حالنا يصعب على الكافر - محمد سعد عبدالحفيظ - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 8:26 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حالنا يصعب على الكافر

نشر فى : الأحد 22 نوفمبر 2015 - 8:30 ص | آخر تحديث : الأحد 22 نوفمبر 2015 - 3:30 م

لم يمر على جيلى من أبناء المهنة أسوأ من تلك الأيام، التى اختلط فيها «هباب برك» السياسة، بـ«وحل» الاقتصاد، حتى صار المشهد الصحفى «أسود من قرن الخروب».

المجال السياسى ضاق إلى درجة صار فيه الصحفيون يترحمون على عصر مبارك، «ولا يوم من أيامك يا أبوعلاء».. كان السقف السياسى للإعلام قبل خمس سنوات أعلى بكثير من السقف الذى نعمل تحته الآن.. خاضت صحف خاصة وحزبية معارك شرسة مع النظام، جعلت من رأسه هدفا.. مد الكتاب أقلامهم فى مشروع التوريث، حاصرت التغطيات الصحفية تزوير انتخابات برلمان 2010.. فشل إعلام «طشة الملوخية»، و«ولدت يوم ولدت مصر» فى الدفاع بالكذب والنفاق، عن نظام بدء مشوار السقوط، فى وقت خاض فيه الإعلام الحر معركة تعرية هذا النظام، حتى قضى الله أمرا كان مفعولا فى 25 يناير 2011.

بعد سقوط مبارك ومشروع التوريث، تولى مجلس طنطاوى العسكرى المسئولية، فنُسفت الأسقف، وصارت السماء السقف الوحيد للإعلام.. حاول الإخوان بعد وصولهم إلى السلطة فى عام «الرمادة» إعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل الثورة، تارة بالترهيب والتهديد بنسف مدينة الإنتاج الإعلامى، وتارة بالترغيب وشراء الذمم، وتارة ثالثة بصناعة إعلام يعبر عنهم، لكنهم فشلوا، وخرج الإعلام منتصرا.

الآن وبعد أكثر من عامين على سقوط الإخوان، أعدنا صب سقف البيت الاعلامى بأيدينا، وهبطنا به من السماء.. رئيس تحريرك يمارس عليك رقابة فيما تكتب وما تختار من عناوين للموضوعات الصحفية، وأنت تمارس على نفسك نوعا آخر من الرقابة الذاتية، وتمارسها بالتبعية على من يعملون معك من محررين.

نقد الرئيس وقراراته وتحليل خطابه له سقف، الاقتراب من المشروعات الكبرى مثل «تفريعة قناة السويس»، أو «العاصمة الإدارية» أو «المليون ونصف فدان» له سقف آخر، التعاطى مع أى طرح لشخصيات من عينة البرادعى أو عبدالمنعم أبو الفتوح أو حتى أحمد شفيق له سقف ثالث، خوض معركة مع «الذيول» له سقف رابع، التعاطف مع حالات انسانية لأفراد تم القبض عليهم بتهمة الانضمام إلى جماعة محظورة له سقف خامس، حتى يقترب سقفك من الأرض، فتشعر أن الهواء بدأ ينفد من حولك، فتضطر إلى الكتابة عن الحب والعلاقات الأجتماعية كما فعل أحد أصدقائى من الكتاب، أو تقرر بنفسك حجب مقالك حتى لا تمتد إليه يد التعديل فيصبح بلا معنى كما فعل صديق آخر، أو تلجأ إلى مواقع التواصل الاجتماعى، كما فعل عمنا جمال الجمل، أو تجلس فى بيتك كما سبقنا كثيرون.

اقتصاديات الصحافة، هذه الأيام «لا تسر عدو ولا حبيب»، فرجال الأعمال الذين دفعوا فى قنوات الاعلام والصحافة الملايين خلال السنوات الماضية للحفاظ على مصالحهم، أوقفوا عملية الضخ، أما لأنهم «قضوا منها وطرهم»، وحققوا ما يريدون، أو أنهم خافوا من انياب السلطة فآثروا السلامة وابتعدوا، وتركوا الصحفيين «الأجرية» فى مهب الريح.

لا يمر شهر دون احتجاج أو إضراب فى مؤسسة إعلامية، بسبب تأخر الرواتب أو فصل صحفيين ترشيدا للنفقات.. ملاك تلك المؤسسات معذورون، فالوكيل الإعلانى لا يدفع قيمة الإعلانات المنشورة، والوكيل معذور، فالمعلن لا يدفع ما عليه، والمعلن معذور فمنتجه مضروب بركود السوق، وانتعاش السوق مرتبط فى الأساس بقرارات سياسية مسئول عنها النظام الحاكم.

فى هذه المتاهة لا يجد الصحفى أو العامل فى هذا المجال من يتحمل مسئولية عدم سداد مصروفات أبنائه فى المدارس، أو وفائه بطلبات منزله الأساسية، أو حتى عدم قدرته على مغادرة المنزل لأنه لا يملك حق المواصلات، سوى إدارة الجريدة التى اتفق معها على أجر معين مقابل ما يؤديه من عمل، ولن يقبل منها أمام كل ذلك أى أعذار.

لا أرى أى شعاع نور فى نهاية النفق، الظلام يشتد، فالسقف خانق، ولقمة العيش مهددة، وحالنا يصعب على الكافر..ازمات الصحف مستمرة لحين إشعار آخر!!

التعليقات