فيما نحن «منكفئون»٠٠ - أيمن الصياد - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 1:20 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فيما نحن «منكفئون»٠٠

نشر فى : الأحد 23 نوفمبر 2014 - 7:00 ص | آخر تحديث : الأحد 23 نوفمبر 2014 - 4:22 م

هناك «استراتيجِّيـًا» من يريد أن يأخذ المنطقةَ إلى «صراعات بديلة»، تحت رايات دينية تتصارع فيها «الهويات المقدسة».. عقائد، وطوائف، وميثولوجيا

••

يعتقد الإسرائيليون أن تلك فرصتهم التى لا تعوض «لاستثمار انكفاء العرب على همومهم الداخلية»!

إعلان «الجبهة الشعبية» مسئوليتها عن العملية، يعيدُ القضية إلى طبيعتها وحقيقتها؛ «صراع حقوق بين الفلسطينيين والاسرائيليين»، وليس حربـًا بين حماس وفتح

••

إن للثأر دائرة، ككل دائرة لا تنتهى أبدًا. وإن «للسلاح حدودًا» إن تجاوزها تأتى حسابات القمح بغير حسابات البيدر

••

فلسطينية تحتضن ما تبقى من شجرة الزيتون بعد أن اقتلعتها الجرافات الاسرائيلية ـ REUTERS

القصة: فى يوم ٢٤ أبريل / نيسان دخل مستوطنون من بؤرة «جفعات جال» الاستيطانية إلى الأراضى الخاصة التابعة لعائلة زرو من الخليل، كما درجوا فى الآونة الأخيرة. اتصل أفراد العائلة بالشرطة كى يقدموا بلاغا حول هذا التعدى، إلا أنّ الجنود الاسرائيليين الذين حضروا إلى المكان اعتقلوا ثلاثة من أصحاب الأرض بدلا من إبعاد المستوطنين. كما أصرت الشرطة الاسرائيلية على احتجاز المعتقلين الثلاثة؛ الشاكين أصحاب الأرض طيلة الليل.

الخبر: موشيه يعلون وزير الأمن الاسرائيلى لا يكتفى بمطلب انتقال الفلسطينيّين للجلوس فى مؤخرة الحافلات العامة (كما كان الحال فى جنوب أفريقيا أيام الفصل العنصرى) بل يخطِّط للاستجابة لمطلب المستوطنين بمنع الفلسطينيّين من استخدام تلك الحافلات.

القصة والخبر لم يأتيا فى صحف فلسطينية أو على ألسنة فلسطينيين، بل على الموقع الرسمى لمركز المعلومات الإسرائيلى لحقوق الإنسان فى الأراضى المحتلة B’TSELEM (على الهامش: لا تستغرب أن «مراكز حقوق الإنسان» مكروهة عادة من أعداء حقوق الإنسان).

قراءة القصة، التى يحدث مثلها كل يوم، والخبر، الذى قد يعتبره البعض صادمًا مهمان لفهم / لا تبرير ما جرى فى أحد المعابد اليهودية فى القدس صباح الثلاثاء من هذا الأسبوع، والذى احتلت صوره الصفحات الأولى للصحف العالمية كلها. واقعة المعبد جرت بعد يوم واحد من العثور على سائق الحافلة الفلسطينى يوسف الرمونى، ٣٢ عاما مشنوقا فى جريمة وجهت فيها أصابع الاتهام إلى المستوطنين ومشاعر الكراهية والعداء المتزايدة يوما بعد يوم. كما جاءت أيضا عملية المعبد على خلفية ما اعتبره تقرير لمنظمة هيومان رايتس ووتش Human Rights Watch «إجراءات تعسفية، وعقابا جماعيا، واستخداما مفرطا للقوة من جانب القوات الاسرائيلية فى مواجهة الاحتجاجات الفلسطينية... يصب الوقود على نار الثأر والانتقام».

