصب مدير الأبحاث في مركز الشرق الأوسط لوقفية كارنيجي ببيروت، لبنان. انضم إلى قسم السياسة العامة والإدارة في الجامعة الأميركية بالقاهرة في عام 2011 كأستاذ مساعد للسياسة العامة حيث ما زال يعمل إلى اليوم، كما أنه يعمل أيضا كأستاذ مساعد للعلوم السياسية في قسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة. يكتب صحفيا وأكاديميا عن قضايا الديمقراطية في مصر والعالم العربي، ومن بينها ثنائيات الحرية-القمع ووضعية الحركات السياسية والمجتمع المدني وسياسات وتوجهات نظم الحكم.
التعليقات