ثم ماذا حدث..؟ حساب النتائج - أيمن الصياد - بوابة الشروق
الثلاثاء 16 أبريل 2024 7:25 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ثم ماذا حدث..؟ حساب النتائج

نشر فى : الأحد 23 سبتمبر 2012 - 8:45 ص | آخر تحديث : الأحد 23 سبتمبر 2012 - 8:45 ص

قبل أن يصرخ فى وجوهنا الغاضبون؛ ونحن منهم. أو المتمترسون فى أفكارهم القديمة؛ ولسنا منهم. نقرر بداية أن شريط الفيديو «الأمريكى»، وما سبقه من رسوم «دانماركية» (٢٠٠٦)، وما سبقهما، «وسيعقبهما» من أعمال مشابهة، هو  بمقاييسنا العقيدية والدينية جريمة لا تحتمل وصفا آخر. ولسنا هنا بصدد تقييمها، بل بصدد تقيالألمانية يم نتائج ردود الفعل، رغم إقرارنا الكامل بنبل المقصد، سواء عند أولئك الذين ضلوا طريقهم إلى السفارة الأمريكية، فأحرقوا فى الخرطوم، أو أولئك الذين تنادوا إلى مقاطعة «جوجل» العملاقة فى تكرار لدعوات «عديمة الجدوى والفاعلية» قبل سنوات لمقاطعة البضائع الدانماركية.

 

وإذا كانت الأرقام هى أكثر الأدوات المتعارف عليها للحساب، دعونا، وقد مرت عشرة أيام فقط على اندلاع ردود الفعل نقرأ بعض نتائجها بالأرقام. لنعرف كم استفاد الإسلام (أو بالأحرى نظرة العالم لأتباعه)، وكم خسر أو خسروا بما حدث عند هذه السفارة أو تلك؟:

 

١ ـ ستة عشر قتيلا فى الصدامات والمظاهرات العنيفة أمام السفارات الغربية فى العواصم الإسلامية.

 

٢ ـ رغم حجب الموقع فى العديد من البلدان الإسلامية، تجاوز عدد مشاهدى الفيديو الأربعة ملايين على يوتيوب وحدها، بعد أن كان العدد لا يتجاوز الألف قبل لفت الانتباه إليه فى برنامج تليفزيونى عرض على قناة تليفزيونية «إسلامية»، وهو الأمر الذى اندلعت بعده المظاهرات وأعمال العنف.

 

٣ ـ لم يتأثر عدد مستخدمى جوجل فى الدول الإسلامية بعد دعوات المقاطعة. (راجع موقع اليكسا) إذ فات الداعين إليها أن جوجل ليس مجرد محرك بحث (هناك أكثر من مائة برنامج وخدمة للمؤسسات والأفراد يوفرها عملاق الإنترنت) كما أن جوجل ليست ألبانا دانماركية ستفسد فى مخازنها إن لم يشترها الناس. بل ما هى إلا مخزن للمعرفة والتواصل، والخاسر الحقيقى هو من يعاقب نفسه بمقاطعة المعرفة. وإننا لم نسمع من الأولين أن منهم من قاطع الكتب لأن بعضها به كذا أو كذا. أفهم كون المقاطعة وسيلة ضغط «متحضرة». وأفهم أن الدعوة جاءت فى هذا السياق لا غيره. ما أقلقنى فقط هو التفاصيل. ولأننى أربأ بالمسلمين أن يتكاثر تناديهم لما قد لا يتحقق عمليا، فيستخف بهم الناس بعد أن تفقد مثل تلك الدعوات معناها مع الزمن.

 

٤ ـ وصل عدد الروابط Links على الشبكة العنكبوتية «الإنترنت»، التى يمكن من خلالها الوصول إلى الفيديو ومشاهدته إلى ما يتجاوز الألف، منها المئات على «فيس بوك» وغيرها من مواقع تبادل ملفات الفيديو الأخرى. بعد أن كان لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة منها رابط واحد على يوتيوب قبل ردود الفعل فى العواصم الإسلامية ومقتل السفير الأمريكى فى بنغازى.

 

٥ ـ مجلة فرنسية «شارلى إبدو» التى كانت تعانى تدنيا فى التوزيع، استغلت الضجة وخصصت عددا لرسوم «مسيئة»، قالت إنها «ردا على الإرهاب الإسلامى لقيم حرية التعبير الغربية» ستوزع ٧٥ ألف نسخة فى ساعات قبل أن تقرر عمل طبعة ثانية. (كانت المجلة نفسها قد وزعت ٤٠٠ ألف نسخة فى ٢٠٠٦ بعد أن أعادت نشر الرسوم الدانماركية الشهيرة).

 

٦ ـ مجلة ألمانية «تيتانيك» ستلحق بزميلتها الفرنسية فى الثامن والعشرين من الشهر الحالى.

 

٧ ـ لا يتوافر لدى رقم محدد عن حجم الاستثمارات الأمريكية التى تعطلت نتيجة لتداعيات الأزمة. ولكنى أعرف أن العنف كان قد اندلع فى اليوم التالى مباشرة لزيارة «كانت واعدة» لوفد كبير من المستثمرين الأمريكيين، كانوا قد جاءوا لبث آفاق الاستثمار فى مصر.

 

●●●

 

بعيدا عن الأرقام الجافة ــ الصادمة بطبيعتها، كانت هناك أسئلة، تبدو محيرة، وإن كانت بعض إجاباتها تكمن فى ثقافة تشوهت فابتعدت عن أصولها. كما يكمن بعضها الآخر فى حسابات سياسة وسياسيين، ينظرون «هنا» تحت أقدامهم، ويخططون «هناك» لهدف استراتيجى بعيد:

 

أيا ما كانت «جريمة الفيلم»، ما علاقة الحكومة الأمريكية بالموضوع؟ لتهاجم سفارتها فى القاهرة، وتدك قنصليتها فى ليبيا بالأسلحة الثقيلة؟ بل وما علاقة المواطن الأمريكى العادى بالموضوع، ليطالب أحدهم على منبر المسجد «برأس كل أمريكى تصل إليه أيديكم». غافلا عن مفارقة أن بين هؤلاء الأمريكيين «العاديين» والدة الشيخ حازم صلاح أبواسماعيل؛ الذى ربما يناصره، وأبناء الرئيس مرسى؛ الذى ربما انتخبه، بل وبعض من اشترك فى مهاجمة برج التجارة فى نيويورك فى هذا الصباح البعيد، الذى يحاولون استحضاره اليوم. (لا أبحث هنا عن أسباب العداء فهى كثيرة. وكنت أحد القليلين الذى تفهم بن لادن ووضعت يومها ما فعله فى سياقه. ولكن هذه قصة أخرى).

 

أين ذهب منطق علمه لنا نبينا (ص) عن ربه سبحانه وتعالى: {وَعِبَادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاما} الفرقان ٦٣

 

لماذا اختار الذاهبون إلى السفارة الحادى عشر من سبتمبر تحديدا، وكأنهم يستحثون الغرب على عداء الإسلام والمسلمين.. وقد كان للأسف.

 

لماذا بدا وكأن بعضنا يعمل بكل حماس لاستعادة «بوش» صاحب مبدأ «الحرب على الإرهاب»؟

 

هل يعلم هؤلاء كم فيلما سينمائيا أنتج فى الغرب يسىء إلى عيسى وموسى عليهما السلام؟ وهل يعلم هؤلاء كم كتابا على أرفف المكتبات (بعضها يمتد عمره إلى قرون) يمكن أن نعتبره بمقاييسنا مسيئا إلى كل ما نعتقد؟ وهل نعلم أننا لسنا وحدنا فى هذا العالم؟ وأن لكل مرجعيته التى قد تختلف عن مرجعيتنا؟

 

هل نصرة النبى تعنى أن يضرب المسلمون بعضهم بعضا أمام هذه السفارة أو تلك؟ وأن يحرقوا سيارات مملوكة «لمسلمين» آخرين؟ وهل من نصرة النبى أن «يسب أحدهم الدين» على شاشات التلفاز لمرشد الإخوان أو لغيره؟ وهل من المنطقى أن يسىء بعضهم لنبينا فيرد بعضنا بأن يسىء لإسلامنا؟

 

هل قرأ سياسيونا ومعلقونا الدستور الأمريكى قبل أن يبادروا بطلبات يعلمون أنه لا سبيل واقعيا لها؟ وهل يوافقون مثلا على أن يتدخل أمريكى أو غيره فى صياغة دستورنا لينص على المساواة بين الرجل والمرأة فى الميراث على سبيل المثال؟

 

ثم وقبل كل ذلك هل من الحكمة أن نرد على فيديو يتهم ديننا «بالإرهاب»، بحرق السفارات وقتل السفراء. ‏أكتب هذه الكلمات وشريط الأنباء أمامى يقول إن عدد القتلى «المسلمين»، بأيدى «مسلمين» احتجاجا على فيلم ورسوم تسىء إلى «المسلمين» وصل إلى ستة عشر. فبالله عليكم هل هكذا تورد الإبل.

 

●●●

 

أيا ما كانت دلالات الأرقام وحيرة الأسئلة، الحاصل أن خلاصة المشهد «مصريا» بدت فى نهاية المطاف كالتالى: هناك فى البداية من أشعل الفتيل «تزيدا»، وهناك من سكت عنه، بل كاد يزايد عليه «تحوطا» خشية الناس «والله أحق أن تخشاه».

 

 

أيمن الصياد  كاتب صحفى
التعليقات