نحو تأسيس جديد للتيار الديمقراطى - مصطفى النجار - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 4:42 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

نحو تأسيس جديد للتيار الديمقراطى

نشر فى : الجمعة 23 مايو 2014 - 7:50 ص | آخر تحديث : الجمعة 23 مايو 2014 - 7:50 ص

الانتكاسة التى منيت بها الديموقراطية فى مصر خلال الفترة الماضية كانت مهمة للغاية لفرز كثير من شخوص الصف المدنى الذى يرفع شعارات الديموقراطية ويقدم نفسه كمناصر لليبرالية ومدافع عن قيمها النظرية بينما سقط بامتياز فى لحظات المواجهة الحقيقية لينضم للصف المعادى للديموقراطية بشكل مباشر أو عبر التبرير أو الصمت أو مهاجمة المدافعين عن الديموقراطية وتخوينهم والمشاركة فى حملات تشويههم.

كشفت غبار المعركة الحالية عن أسطورة وجود تيار ليبرالى فى مصر واكتشفنا أن الأمر لا يعدو وجود بعض الأشخاص القلائل المؤمنين بالديموقراطية والمخلصين لمبادئ الليبرالية الحقة وسط جمع كبير تمسح فيها وقدم نفسه على أنه حاميها بينما هو فى الحقيقة ساهم فى هدمها ودعم ما يقلص فرص تعزيزها.

من البديهى حين نتحدث عن التيار الديموقراطى يجب التأكيد على أننا لا نقصره على المنتمين للمدرسة الليبرالية فقط لأن البعض يصنع افتراضا خاطئا بحصر الديموقراطية فى الليبرالية ونزعها عمن سواها وهذا اجتراء غير منطقى لأن مفهوم الديموقراطية أوسع بكثير من الانتماءات الأيدلوجية الضيقة سواء كانت ليبرالية أو يسارية أو دينية أو قومية أو غيرها.

•••

الديموقراطية ليست عدة إجراءات وليست صناديق انتخابات فقط فهى أعمق من ذلك بكثير لذلك فتقريب المفهوم وتوحيده بالقدر المستطاع بين أنصار الديموقراطية هو الخطوة الأولى للتأسيس خاصة بعد حالة الخلط المتعمد والتدليس على الشعوب بأنها تعيش فى ديموقراطية بينما الحقيقة أنها أبعد ما تكون عنها.

يوضح (على الكواري) هذه المسألة قائلا (يتطلب مقاربة مفهوم الديمقراطية باعتبارها نظامَ حكم ومنهجا لإدارة اوجه الاختلاف التأكيد على اعتبارين جوهريين:

أولهما: إن نظام الحكم الديمقراطى نظام له معالم واضحة وحدود فاصلة عن غيره من نظم الحكم البديلة، فالديمقراطية ليست لفظا مشاعا يمكن إطلاقه على أى فعل أو فكرة نريد أن نحسنها. ولذلك لابد من تحديد المبادئ والمؤسسات والآليات والضمانات العامة المشتركة التى لا تقوم للممارسة الديمقراطية قائمة ــ على المستوى الكلى والجزئى ــ إذا لم يتم تطبيق حد أدنى من كل منها فى الحياة السياسية على المستوى الرسمى وفى المجتمع المدنى.

ثانيهما: تحديد الثوابت وتنقية ثقافتنا السياسية من شوائب الاستبداد والتعرف على القيم الإيجابية والمصالح المشروعة لشعوبنا مع إدراك أن نظام الحكم الديمقراطى لا تقوم له قائمة إذا لم يؤسس على أرضية مشتركة بين أفراد الشعب الواحد بحيث يجد فيها أفراد الشعب وجماعاته مرجعية مقبولة لتضامنهم وتعاونهم وتفاعلهم الاجتماعى من أجل كسب الحاضر وتأمين المستقبل من منطلق وحدة المصير).

•••

أركان الديموقراطية التقليدية يمكن إجمالها فى عشرة عناصر أساسية، أولا: مرجعية الشعب من خلال دستور متوافق عليه، ثانيا: سيادة القانون، ثالثا: حكم الأغلبية، رابعا: مبدأ التمثيل والانتخاب، خامسا: الفصل بين السلطات وتوازن الصلاحيات، سادسا: التداول السلمى للسلطة، سابعا: احترام حقوق الانسان، ثامنا: ضبط العلاقة بين الدين والسياسة، تاسعا: ضبط العلاقات المدنية العسكرية، عاشرا: ضمان حق المواطنة التى هى مصدر الحقوق ومناط الواجبات وضمان حماية الأقليات.

توحيد مفهوم الديموقراطية يبدأ بالنخبة المناصرة للديموقراطية ويتحول إلى ثقافة شعبية عامة يترسخ فيها نفسيا وفكريا وسلوكيا قيم الديموقراطية فى نفوس الناس بعد إدراكهم لأهمية الديموقراطية كسبب لسعادتهم وتساويهم فى الحقوق وحمايتهم من الاستبداد وضمان حقهم فى توزيع عادل للثروة يكفل لهم حياة كريمة وإنهاء الفصل المتعمد والثنائيات التى يرسخها الاستبداد كثنائية الأمن مقابل الحرية وثنائية التحسن الاقتصادى مقابل السكوت عن القمع.

إذا كنا نتعجب الآن من ظهور نخب سياسية وبالتالى جماهير تتبنى خطابا معاديا لحقوق الانسان وحاضنا لبذور الاستبداد مع اقتناعها أن هذا للصالح العام فهذا يؤكد أن توحيد المفهوم نحو الديموقراطية وترسيخه وتبسيطه للجماهير صار فرض عين على أبناء التيار الديموقراطى المستلهم قيم الثورة وأهدافها مع ضرورة نبذ النخب التى تزيف وعى الناس وكشف تهافتها وأغراضها التى ترسخ للاستبداد واجهاض التحول الديموقراطى.

سنكون من الواهمين إذا اعتقدنا إمكانية الوصول للديموقراطية دون بناء وتأمين ظهير شعبى يؤمن بها ويدافع عنها ولا تنطلى عليه محاولات تجميل الاستبداد وإعادة صناعة الماضى، ومهما استغرق هذا بعض الوقت فلا خيار غيره، وكلما تأخرنا فى تحقيق هذا الهدف أهدينا الاستبداد فرصا للحياة واستكمال سرقة المستقبل ومصادرة الأحلام.

•••

إذا تأملنا المشهد من أعلى فسنجد أن فرص التيار الديموقراطى فى البناء والانتشار والتجذر الشعبى أكثر من فرص معسكر الماضى الذى سيؤول رغما عنه إلى نفايات التاريخ، فى بلد يزيد الشباب فيه عن نصف سكانه لا توجد فرصة ولا إمكانية لتدجين مزيد من العقول وتزييف وعيها وإذا كانت بعض الأجيال الأكبر قد ارتضت ذلك وبررته حينا فإن الأجيال الشابة لن تسلك نفس الاتجاه ومؤشرات الحاضر شديدة الدلالة على أن الأفكار الشابة ستزيح الأفكار الشائخة وأصحابها للتقاعد مهما تشبثوا بمواقعهم وقاتلوا من أجل الاستمرار.

معركة إرساء الديموقراطية تحتاج للنفس الطويل لكنه قد لا يكون طويلا كما نعتقد لأن مفاصل الاستبداد تتآكل وتتعرى لينكشف خواؤها وإفلاسها سريعا لتمهد الطريق لهذا المستقبل القادم بتلك القلوب المطمئنة والمبادئ الراسخة، المستقبل للديموقراطية وهذا يقين.

مصطفى النجار عضو مجلس الشعب السابق
التعليقات