التوبة والتصحيح أو الدمار القبيح - جمال قطب - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 11:21 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

التوبة والتصحيح أو الدمار القبيح

نشر فى : الجمعة 23 أغسطس 2013 - 9:30 ص | آخر تحديث : الجمعة 23 أغسطس 2013 - 9:35 ص

(1)

أشد ما أخشاه أن يتعرض الجميع ــ لا سمح الله ــ لغضب الله، وأظن أن كلا منا يحوز صفة من صفات: ظالم أو مظلوم أو ساكت أو غافل أو متربح أو إمعة. فمازلنا جميعا لا نعظم «حرمات الله» خصوصا «حرمة الدم» الذى رفع الله مرتبته فوق قداسة الكعبة، رغم أن الأمم الأخرى تعرف حرمة الدم.

ليس بيننا «مخطئ خالص الخطأ» ولا «محق كامل الحق» فقد تشابهت الأمورلدرجة عرضتنا لما يغضب الله، حيث قال ((وَاتَّقُوا فِتْنَة لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّة وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ))، واتساع الفتنة وتماديها يدحرج الجميع من غضب الله إلى لعنة الله، واللعنة ــ أعاذنا الله منها ــ تحيط بالكاذبين، والظالمين والمفسدين، ففى القرآن ((لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِى إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (79) ))

(2)

فهيا جميعا نبتعد عن أسباب «اللعنة»، فنقر جميعا أن الشيطان قد استدرجنا إلى ما لا يحمد عقباه، فالمكلف بالحق العام قد تعسف فى استعمال الحق وأساء توظيفه، ومراقب الحق العام قد تضخمت ذاته فتحول من شريك مراقب إلى قاض يعاقب، أما حارس الحق العام فقد تجاوز اختصاص الحراسة وتولى بنفسه «الإحلال والتجديد». ونتيجة لهذا فقد سالت الدماء «غزيرة ورخيصة» وكلها دماء زكية عند خالقها لكنها هانت على صاحبها فبذلها دون ثمنها الحقيقى وكذلك هانت على قاتلها فأراقها بغير حق ولا ضرورة، ولا عزاء لأمثالى من الساكتين أو الغافلين.

نعم فليس فى الدنيا ولا فى الدين ما يساوى «الدم الزكى» إلا رد العدوان عن الدم الزكى، كما قال الخلاق العليم ((وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ....)) وهو قول يلزم الجميع بالحفاظ على النفس فلا يبذلها صاحبها دون «ثمنها الشرعى» (جهاد عدو كافر)، ولا يجرؤ عليها مخالفها دون سند شرعى (قتل أو إفساد).

(3)

وأبدأ بنفسى فى حدود اختصاصى العلمى والعملى فأعترف أن أقوال «الفقه الشرعى الدستورى» متهافتة وعاجزة، وكذلك فإن نظريات «الفقه الوضعى الدستورى» تافهة ومقصرة، وكلها لا تحقق كرامة الإنسان ولا استقرار الأوطان، وهذا هو بيت القصيد ومصدر التأزيم الذى يحيط العربية والإسلامية منذ مقتل عثمان بن عفان ثم مقتل على بن أبى طالب ومعهما آلاف الأرواح مرورا بسائر الدول والدويلات وحتى يومنا هذا، فكل أنظمة الحكم وكل الفقه المسطر شرعى ووضعى لا يضع «حقوق الشعب وواجبات الحاكم» فى موضعها الصحيح، فالشاهد الواضح أن الأمة ليس لديها فقه دستورى يمنع التأزيم ويقدر على إدارة الأزمات إذا وقعت، بل إنه يعجز عن تصفية الأزمة وتلافى تكرارها كما.

نعم هل يتصور أن يتجرأ أحد على مدينة رسول الله ثم على عثمان بن عفان فيقتلونه!

لماذا عرف القتل طريقه إلى مجتمع القرآن والسلام؟! كيف حملت الأيدى التى تتوضأ كل يوم خمس مرات السلاح على نفس زكية مصونة؟!

هل سدت أمامهم كل الطرق لتغيير السلطة فلم يجدوا غير قتله؟!

هل أحس هؤلاء أن «الوكيل» عنهم قد انفرد فى إدارة البلاد طبقا لرؤيته هو وفقهه هو؟

هل حينما يقول القرآن ((إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ)) يمكن أن يدعى أحد من الناس أنه هو ــ دون غيره ــ هو الذى يفهم حكم الله وهو الذى يطبق حكم الله وهو الذى يأمر وينهى طبقا لما يراه؟!

نعم لقد ذهبت أنوار «الشخصية النبوية» بما كان معها من «الوحى» يؤيدها ويسدد خطاها، ومع الوحى الأعلى فتح الله لرسوله باب الشورى فكان دائما يشاور أصحابه، بل وينزل عند نتيجة الشورى فيما يخص شئون الناس فها هو يخرج للحرب يوم «أحد» التزاما بضغوط الشورى ورغم ثبوت صواب اجتهاده كما ثبت خطأ اجتهاد الصحابة ــ فى يوم أحد ــ إلا أن القرآن يكرس قاعدة ضرورة الشورى وضرورة التزامها، فها هو القرآن يعقب على هزيمة أحد فيقول ((فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِى الْأَمْرِ))، واستمر يشاور الجميع فى شئونهم، فكان كل من فى المدينة المنورة يشعر بكرامته، ويحس أن «الوحى والنبوة» لم يسلباه حقه فى إدارة مجتمعه، وأن السماء والنبوة لم يقهرا أحدا على غير ما يريد..

فالدين لا يبيح انفراد حاكم برؤيته ولا يجيز إراقة الدماء مقابل الخلاف فى الرأى ولو كان حول الوحى

يتبع

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات