احتلال وطن أم نكبة «منزل صدام»؟ - كمال رمزي - بوابة الشروق
الجمعة 3 مايو 2024 2:39 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

احتلال وطن أم نكبة «منزل صدام»؟

نشر فى : السبت 22 ديسمبر 2012 - 8:00 ص | آخر تحديث : السبت 22 ديسمبر 2012 - 9:49 ص

على طريقة ساحرات «ماكبث» تظهر والدة صدام حسين، البدينة، العليلة، ذات الحضور الطاغى، الذى بعث شيئا من الرهبة، حتى بالنسبة لابنها، عقب بزوغ نجمه واستيلائه على حكم البلاد.. إنه يستمع لها صاغرا، متلاشيا.. وهى، بخلاف ساحرات شكسبير، لا تتنبأ بقدر ما تصدر أوامر تتعلق بتعيين أقاربه فى المناصب الرفيعة، وتحديد عرسان بناته.. وبلاد تردد، ينفذ صدام حسين. الأم، على هذا النحو، حتى وإن كان بعيدا عن الواقع، يعطى المسلسل نكهة أسطورية.. وطوال الحلقات الأربع، يتجه الاهتمام نحو العلاقات الداخلية، المتوافقة والمتضاربة، بين أعضاء أسرة تعيش لحظات مجد تعقبها ساعات شقاء.. هذا الاهتمام يأتى على حساب عدم الالتفات إلى ما يجرى من اتفاقات، تقترب من المؤامرات، فى العواصم البعيدة، وبالتالى يتحاشى «منزل صدام» الخوض فى القضايا السياسية، ويستبدلها بما يشبه «دراما الأسرة».

 

خلال «24» عاما، زمن حكم صدام حسين، تندلع أربع حروب: ضد إيران، ثم الكويت، يعقبها ما أطلق عليه تحرير الكويت أو «عاصفة الصحراء»،، ثم الغزو الأمريكى للعراق.. لا يتوقف المسلسل عند أسباب هذه الحروب، ولكن يقدمها على نحو تقريرى، سريع وباهت، وإن حاول التعاطف مع أسباب اجتياح القوات العراقية للكويت عام 1990، فالعراق، الخارج توا، مجهدا، من حرب الخليج، ضد إيران، طوال ثمانية أعوام «1980 ــ 1988»، فوجئ بقرار زيادة إنتاج الكويت للبترول، مما سيهبط بسعره عالميا، وبالتالى سيؤثر سلبا على عائدات العراق، الذى يحتاج، بشدة، إلى إعادة بناء ما دمرته الحرب.. من جانب آخر، حسب زعم نظام صدام حسين، والذى يؤكده المسلسل، أن الكويت، عن طريق مواسير مائلة، تنهب البترول العراقى.. وبعيدا عن أى إشارة إلى الرغبة الأمريكية فى الهيمنة على منابع البترول، تأتى «عاصفة الصحراء» كدفاع عن دولة صغيرة محتلة.. ثم يبدأ غزو العراق 2003، كما لو أنه للقضاء على واحدة من عائلات المافيا، لا تتاجر فى المخدرات، وبالتالى كان على شرطى العالم، بقلبه الطاهر، أن يقضى على هذه العائلة الشريرة.

 

صدام حسين، فى المسلسل، حين يجتمع مع أعضاء أسرته، أو رجاله، يبدو وكأنه «العراب» أو «الأب الروحى»، إرادته تعلو فوق الجميع، يقرر، ويذعن الآخرين، ولكن يفتقر إلى كياسة وبعد نظر «العراب»، فها هو، بعد ارتباطه بامرأة أخرى غير زوجته، لا يتوانى عن جرح مشاعر أم أولاده، واصفا صبغة شعرها بأنه «مبتذل بعض الشىء».. وعلى وجه الممثلة التى أدت هذا الدور، الإيرانية الأصل، شهيرة أجداسلو، ترتسم كل علامات الألم المعنوى.. ويتعمد المخرج، أليكس هولمس، أن يقدم صدام حسين مسلطا عليه إضاءة شحيحة تجعل أجزاء من وجهه غارقة فى الظلام، تأكيدا للعتمة التى تعتمل فى أعماقه.. فى هذه الأجواء، يتنافس الأتباع على الاقتراب من مركز السلطة، الممسك بالخيوط جميعا، بقبضة من حديد.

 

يحقق حسين كامل المجيد، زوج رغدة ــ بأداء متزن من عمرو واكد ــ ما يطمح له. الوصول إلى أعلى المناصب، والفوز بثقة الرئيس، الأمر الذى يثير ضغينة عدى صدام حسين، الشاب الأرعن، المنفلت، الذى يؤدى دوره الفرنسى فيليب أردتى، مؤكدا بنظراته ولفتاته، تلك الوحشية التى تدفعه لاغتصلاب مضيفة فى إحدى الحفلات، وقتل طباخ والده، والتعامل المستفز مع «عدى»، مما دفعه إلى الهرب، مع زوجته رغد إلى الأردن، ثم عودته، استجابة لاستدراج صدام، ثم قتله.

 

فى الحلقة الأخيرة، يتعقب المسلسل هرب صدام حسين وولداه وحفيده، ثم بحث القوات الأمريكية عنهم، وطبعا، لا نرى شيئا عن المقاومة العراقية، أو نهب الآثار تحت بصر وسمع الغزاة، ولا يرد ذكر جون بريمر أو المتعاونين معه.. المسألة هنا تبدو، فى جوهرها، كما لو أنها بحث شرطة عن أعضاء عائلة مافيا.. هنا، تغييب كامل للشعب العراقى وما يلاقيه من جنود الاحتلال.. بينما يعرض المسلسل المشهد الوثائقى المؤلم، المشكوك فى أمره، للطبيب المبهم، الذى يفحص أسنان صدام حسين، ويفتش شعر رأسه.. ومع صوت قاض، من خارج الصورة، يعلن الحكم بإعدامه، جراء جرائمه ضد الإنسانية، بينما يصعد صدام ــ بأداء الممثل إياه ــ سلما، وقد ارتسم على وجهه شيئا من الانزعاج، وربما الأسى.. على نحو يختلف مع المشهد الوثائقى المتداول، لحظة إعدامه، حيث بدا الرجل متماسكا، شجاعا. «منزل صدام»، هو حكاية الأنجلو أمريكان، المبتسرة، المضللة، عما حدث.. فمتى نحكى الحكاية.. من وجهة نظرنا؟

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات