صعوبة التحول إلى دولة مدنية حديثة - جورج إسحق - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 12:13 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

صعوبة التحول إلى دولة مدنية حديثة

نشر فى : السبت 23 يوليه 2016 - 9:25 م | آخر تحديث : السبت 23 يوليه 2016 - 9:25 م
كما يشير علماء الفكر السياسى ارتبط مفهوم المواطنة بظهور الدولة الحديثة واستقرار أركانها، وهنا أيضا يؤكد علماء الفكر السياسى أن قدوة الدولة الحديثة واستقرار أركانها، فى الحفاظ على سيادتها وحدودها واحتكارها للقوة وفرض الاستقرار الاجتماعى، وقدرتها على إدارة صراع المصالح وتعارضها بين مختلف الفئات الاجتماعية بشكل رشيد يرتبط بقدرتها على تطبيق القانون وفرضه، والقانون هنا يعنى بالأساس قانون الدولة المدنية الحديثة الذى يعكس توازن مصالح كل مواطنيها دون تمييز أو استبعاد، وحيث يتم بإعماله تجاوز كل أشكال الحل الاجتماعى السابقة على الدولة المدنية الحديثة مثل العرف والعادات وجميع أشكال الحساب أو التجريم الموجودة خارج المدونة القانونية، والتى قد تتمتع بدرجات من النفوذ الأدبى ولكنها لا تمتلك أى سلطة ملزمة لها قوة القانون.

لهذا يعتبر تراجع قوة القانون والقدرة على تطبيقه لصالح الأشكال الأخرى ذات الطابع العرفى وغير المقنن «مثل القضاء العرفى / مجالس المصالحة»، والذى يضرب أساس المساواة فى مجتمع الدولة الحديثة وهو أيضا أحد عوامل تدمير حقوق المواطنة، وهو كذلك أحد مؤشرات ضعف الدولة وتراجع قوتها، بل يعطى المبرر أمام من يرى «فرد / أو جماعة» عدم جدوى وقدرة مثل هذه الأشكال والأساليب العرفية فى استعادة حقه أو انحيازها فى مواجهة الحصول عليها، للبحث عن أساليب أخرى لاستعادة حق يعتقد أنه استلب منه، وهو ما يفتح الباب على مصراعيه أمام حالة من الفوضى العارمة التى تدمر كل مؤسسات وانجازات الدولة المدنية الحديثة بعد أن سقط قانونها وهيبتها.

والطابع العرفى فى حل المشاكل لا يطبق على الجرائم من حرق البيوت وتخريبها واخراج الناس من بيوتهم، لأن الجلسات العرفية لا تصلح إلا فى حالات الخصومة بين العائلات او الخلاف بين الأزواج.

هذا المنطق الذى يربط بين غياب القانون وعدم القدرة على تطبيقه وضعف الدولة وهشاشة بنيتها وشيخوختها يمتد لجميع المشكلات التى يواجهها أى مجتمع سواء كانت مشكلات ذات طابع اقتصادى أو اجتماعى أو ثقافى، ويصبح التأثير السلبى مضاعفا إذا اقترن هذا بمشكلات ذات طابع طائفى تهدد وتضرب منذ البدء تماسك الأمة ووحدتها، ويزداد مستوى التأثير السلبى خطورة إذا كانت الدولة بنفسها تتطوع وتتنازل عن تطبيق القانون رغم أن هذا فى مقدرتها.

وهو ما تكرر فى العديد من محافظات مصر من المنيا إلى سيدة الكرم إلى العامرية، ورغم أن هذا الملف بكامله فى يد أجهزة الأمن وهى المنوطة بتطبيق القانون منذ البداية إلا أن الأمر ينتهى فى كل مرة بجلسة مصالحة عرفية لتطييب الخواطر تقف أجهزة الأمن وراء ترتيبها، ويكون شرط انعقادها هو الإفراج عمن ألقى القبض عليهم بتهمة التورط فى الأحداث مع وعود بتعويض المضار، وهى تعويضات إذ تمت لا يتحملها من ارتكب جرائم التخريب والتدمير، مما يعمق الإحساس بالمرارة والظلم لدى المضار، ويفتح شهية مرتكبى هذه الجرائم بعد سقوط سيف القانون لارتكاب المزيد منها أو تشجيع آخرين على تقليدهم، وهو ما يؤكده تواتر انفجار هذه الاحتقانات على مدى زمنى متقارب.
وهنا دعونا نطرح بعض الأسئلة:

ـ أين دور الأجهزة الأمنية فى ضبط المتورطين حقيقة فى مثل هذه الجرائم وتقديمهم للنيابة العامة؟ ولماذا نترك الأحداث حتى تصل إلى هذا المستوى من العنف، فى الوقت الذى يحاصر فيه أى نشاط ديمقراطى ذى طابع احتجاجى بالآلاف من قوات الأمن المركزى وضباط أمن الدولة؟

ـ لماذا لم يقدم المشاركون فى هذه الجرائم والتى تمثل اعتداء صريحا على الممتلكات والأنفس بالمخالفة للقانون للقضاء لمحاكمتهم بشكل عادل وإصدار الأحكام الرادعة على من يثبت تورطه فيها بصرف النظر عن ديانته أو موقعه الاجتماعى أو الدينى؟

ـ لماذا تتساهل الأجهزة الأمنية ــ والتى تعلن فى كل لحظة عن قبضتها الخشنة فى مواجهة المواطن العادى أو الناشط السياسى ــ مع مرتكبى جرائم الترويع والتخريب تلك وسرعان ما يطلق سراحهم؟

ـ ماذا سوف يحدث إذا طبق القانون بحزم وعدل على الجميع وعرف كل من تسول له نفسه ان الاعتداء على ممتلكات الغير أو انتهاك حقه فى الأيمان بمعتقد سوف يلقى جزاء رادعا لا تسامح ولا تهاون فيه لأنه حق المجتمع؟

ـ ما هو مصيرنا إذا وقر فى ذهن العامة أن إهانة دين أو اعتداء على دار عبادة أو ممتلكات مخالف فى العقيدة تسامح معها الدولة والمجتمع ولا عقوبة حقيقية على مرتكبها؟

ـ ما هو مصيرنا كمجتمع إذا أصبحت ثقافتنا السائدة أن القانون يسن للضعفاء، وأنه عند من لديه قدر من القوة أو النفوذ لا يساوى ثمن الحبر الذى كتب به؟

ــ ما هو مصير مجتمعنا إذا أصبح كل منا عليه حماية حقوقه وممتلكاته وحريته بنفسه وبقوته التى عليه أن يتدبرها بثروته أو بنفوذه أو من خلال عائلته وعصبيته أو ل ااحتماء بطائفته الدينية أو العرفية؟

هذا نداء واستغاثة بكل عقلاء هذا الوطن وكل رشيد وعاقل فى مؤسسات الحكم، لا تقذفوا بوطننا إلى الفوضى التى سوف ندفع جميعا ثمنها، احرصوا على إعادة هيبة الدولة واحترام القانون، ولتكن تلك مهمتنا الأولى.

أما إذا استمروا فى سياسة خرق القانون وتعطيله فليس علينا إلا الدعاء «عليه العوض ومنه العوض» وعلينا من الآن أن نستعد لمواجهة الفوضى التى ستغرقنا جميعا.
جورج إسحق  مسئول الاعلام بالامانة العامة للمدراس الكاثوليكية
التعليقات