إعلاميون وإرهابيون - عبد الله السناوي - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 4:38 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

إعلاميون وإرهابيون

نشر فى : الأحد 22 نوفمبر 2015 - 11:25 م | آخر تحديث : الأحد 22 نوفمبر 2015 - 11:25 م

فى لحظات الخطر التى تنال من أمن الدول وسلامة مواطنيها يتبدى واجب المسئولية أمام كل من يخاطب الرأى العام على صفحات الجرائد أو شاشات الفضائيات.
غير أن واجب المسئولية يختلف جذريا عن التطوع بالجهل.
الأول يدرك قضيته والثانى عبء عليها.
عندما تعرضت باريس لأبشع ليلة فى تاريخها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية خرجت الصحف الفرنسية فى اليوم التالى بعنوان متكرر: «إنها الحرب».
مهمة الصحافة أن تستقصى المعلومات وخفايا ما جرى وأوجه القصور التى مكنت الإرهاب من ضرباته الموجعة، وأن تنظر فى التداعيات المحتملة وتصارح الرأى العام بالحقيقة دون أن تتورط فى خفض روحه المعنوية أو إثارة معارك فى غير أوانها.
بقدر انفتاح المجال العام على القضايا الحقيقية يتأكد دور الإعلام المكتوب والمرئى والمسموع فى اللحظات الصعبة.
الإعلام هو مرآة المجتمع التى تعكس حيويته وشواغله ومدى قدرته على مواجهة التحديات والأخطار.
عندما ينظر العالم إليك فإنه يرى صورتك فى إعلامك قبل دبلوماسيتك.
ننسى أحيانا أن العالم يتابع ما يكتب هنا على ورق أو يبث على شاشة.
بعض ما يكتب ويبث فضيحة بكل مقياس سياسى وأخلاقى، تنال من شرف أى حرب مع الإرهاب.
لا تكفى أن تكون قضيتك عادلة لتكسبها إذا كان بعض محاميك على قدر لا يحتمل من انتهاك أى قيم مهنية وسياسية وإنسانية.
بعض الإعلام أقرب إلى سفينة نفط أغرقت فى بحر فلوثت مياهه ونالت من المجال كله، رغم أى إضاءات واجتهادات لآخرين يمثلون أغلبية العاملين فيه.
فى بلد مثل مصر له تاريخ عريق بالصحافة والإعلام فإن المأساة لا بد أن يوضع لها حد، وأن تكون هناك قواعد تكرس حريتها، وفق القيم الدستورية الحديثة، وتمنع فى الوقت نفسه التفلت الذى وصل إلى حد اغتيال الشخصية والتشهير الممنهج وانتهاك الحياة الشخصية والطعن فى الأعراض وخرق القانون، دون حساب وعقاب.
لم يكن هذا التفلت إلا الوجه الأكثر قبحا للهجوم على ثورة «يناير» وتصفية الحسابات معها.
بكلام صريح فإن بعض ما يقال تحريض مباشر على العنف والإرهاب.
عندما تسخر من الدستور وقيمه الحديثة فى التوازن بين السلطات فإنك تسبغ شرعية على جماعات العنف والإرهاب لا تستحقها على أى نحو.
وعندما تنتهك كل القواعد القانونية والأخلاقية فكأنك تضع عبوات ناسفة فى بنية مجتمعك سوف يكون انفجارها مروعا.
رئيس الجمهورية نفسه يشتكى من هذا التدهور، ولا أحد آخر له قيمة أو وزن واعتبار مستعد أن يبرر التفلت.
فمن يحميه إذن؟
ومن يقف وراءه ويشجع عليه؟
ولماذا التمهل فى إصدار قانون الصحافة والإعلام الموحد الذى أعدته لجنة موسعة تعبر عن كل مكونات العمل الإعلامى فى مصر من المجلس الأعلى للصحافة ونقابة الصحفيين إلى اتحاد الإذاعة والتليفزيون وغرفة صناعة الإعلام ونقابة الإعلاميين تحت التأسيس، فضلا على أساتذة متخصصين وخبراء قانونيين؟
عندما دعا الرئيس «عبدالفتاح السيسى» أثناء زيارته لنيويورك إلى دور أكبر للإعلام المصرى فى تصحيح الصورة السياسية لبلد يخوض حربا ضارية مع الإرهاب فإن المأساة أن بعض من هو مدعو للتصحيح متورط فى المستنقع.
لا يمكن لمثل هذا النوع من الإعلام أن يكسب قضية واحدة أمام الضمير الإنسانى ولا أن يقنع أحدا فى العالم.
فى الأيام الأخيرة توسعت منابر إعلامية فى نظريات المؤامرة دون أدنى معرفة بالملفات التى تتحدث فيها.
لا كانت هناك رواية مصرية عن حقائق ما جرى فى لندن أثناء زيارة الرئيس تشرح وتوضح وتجيب عن سؤال: هل هناك أزمة أم لا؟
وإذا كانت هناك أزمة فما طبيعتها وحدودها.
ولا كانت هناك رواية أخرى عن تعقيدات العلاقات مع موسكو على خلفية حادث سقوط الطائرة الروسية فوق سيناء وإذا ما كان «شهر العسل» بين العاصمتين قد انتهى على ما ذهب بعض الإعلام.
الأزمة هنا فى السياسة قبل الإعلام.
ارتباك الأولى أفضى إلى فوضى الثانى.
كان الإعلام البريطانى شرسا فى نقد الرئاسة المصرية وحججه معتادة منذ تحولات (٣٠) يونيو فى مصر وإطاحة جماعة الإخوان المسلمين من السلطة.
الذى تسرب افتقد إلى التدقيق فى المعلومات متعمدا الإساءة والتشهير.
وأهمه أن رئيس الوزراء «ديفيد كاميرون» غادر اجتماعه الرسمى مع الرئيس «السيسى» لمدة ٢٥ دقيقة لحضور اجتماع عاجل فى نادى المحافظين المجاور.
القصة بذاتها مهينة، غير أن بعضها صحيح وصلبها خاطئ.
ما هو صحيح أن «كاميرون» غادر الاجتماع الرسمى لهذه المدة.
وما هو خاطئ سبب المغادرة.
فقد أطلع «كاميرون» ضيفه المصرى بصورة مسبقة على الكلمة التى سوف يلقيها فى المؤتمر الصحفى المشترك، طالبا أن يأخذ وقته للتشاور مع معاونيه وغادر الاجتماع الرسمى لهذا السبب.
كان الكلام حساسا لأنه يتعلق مباشرة بوقف الرحلات السياحية البريطانية إلى شرم الشيخ.
غياب الرواية الرسمية دفع الإعلام فى أحد اتجاهين.
إما حديثا بلا سند مقنع أن الزيارة نجحت، ولم يكن ذلك صحيحا.
وإما هجوما عاصفا على بريطانيا دون حجة واضحة باستثناء نظرية المؤامرة.
‫«‬الغلظة الدبلوماسية» لا تعنى بالضرورة تآمرا.‬‬
إعادة كل شىء إلى المؤامرة تحلل من المسئولية.
بنفس المنطق فإن ما يقال فى بعض الإعلام مؤامرة على مصر ومصالحها العليا.
مصر أكبر بكثير من هذا التطوع بالجهل الذى ينزع عنها قداسة حربها مع الإرهاب.
فى بعض الكلام عن موسكو تخريبا لأى رهانات فى الانفتاح على المراكز الدولية المتعددة.
هناك تباينات حادة بعض الشىء فى إدارة أزمة سقوط الطائرة لكنها لا تعنى طلاقا مبكرا بعد «شهر عسل» سريع بين العاصمتين.
القرارات الروسية خشنة أكثر من اللازم، مثل تعليق رحلات طائراتها إلى مصر كلها لا شرم الشيخ فقط، ومنع طائرات «مصر للطيران» من الهبوط فى أراضيها.
غير أنها بالعمق تعكس خشيتها المفرطة من تكرار حادثة سقوط الطائرة بما ينال من هيبة رئاستها ويشكك فى التزامها بسلامة مواطنيها.
المشكلة أن الإعلام المصرى كما الخطاب الرسمى ينكر أى احتمال لعمل إرهابى أسقط الطائرة، وهذا خطأ فادح فى إدارة الأزمة.
العالم كله يتعرض لمثل هذه العمليات الإرهابية، وذلك ليس عارا.
فى الأجواء العالمية المشحونة بالمخاوف من ضربات إرهابية محتملة هنا وهناك لا أحد مستعدا أن ينتظر نتائج التحقيقات فى سقوط الطائرة الروسية التى قد تمتد لعام على الأقل.
الإجراءات الاحترازية سيدة الموقف كله، وافتراض الأسوأ هو السيناريو المعتمد.
رغم ذلك أكد الرئيس الروسى «فلاديمير بوتين» لنظيره المصرى بحسب معلومات مؤكدة: «اصبروا بعض الوقت قبل أن تعود حركة الطيران إلى سابق عهدها».
الكلام العشوائى، كما التفلت الأخلاقى، يضرب فى صورة البلد بلحظة صعبة من الحرب على الإرهاب التى باتت عالمية بالمعنى السياسى الكامل.