واقعة المعبد جاءت أيضا بعد أيام فقط من المؤتمر الأممى لحقوق الإنسان فى جنيف، والذى عرض فيه «سيز فلينترمان» عضو لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان التقرير المتعلق بالانتهاكات الإسرائيلية فى الأراضى الفلسطينية المحتلة.

•••

التقارير الأممية (وكذا تقارير مراكز حقوق الإنسان الإسرائيلية) كثيرة على مدى ما يقرب من نصف قرن من الاحتلال الاسرائيلى بعد ١٩٦٧ (ناهيك عما جرى قبل ذلك).. ولا جديد فيها. بما فيها تلك المتعلقة بالقدس التى شكلنا لها لجنة «ملكية» منذ العام ١٩٧٥ (تضم ١٦ دولة بينها مصر وعقدت ٢٠ اجتماعا)، إلا أن فى الحقائق والأرقام الجديدة ما يستحق المراجعة.

أمامى ثلاثة تقارير؛ الأول صادر عن مكتب تنسيق الشئون الإنسانية التابع للأمم المتحدة OCHA، والثانى عن مركز المعلومات الإسرائيلى لحقوق الإنسان فى الأراضى المحتلة B'TSELEM، والثالث عن المركز الفلسطينى للدراسات الإسرائيلية MADAR. وسأحاول فى ضوء المساحة المتوافرة أن أعرض ربما لما فات علينا أن نتابعه وسط صخب الأحداث المتلاحقة.

ــ إن ضم إسرائيل للقدس الشرقية وأراضى الضفة الغربية المحيطة أحادى الجانب، ُيخالف القانون الدولى (انظر قرارات مجلس الأمن ٤٧٨، ٢٦٧، ٤٧٦، ٤٧٨)

ــ يعيش فى القدس الشرقية فى الوقت الحالى ما يقرب من ٢٩٨ ألفا من الفلسطينيين، إضافة إلى ٢٠٠ ألف مستوطن إسرائيلى يعيشون فى مستوطنات أنشئت منذ عام ١٩٦٧ فى انتهاك للقانون الدولى.

ــ ُيحظر على أربعة ملايين فلسطينى من باقى الأرض الفلسطينية المحتلة دخول القدس الشرقية بدون تصاريح إسرائيلية يصعب الحصول عليها.

ــ يتم التحكم فى الوصول إلى القدس الشرقية من خلال معيقات حركة مادية وإدارية. ولا يستطيع الفلسطينيون الذين يتمكنون من الحصول على تصاريح سوى استخدام أربعة حواجز من بين ١٣ حاجزا تقع على طول «الجدار».

ــ يفتقر سكان القدس الشرقية الفلسطينيون إلى وضع إقامة قانونى وآمن. وألغت السلطات الإسرائيلية إقامة ما لا يقل عن ١٤ ألف فلسطينى فى القدس فى الفترة بين ١٩٦٧ ومنتصف عام ٢٠١٠.

ــ يعزل الجدار الآلاف من الفلسطينيين من سكان القدس الشرقية عن المركز الحضرى للمدينة؛ يتعين عليهم الوصول إلى حواجز مكتظة للوصول إلى خدمات الصحة والتعليم وخدمات أخرى من حقهم الحصول عليها كمقيمين.

تمت مصادرة ٣٥ بالمائة من أراضى القدس الشرقية لتطوير المستوطنات الإسرائيلية ولم يتّم تخصيص سوى ١٣ بالمائة من القدس الشرقية للبناء الفلسطينى، معظمها مقام عليها مبان أصلا.

ما لا يقل عن ثلث منازل الفلسطينيين فى القدس الشرقية غير حاصلة على تراخيص بناء، إذ من المستحيل الحصول على مثل تلك التراخيص، وهو الأمر الذى من الممكن أن يعرض أكثر من ٩٠ ألف مواطن فلسطينى لخطر التهجير بعد إزالة بيوتهم. ومنذ عام ١٩٦٧، هدمت السلطات الإسرائيلية ٢٠٠٠ منزل تقريبا فى القدس الشرقية.

