الخطاب الأزهرى والدعوى إلى أين؟ 1ــ المصطلح والمفهوم - جمال قطب - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 6:14 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الخطاب الأزهرى والدعوى إلى أين؟ 1ــ المصطلح والمفهوم

نشر فى : الجمعة 23 يناير 2015 - 8:50 ص | آخر تحديث : الجمعة 23 يناير 2015 - 8:50 ص

عفوا «فالخطاب الدينى» ليس عنوانا يستحق المناقشة، بل هو عنوان مُصاغ على عجل، وقد أطلقه البعض منذ زمن بعيد، فهو عنوان جدير بالإزالة والاستبدال؛ فالخطاب الدينى فيما يفهم المعتدلون ــ هو خطاب الدين ــ أى خطاب الله كما جاء فى الآيات المحكمة فى القرآن الكريم، أو كما تواتر وصح فى البيان النبوى الشريف فقط، ولا يفكر عاقل فى إحداث أى تغيير سواء فى الوحى الإلهى أو فى صحيح البيان النبوى.. لكن المشكلة الملحة دائما هى الخطابات المتنوعة من الفكر البشرى سواء تلك التى تدور فى فلك القرآن الكريم وبيانه النبوى، أو تلك التى تحوم حوله دون معرفة صحيحة اعتمادا على رؤية خاصة تريد تعميمها، أو تتوهم حقها وقدرتها فى فرض ما تراه هى، وهذا إشكال دينى بالدرجة الأولى قبل أن يكون إشكالا سياسيا، فهل يحل لأحد من الناس حاكم أو محكوم أن يفرض رؤيته على الناس فرضا؟!

أسارع بالقول إنه ليس فى صحيح الدين ــ حسبما أفهم ــ أى سند لأى أحد أن يعتبر رؤيته وفكره ومذهبه هو المذهب العام السائد، وأن هناك مغالطة مشهورة فيما سموه «أصولا للفقه» تقول «حكم الحاكم يرفع الخلاف».

(2)

وجه المخالفة فى ذلك القول أن الذى يرفع الخلاف هو حكم القاضى بين المتخاصمين، وليس الحاكم العام للبلاد سواء كان هذا الحاكم إمبراطورا أو ملكا، أو رئيس دولة أو رئيس حكومة، فكل تلك المناصب لاترفع الخلاف بذاتها ولا بمناصبها إنما ترفع الخلاف إذا استندت إلى تفسير فقهى مقبول ومتعارف عليه وشائع بين الأغلبية الغالبة. أى أن الذى يرفع الخلاف هو «النص» الذى يسميه أهل القانون «دستورا» فالحاكم الذى يرفع الخلاف هو «النص الدستورى» الذى تم وضعه بأسلوب شورى «ديمقراطى» صحيح دون مغالبة أو دون تحكم أو إقصاء، أو دون استعلاء ولا تهميش، ولا يتوهم أحد انفراد أبى بكر ولا عمر بالقرار رفعا للخلاف، إنما كان كل منهما ينطق بما تراه الأغلبية المؤهلة للفهم والمراقبة للحكم. فكل ما رواه المؤرخون من قرارات لأبى بكر وعمر ما هى إلإ قرارات كاشفة لما وصلت إليه الشورى، وليس ترجيحا بمجرد صوته أو رأيه أو منصبه ففكرة الفارق بصوت أو صوتين لاتعرفها الشورى الصحيحة.

(3)

مازلنا نناقش موضوع الخطاب الدعوى والأزهرى وغيره إذ حينما يتصور أحد كائنا من كان أن قوله هو أو مذهبه أو مؤسسته الخاصة أو إمامه المختار هو القول الفصل الذى يحق له إخضاع الناس له، أو تعليق مصالحهم الحياتية على تصوره السياسى فى إدارة شئون الدولة والمجتمع طبقا لقناعاته، فذلك ما لم يقل به دين سماوى، ولا فكر بشرى معتدل جدير بالالتفات إليه. ولاعبرة بالشائع إداريا إذا تساوت الأصوات يُرجح الجانب الذى فيه الرئيس فذلك حل ديمقراطى متسرع لا يرقى لشفافية الشورى وجدواها.

فالخطاب الأزهرى بجيمع عناصره ولشديد الأسف ومعه كل الخطابات الأخرى المحاورة له، كل تلك الخطابات رؤية خاصة إذا صلحت للبعض لا تصلح للأكثرية، وإذا كانت صالحة فى الأمس البعيد فقد باتت قاصرة فى الأمس القريب، وهى أشد قصورا فى أيامنا هذه.

(4)

أريد أن أحدد الكلام وأوضحه: نعم إن الخطاب الأزهرى يحتوى قصورا عميقا وشديدا سواء فى المنهج أو المقرر الدراسى أو الأساتذة والمعلمين، أو الطلاب والتلاميذ. بل إن القصور يبدو فى غياب الوثائق الرئيسة للمؤسسة مثل «الرؤية القرآنية للكون» و«وثيقة إستراتيجية الخطاب الدعوى» كذلك فرغم انتشار أقسام الفقه المقارن بالجامعة مع مجمع البحوث الإسلامية فإن الأزهر لم يضع لنفسه فقها ولا أصولا مما تم ترجيحه فى الدراسات الأكاديمية المُحكمة، وهنا لابد من التأكيد أن هذا القصور العميق ليس خاصا بالأزهر فحسب ولكنه هو طبيعة كل الخطابات الدعوية المحاورة للأزهر والمناوئة له أو الراغبة فى الحلول محله أو التحكم فيه.. فالخطاب الدعوى ليس مجرد مذكرة تكتب ولا قرار يتخذ بإعداد قوافل وإرسالها ولا تدريب الأزهريين على استخدام الكومبيوتر، ولا تجريم وتحريم أى فكر، إنما الخطاب الدعوى كائن حى يولد فى بيئة علمية سليمة، ولا سبيل إلى تجديد هذا الخطاب إلا بإصلاح عناصره.

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات