عصر الثلاثاء الماضى سألتنى محطة فضائية عربية عن مغزى تسلم مصر للدفعة الأولى من طائرات الرافال الفرنسية.
وكان نص السؤال الأخير فى المقابلة كالآتى: «إذا كانت مصر تعانى أوضاعا اقتصادية صعبة للغاية، أليس من الأفضل ان توفر نقود هذه الصفقة من أجل حل المشكلات الاقتصادية»؟!.
كانت اجابتى اننى لست خبيرا عسكريا لأفتى فى المسائل الفنية المعقدة لهذه الصفقة، واننى تابعت مثل غيرى وصول أول ثلاث طائرات رافال، وانضمامها إلى أسطول القوات الجوية كدفعة أولى من الصفقة التى أبرمتها مصر مع فرنسا فى فبراير الماضى والتى تقضى بتسليم 24 طائرة من نفس الطراز، وفرقاطة متعددة المهام من طراز «فريم».
قلت أيضا ان التعاون العسكرى بين مصر وفرنسا قوى جدا ومرشح للزيادة فى الأيام المقبلة.
فى اجابتى على السؤال الأخير قلت انه لا يوجد تعارض اطلاقا بين ان تكون فقيرا وان تكون مستعدا وجاهزا فى أى وقت للدفاع عن نفسك.
لم يسعفنى الوقت لأكمل فكرتى، فى المحطة الخليجية، وأضيف هنا ان مصر تمر فعلا بأزمة اقتصادية طاحنة وتحتاج كل مليم لتنفقه على إخراج مواطنيها من أزماتهم المتراكمة و«المتلتلة»، لكن ذلك لا يعنى على الاطلاق ان نتوقف عن تسليح جيشنا بأحدث الأسلحة قدر استطاعتنا.
نحن نعيش الآن فى منطقة شديدة الاضطراب، وجيوش غالبية المنطقة تفككت بداية من الغزو الأمريكى الهمجى للعراق عام ٢٠٠٣ وقرار حاكم الاحتلال بول بريمر بحل الجيش العراقى، ونهاية بما يحدث الآن فى العراق نفسه وسوريا واليمن وليبيا وإغراق المنطقة فى حروب وخلافات وصراعات دينية ومذهبية وعرقية وسياسية.
هل هناك مؤامرة لتفكيك جيش مصر والبلد بأكملها أم لا؟.
علينا ألا نغرق انفسنا فى هذا الجدل البيزنظى، وان نركز على الواقع الموجود على الأرض، لدينا عدو واضح فى سيناء يشن هجمات قاتلة شبه يومية ضد الجيش والشرطة وكل المجتمع. وهذا العدو يمتلك أسلحة ثقيلة. لدينا أيضا نفس العدو فى ليبيا يحاول التمدد، ولا يخفى نواياه، بل ذبح ٢١ مصريا بطريقة وحشية قبل شهور، لدينا جماعات إرهابية فى الداخل تفجر القنابل والعبوات الناسفة والسيارات المفخخة وأبراج الكهرباء والقطارات والأماكن الأثرية والسياحية، وتغتال الشخصيات العامة، وتهدد الدبلوماسيين الأجانب والشركات الأجنبية.
لدينا اثيوبيا التى تهدد حصتنا التاريخية من مياه النيل، ولدينا تركيا التى تساند جماعات العنف والإرهاب فى الداخل، ولدينا إيران التى تريد ان تصبح فتوة المنطقة خصوصا بعد اتفاقها النووى مع الغرب.
وقبل ذلك وبعده لدينا عدونا الرئيسى والاستراتيجى وهو إسرائيل المستفيد الأكبر من كل الكوارث العربية الراهنة.
فى ظل هذه الحالة لابد ان يكون لديك جيش قوى ومسلح بأفضل الأسلحة، لأنك ببساطة عندما تكون ضعيفا تغرى الآخرين بالاعتداء عليك.
ما فهمته من بعض الخبراء العسكريين ان المقاتلة رافال إضافة حقيقية للقوات الجوية المصرية، خصوصا هذه الأيام، هى قادرة ان تصل إلى باب المندب وإلى جيبوتى وإلى اثيوبيا من دون التزود بالوقود، وهى قادرة بالتالى الوصول إلى أعماق العدو الصهيونى. طبعا ليس معنى كلامى اننا نريد الحرب الآن أو الغد. لكن عندما يعرف عدوك انك قادر على ايذائه سيفكر ألف مرة قبل ان يفكر فى الإضرار بمصالحك، هذه الحالة تنطبق على الأفراد وعلى الدول سواء بسواء. امتلاك أسلحة حديثة حتى لو كانت غالية الثمن قد يوفر لك خوض حرب كاملة.