باختصار، يلخص المركز «الاسرائيلى» الوضع فى القدس فى الآتى: «منذ أن ضمّت إسرائيل القدس الشرقية إليها عام ١٩٦٧، تعمل السلطات بغية رفع عدد اليهود الذين يعيشون فى المدينة وتقليص عدد سكانها الفلسطينيين. ويجرى هذا، من ضمن سائر الأساليب، عبر فصل القدس الشرقية عن سائر الضفة الغربية ومصادرة الأراضى واتباع سياسة تمييزية فى مواضيع التخطيط والبناء وتقسيم كعكة الميزانية فى المدينة. أضفْ إلى ذلك أنّ السلطات الإسرائيلية تتعامل مع الفلسطينيين على أنهم مهاجرون اختاروا العيش فى إسرائيل، رغم أنّ إسرائيل ضمّت المدينة وسكانها، وهى تحرم الفلسطينيين الذين لا يستوفون المعايير الضيقة التى وُضعت أصلا للسكان الأجانب، من مكانة الإقامة والحقوق الاجتماعية...» انتهى النص (الاسرائيلى) الذى حرصت على أن أضعه بنصه ولغته.

والخلاصة التى نعرفها: هى أنه بسياسات التوسع الاستيطانى (التى لم يتسع المجال هنا لعرض حقائقها وأرقامها)، فضلا عن السياسة الواضحة «لتهويد القدس»، فإن إسرائيل التى تزعم «دبلوماسيا» تبنى حل «دولتين لشعبين» تسعى واقعيا إلى نقطة اللا عودة التى لا يمكن بعدها تحقيق هذا الحل على الأرض.

ما هى نتائج إجهاض هذا الحل الذى ما فتئ الدبلوماسيون شرقا وغربا يلوكونه فى أحاديثهم على استقرار المنطقة؟ ربما كان هذا هو السؤال.

•••

ذكرتنى مطالعة التقارير الثلاثة، ومتابعة «التفاصيل والظلال» فيما جرى فى القدس، لا غيرها الأسابيع الماضية، بما كان قد قاله بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الاسرائيلى العنيد فى الأول من مايو / آيار ٢٠١٣ من أن «النزاع الاسرائيلى الفلسطينى لا يدور حول الأرض، ولا تعود جذوره إلى العام ١٩٦٧، وإنما يدور حول يهودية الدولة» (معاريف ٢ مايو / آيار ٢٠١٣) وكان هذا بعد أيام فقط من الخطاب الذى ألقاه رئيس الكنيست وقتها يولى إدلشتاين بمناسبة مرور ٦٥ عاما على قيام اسرائيل، والذى قال فيه «إن وجود الدولة غير بديهى على الرغم من أنها تحتفل باستقلالها منذ ٦٥عاما» بمعنى أن وجود الدولة يعنى «يهوديتها» ولا شيء آخر.

هل يرتبط هذا بما نراه جليا (وكتبت عنه غير مرة) من أن هناك «استراتيجيا» من يريد أن يأخذ المنطقة إلى «صراعات بديلة»، تحت رايات دينية تتصارع فيها «الهويات المقدسة»؛ عقائد، وطوائف، وميثولوجيا، يصبح فيها وجود «الدولة اليهودية» تعريفا مقبولا وغير عنصرى؟

لا أدرى، ولكن القصة وشواهدها وتطوراتها قديمة وعديدة. ومن يرد أن يستزيد فله أن يعود إلى كتاب: «اختراع الشعب اليهودى» The Invention Of The Jewish People لأستاذ التاريخ فى جامعة تل أبيب Shlomo Sand ثم إلى الكتاب المهم «من يهودية الدولة إلى شارون» لعزمى بشارة

ولكننا كالعادة، لا نقرأ، وإنما اكتفينا بالنظر تحت أقدامنا، أو بالأحرى إلى عروشنا، فاستمرأنا استحضار الدين إلى معاركنا الصغيرة؛ شعارات وطائفية، نشترى به شعبيتنا «وشرعيتنا» لدى المؤمنين البسطاء. ثم نلقى بهم فى أتون «الحروب المقدسة» وقودا لشرعية متوهمة. وها قد «دارت دورتها»، التى كان لا بد لها أن تدور.. وها نحن ندفع الثمن؛ حروبا عالمية بديلة.

