الحديث عن سياسة مصر الخارجية والأذان فى مالطة - مصطفى كامل السيد - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 3:00 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الحديث عن سياسة مصر الخارجية والأذان فى مالطة

نشر فى : الإثنين 23 أغسطس 2010 - 10:27 ص | آخر تحديث : الإثنين 23 أغسطس 2010 - 10:27 ص
تساءل الدكتور عبدالمنعم سعيد فى مقاله بجريدة الأهرام الأسبوع الماضى، لماذا لا يهتم المثقفون المصريون بقضايا السياسة الخارجية، ولماذا لا يحاولون البحث عن كيفية استفادة مصر من هذا الظرف التاريخى لتعظيم مصالحها الإستراتيجية. والسؤال مهم لأن الإجابة عنه سوف تكشف عمق الأزمة التى تواجهها مصر فى أوضاعها الخارجية والداخلية، وتقودنا إلى البحث فى إستراتيجية تغيير هذه الأوضاع، وما إذا كانت قوى المعارضة السياسية والاجتماعية تملك مثل هذه الاستراتيجية.

هل نحن لا نهتم حقا بسياسة مصر الخارجية، أم أننا يائسون من إمكان تغييرها فى ظل النظام القائم؟
من الواجب تعريف من نحن، وأعتقد أن الدكتور عبدالمنعم سعيد لا يوجه اللوم للكتاب الذين يعبرون عن وجهات نظر حكومة الحزب الوطنى، ولكنه يقصد تحديدا المثقفين المستقلين الذين انشغلوا بقضايا التغيير السياسى فى مصر فى الآونة الأخيرة، وأعتبر نفسى واحدا منهم، لذلك فإنى أوضح موقفى، وهو فى جانب منه شخصى بحت، وفى جانبه الآخر أشترك فيه مع هؤلاء المثقفين الذين يقصدهم الكاتب، الذى أكن له كل محبة واحترام، على الرغم من اختلاف وجهات نظرنا بالنسبة لكثير من الموضوعات، أظن أنه يعرف ذلك جيدا. والجانب الشخصى فى إجابتى على سؤاله هو أننى بالفعل مولع بقضايا السياسة الخارجية، وهى ليست تحديدا تخصصى الأكاديمى، ولكنى اكتسبت هذا الولع انطلاقا أولا من فضول شخصى، والذى تغذى بدراستى للدكتوراه فى خارج مصر فى معهد يسمى معهد الدراسات الدولية، وفى مدينة أغلب سكانها من الأجانب، هى جنيف، المقر الأوروبى للأمم المتحدة ولكثير من المنظمات الدولية، والتى عشت فيها أكثر من عقد من الزمان، واستمتعت بصداقة كثيرين التقيتهم فيها من كل قارات العالم، وقد استمر هذا الولع بالسياسة الدولية بعد عودتى إلى مصر.

هذا هو الجانب الشخصى فى الموضوع، ولكن جانبه العام من ناحية أخرى أشترك فيه مع كثيرين مثلى لا يراودهم أمل فى أن يتمكن نظام الحكم الحالى من إدارة أى سياسة خارجية رشيدة، وقد شرحت غياب البوصلة فى سياسة مصر الخارجية فى مقال سابق بصحيفة الشروق، أضيف فى هذا المقال كيف يغيب الرشد عن سياستنا تجاه إيران التى اختصها الكاتب فى مقاله الأخير، وكيف أن الحكومة المصرية تتردد فى رفع مستوى التمثيل الدبلوماسى مع إيران إلى مستوى السفارة الكاملة، ولأسباب لا يقوم عليها دليل ،على الرغم من أن المملكة العربية السعودية، والتى لها أن تخشى على استقرارها الداخلى من أصداء الثورة الإيرانية، تقيم مع إيران علاقات دبلوماtسية كاملة، وتتبادل معها الزيارات على أعلى المستويات، وأضيف كذلك عبث الأسباب التى تجعل الحكومة المصرية تستقبل رئيس وزراء إسرائيل، ثم رئيس دولتها، وترفض فى نفس الوقت لقاء الرئيس السورى، أختم ببناء السور الفولاذى على حدودنا مع غزة، الذى لا أجد له سندا من مصالح مصر الإستراتيجية ودورها الإقليمى قبل أن أرفضه وبشدة لاعتبارات أخلاقية محضة.

