شباب فى السياسة - جميل مطر - بوابة الشروق
الإثنين 8 ديسمبر 2025 11:22 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

كمشجع زملكاوي.. برأيك في الأنسب للإدارة الفنية للفريق؟

شباب فى السياسة

نشر فى : الأربعاء 23 مايو 2012 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأربعاء 23 مايو 2012 - 8:00 ص

 أتطلع بشغف لمعرفة نسبة تصويت الشباب فى انتخابات الرئاسة. حلم من أحلامى المخضرمة، أن أرى فى مصر شبابا «مسيسا» كشبابى الذى عشته ذات يوم. أزعم، وأرجو أن تثبت الانتخابات والشهور القادمة صدق زعمى، وهو أن جانبا من الحلم تحقق، حين خرج الشباب يحملون شعارات ثورة سياسية واجتماعية، لا يبتغون مصلحة بقدر ما كانوا يعبرون عما يجيش فى صدور الغالبية العظمى من أمة احتكر بعض حكامها السياسة ليجمعوا الثروات ويسرقوا البشر ويتوارثوا المناصب. عوضت الثورة فى أيام قليلة سنوات عديدة أهملت فيها حكومات مصر واجب إشراك الشباب فى الحياة السياسية لبلادهم.

 

لم تكن الحكومات وحدها مسئولة عن «تغييب» الشباب عن السياسة، فقد ساهمت أيضا الصحافة وغيرها من أجهزة الإعلام وكذلك المدارس والجامعات والنوادى. خطأ الصحف بالذات فى هذه القضية لا يغتفر لأنها لم تبذل الجهد الكافى لتطوير نفسها، على الأقل من ناحية اختيار الموضوعات والأساليب المناسبة، التى يمكن أن تجعلها جذابة للقراء من هذه الفئة العمرية. وللإنصاف لم تكن صحافتنا الصحافة الوحيدة المقصرة فى هذا الشأن، إذ كثيرا ما وقع اتهام الصحف الأوروبية والأمريكية بأنها قصرت فى حق الشباب ولم تطور نفسها لتشجيعهم على قراءتها.

 

●●●

 

تقول بام فينك الأستاذة بجامعة كانساس إن الطلبة لا يقرأون الصحف ليس لأنهم كارهون للسياسة أو غافلون عنها ولكن لأن الصحف لا تكتب لهم. فالصحف، وفى رأى الشباب، تكتب فقط لكبار السن. وقد قامت الأستاذة الأمريكية بإجراء تجارب أثبتت أن الشباب يقبلون على قراءة الصحف إذا احتوت الصحف على مواد وموضوعات مكتوبة بطريقة تناسب قواعد القراءة والكتابة عند الشباب، وبدون توفر هذه القواعد فيما تكتبه الصحف يتعذر على الشباب الفهم والاستيعاب.

 

اتضح من التجارب أيضا أن الشباب يريد قراءة موضوعات تمس القضايا الاجتماعية الجوهرية التى تهم الشباب، كالموضوعات التى تناقش الأحوال المعيشية ومشكلات السكن والمواصلات ومناهج التعليم وأحوال المدرسين والمنح والقروض. اكتشف الباحثون كذلك أن الطلبة، والشباب عموما، يهتمون بقضايا التوظيف والتشريعات المنظمة للهجرة وتحريم الاتجار فى المخدرات والموضوعات المتعلقة بالعناية الصحية. وتوضح مختلف الرسائل الصادرة من القراء فى سن الشباب مدى اهتمامهم بالقصص العاطفية والحوادث الناجمة عن هذا النوع من العلاقات بين الجنسين.

 

يقول آسانج الصحفى الأسترالى الذى أشعل حربا إعلامية بسبب تسريب وقائع ومستندات أمريكية بالغة السرية، إن تسييس الشباب قضية يجب أن تكون لها الأولوية، فالتسييس هو الحافز لتشجيع المشتغلين بالإعلام على توليد مبادرات إعلامية والمحافظة على حيوية العمل الصحفى وهو أيضا أحد ضمانات حماية الشفافية وتشريعات حرية تداول المعلومات. ويتردد أنه اختار موقعا إلكترونيا يبث فيه أخبارا سياسية تهم الشباب مستخدما منهج «الأنباء البطيئة» فى التغطية السياسية، فهو يقدم تحليلات وتقارير معمقة، ولكن بأسلوب بسيط، منتهزا فرصة الانتخابات الرئاسية الأمريكية حين يتضاعف اهتمام الناس بالسياسة .

 

يحتاج تسييس الشباب إلى ما هو أكثر من تشجيعهم على قراءة الصحف. يعتقد أكاديميون كبار فى التخصص الإعلامى أن تسييس الشباب يحتاج أيضا إلى مشاركتهم فى العمل الإعلامى. وفى سياق الحملة الصحفية الهادفة إلى تشجيع الشباب على المشاركة السياسية نشرت إحدى الدوريات العلمية قصة خبيرين هما روب جيج وكافين دافيز كانا فى أحد المطاعم بمدينة شارلوت فى ولاية كارولينا الشمالية حين سمعا صوت اصطدام رهيب، وعندما خرجا ليستطلعا الأمر وجدا حريقا هائلا أحدثه اصطدام سيارة بمحطة لبيع الوقود، وقد وقف على مقربة من الحريق شاب يصور الحادث على هاتفه النقال. وبعد ساعة أو أكثر وصلت سيارات الصحف ومحطات التليفزيون المحلية لتقوم بواجبها المعتاد ولكن بعد أن هدأت النيران وتوقف الهرج والمرج. تنبه الاثنان إلى أهمية ما قام به الشاب الذى تصادف وجوده وقت الحادث وفكرا فى تصميم جهاز رخيص الثمن عالى الكفاءة ينقل تفاصيل الوقائع بالصوت والصورة والكلمة المقروءة إلى أجهزة الاعلام فور وقوعها، واختاروا شعارا إعلانيا يناسب تطلعات الشباب فى المشاركة واحتياجاتهم المادية. أما الشعار فكان «احصل على الخبر واكتسب الشهرة ومعها المقابل المادى».

 

●●●

 

تستطيع الصحف ومحطات التليفزيون المصرية المحافظة على مستوى التسيس الذى حققه الشباب المصرى خلال الثورة، عن طريق إقناع المئات منهم بأنهم يمكن أن يكونوا «شركاء فى الإعلام» إذا جرى تدريبهم على استخدام أدوات إلكترونية حديثة لنقل الأخبار. لن تكون التكلفة باهظة بالمقارنة بالعائد قصير الأجل متمثلا فى تدفقات هائلة من الأخبار والصور لأحداث من مواقع غير مألوفة  وفى توسيع قاعدة الشباب المشارك سياسيا، والعائد متوسط الأجل متمثلا فى صحافة جديدة مفتوحة وأجيال ناشئة من شباب متدرب إعلاميا، وبالعائد المتواصل متمثلا فى شرائح جديدة من القراء.

 

●●●

 

الصحافة، فى بلادنا، كالسياسة، كلاهما فى أمس الحاجة إلى دماء مختلفة. الثورة المصرية لامست قشور السياسة وفى مواقع معينة اخترقتها وتسربت. أما الصحافة، والإعلام عموما، فما زالت الثورة عاجزة عن اختراق قشرة ندرك الآن كم هى سميكة.

جميل مطر كاتب ومحلل سياسي