•••

ربما لا جديد فيما ذكرته فى هذا المقال. فكله معروف، وإن تناسيناه، أو مللنا قراءته. ولكننى فقط أردت أن أقول إنه فيما مانشتات صحفنا مشغولة بمماحكاتنا، ومبالغاتنا، وأكاذيبنا، ومصالحات «تخفى ما تحت العباءة»، كبديل نتوهمه عن مصالحة ضرورية مع المستقبل، تمضى اسرائيلُ فى طريقها غير منشغلة بهذا كله.

يقول انبار اباريم فى مقاله Israel Strategy المنشور فى دورية MERIA أن تلك فرصة إسرائيل التى لا تعوض «لاستثمار انكفاء العرب على همومهم الداخلية»!

ثم يبقى أن أيا ما كان الرأى وردود الفعل؛ محلية ودولية فى «عملية القدس» فهى بمقدماتها وتفاصيلها ترسِلُ «إلى من يهمه الأمر» برسائل ثلاث:

١ ـ أن إعلان «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين كتائب الشهيد أبوعلى مصطفى» مسئوليتها عن العملية، يعيد القضية إلى طبيعتها وحقيقتها؛ «صراع حقوق بين الفلسطينيين والاسرائيليين»، وليس حربا بين حماس وفتح.

٢ ـ أن ازدياد القمع يؤدى إلى تزايد العنف. وأن للثأر دائرة، ككل دائرة لا تنتهى أبدا. وأن «للسلاح حدودا» إن تجاوزها تأتى حسابات القمح بغير حسابات البيدر.

٣ ـ أن «اليأس» ليس أكثر من بركان يغلى، ثم تأتى حتما لحظة ثورته؛ حين لا تدرى وحيث لا تدرى، فيصبح سلاحا أقوى من أى سلاح.. فاحذروه.

•••

وبعد..

فلا أعرف، كما لن يمكننى أن أعرف «بدليل قاطع» من المسئول عن التفجيرات التى هزت منازل قادة فتح فى غزة عشية الاحتفال بذكرى وفاة أبو عمار؛ التى ربما قتلته إسرائيل، بالضبط كما قتلت شيخ الشهداء أحمد ياسين. ولكننى قلت فى تغريدة يومها: «الحمقى كثيرون، والمتآمرون كذلك. وأيا من كان المجرم فى تفجيرات غزة، فالكل خاسر»، وأحسبنى بعد أن عدت إلى التقارير الأممية والإسرائيلية والفلسطينية الثلاثة حول القدس. أكرر ما قلت:

الذين فعلوها، كما الذين أعلنوا إلغاء الفاعلية «لأنهم لم يحبوا الذهاب إلى هناك» أو «لأنهم لن يستطيعوا تأمينها»، ليس فقط لا يعرفون قدر الراحل، بل الراحلَين «الختيار.. والشيخ» فضلا عن أنهم لا يعرفون أيضا قدر قضيتهم التى يتحالف حمق الإخوة هنا مع لؤم العدو هناك فى إضاعتها يوما بعد آخر، وشبرا بعد شبر. «لا أستثنى أحدا..» بالاعتذار لمظفر النواب وقصيدته الهجائية طويلة اللسان عن القدس .. عروس عروبتنا.

..............................................

لمتابعة الكاتب:
twitter: @a_sayyad
ـــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة:

أيمن الصياد  كاتب صحفى
التعليقات