وأنا أتوجه للكاتب باعتباره متخصصا فى السياسة الخارجية، هل تنبع هذه المواقف من رؤية لمصالح مصر القومية، أم أنها تنطلق فقط من حسابات ضيقة، شكلتها أولا أجهزة ليس لها باع كبير فى السياسة الخارجية، ثم حرص على عدم إغضاب الولايات المتحدة وإسرائيل. وهل يمكن مع هذه الحسابات الضيقة والأجهزة التى تقدم المشورة فى غير اختصاصها أن تكون هناك سياسة خارجية أكثر رشدا وأكثر جرأة؟ ألا يقفز إلى الذهن إمكان أن تتعاون مصر وإيران على نحو يعظم من مصالح كل شعوب المنطقة؟ هل يمكن أن نستفيد من مواقف إيران المساندة لحقوق الفلسطينيين ليكون موقفنا أكثر صلابة فى مواجهة كل من الولايات المتحدة وإسرائيل بدلا من الرضوخ لتنازلات تسهم فقط فى تعميق الاحتلال الإسرائيلى للأراضى الفلسطينية؟، بل هل يمكن لنا أن نتعلم من براعة الإيرانيين فى التعامل الناجح حتى الآن مع تعقيدات السياسة الدولية. وأظن أن التقارير الأخيرة تشير إلى تراجع الحديث عن عمل عسكرى أمريكى أو إسرائيلى ضد إيران لمدة عام مقبل على الأقل.

التغيير السياسى شرط ضرورى لانتهاج سياسة خارجية رشيدة، وهكذا فنظرا لأنه ليس من المتوقع أن تتغير هذه المواقف فى سياستنا الخارجية مع استمرار نظام الحكم القائم أيا كان الشخص الذى سيرشحه الحزب الحاكم فى الانتخابات الرئاسية المقبلة، والتى من الأرجح أن تتم بنفس الأساليب المعهودة فى كل الانتخابات السابقة، لذلك لا يعول مثلى أو غيرى من أصحاب المواقف غير الحزبية على قدرة نظام الحكم هذا على انتهاج سياسة خارجية رشيدة تتسم بالجرأة والابتكار والواقعية خدمة لمصالح مصر القومية ونضع آمالنا على إمكان أن يكون هناك تغيير سياسى حاسم فى مصر نحو أوضاع أكثر ديمقراطية.

ولكن مثل هذا الأمل قد لا يصمد كثيرا أمام غياب الرؤية الاستراتيجية لدى قوى المعارضة فى مصر بجميع فصائلها، فمواقفها أقرب إما إلى التسليم بأن سيطرة الحزب الحاكم على مقاليد السلطة فى مصر هى قضاء لا مفر منه، ومن ثم يجب ترتيب أوضاعها وأساليب تحركها على هذا الأساس، وهذا هو موقف أحزاب المعارضة الرئيسية، ويقترب منه موقف الإخوان المسلمين، أو أنها تكتفى بردود فعل انفعالية لا يبدو منها أنها تخدم أى غرض سوى الظهور بمظهر البطولة، وأقول الفارغة، لأن البطل الحقيقى هو من يضحى إذا كانت هناك ضرورة للتضحية، خدمة لهدف، وليس فقط للتنفيس عن غضب موقوت.

وأهمية هذه الرؤية الاستراتيجية هى أنها وحدها هى التى يمكن أن تحسم الخلاف القائم بين أحزاب وقوى المعارضة حول الانتخابات المقبلة، هل تقاطعها أم تشترك فيها. هل تخدم المقاطعة الهدف الاستراتيجى الخاص بتغيير النظام القائم نحو أوضاع أكثر ديمقراطية. وهل مدى الرؤية الاستراتيجية لقوى المعارضة هو عام أو عامان على الأكثر، أم أن مثل هذا التغيير الاستراتيجى هو أمر يطول أمده نسبيا لعدة سنوات. وهل فكرت هذه القوى فى الاستفادة من تفوقها المعنوى على النظام الحاكم لإضعاف تماسكه وقدرته على استخدام صغار الموظفين فى أجهزة الإدارة فى تمرير التزوير فى الانتخابات. لن يقدر النظام الحاكم على مجابهة النداء على كل المشاركين فى ترسانة انتخاباته بأن المشاركة فى التزوير هى «شهادة زور» تنهى عنها الشرائع السماوية وفى مقدمتها الإسلام والمسيحية، ومن ثم فإن من يشارك فى التزوير يحل عليه غضب السماء فى الدنيا والآخرة.

ألا تكون المشاركة فى الانتخابات هى فرصة لتوسيع القاعدة الشعبية لقوى المعارضة ولبناء أحزابها وتنظيماتها ولكشف التزوير؟ ألا تتعلم قوى المعارضة فى بلادنا من تجارب قوى المعارضة فى قارات العالم الأخرى فى أمريكا اللاتينية وآسيا وإفريقيا جنوب الصحراء، أم أنها غير قادرة على التفكير المتعمق، وامتلاك النفس الطويل، واتخاذ الخطوة الأولى الصحيحة على طريق الألف ميل.الذى أرجو ألا يطول كثيرا. عندما يحدث هذا التغيير الديمقراطى فى مصر يكون الحديث عن السياسة الخارجية مجديا، أما قبل ذلك فهو مثل الأذان فى مالطة. لا يسمع به أو عنه أحد.

مصطفى كامل السيد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة
التعليقات