وحيد سيف - كمال رمزي - بوابة الشروق
الثلاثاء 7 مايو 2024 7:28 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

وحيد سيف

نشر فى : الخميس 24 يناير 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الخميس 24 يناير 2013 - 8:00 ص

هو نسيج وحده فى الكوميديا المصرية، صاحب بصمة خاصة لا تخطئها الذاكرة. صحيح، على الشاشة الفضية لم يحظ بالبطولة.. وفى الكثير من الأفلام، لا يظهر سوى فى مشهدين أو ثلاثة. ولكنه يبدو أقرب للنقط فوق حروف الكلمات، لا يستقيم معناها إلا بوجودها. المقصود بالمعنى هنا هو البعد الاجتماعى والأخلاقى الذى يعبر عنه وحيد سيف، ويبلوره، بأسلوبه المتمتع بنوع فريد من الحيوية النفسية، تتجلى فى قدرته الإيحائية على تجسيد جوهر الشخصية وراء قناع من وجه يخفى ما يتناقض مع مظهره.. على سبيل المثال، فى «سواق الأتوبيس» لعاطف الطيب 1983، يذهب «حسن» ــ نور الشريف ــ إلى بورسعيد، مستنجدا بزوج شقيقته، وحيد سيف، كى يقرضه مالا لإنقاذ ورشة والده.. وهناك، بينما ينتظر «حسن»، فى شقة الرجل المليئة بالبضائع، يأتى المنقذ المأمول محدثا ضجة عالية، لا يكاد يتوقف عن إصدار أوامر مشفوعة بالرجاء، للرجال الذين يحملون كراتين الثلاجات والمراوح، بضرورة التعامل معها برفق، خوفا عليها من التلف.. وحين يفاتحه «حسن» فى مسألة القرض، يبدى منتهى التعاطف والتأثر، وبلا تردد، يزعم أن كل أمواله فى السوق، وأنه لن يستطيع المساعدة.. وحيد سيف، فى لهجته السريعة، ونغمة الحسم الناعمة، وطريقة التهامه للطعام، يعبر عن أخلاقيات الانفتاح، وما أصاب البعض، داخل الأسرة المصرية، من مرض الشراهة الذى يجعل المرء يتنكر، حتى لمن قدم له يد العون، فى الأيام المرة.

 

شارك وحيد سيف فى أكثر من مائة فيلم، منحها مذاقا حريفا، فما إن يظهر، بحضوره الساخن، فى المشاهد القليلة، حتى تتوهج الشاشة، منذرة بأحداث ستقع حتما، قد نراها وربما لن نراها فى «أريد حلا» لسعيد مرزوق 1975، يطالعنا مرتين فى المحكمة. اسمه «عباس الحلوانى»، طلق زوجته «ثنية» ـ بأداء رجاء حسين ـ التى ترفع عليه قضية نفقة، وأمام القاضى يبدو منكسرا، مفلسا، مستسلما، ومع طليقته، فى الأروقة، يتكشف جانبه المتسم بطابع وحشى.. وفى الجلسة التالية، تظهر «ثنية» بملابس خليعة تشى بالمهنة التى انخرطت فيها.. الوغد «عباس الحلوانى»، لا يتنازل عن رعاية أولاده وحسب، بل يسير خلفها، مناديا عليها، بصوت حنون مخاتل، يعطى إحساسا بأنه على استعداد للعمل معها، فى مهنتها.

 

عادة، لا يكترث كتاب سيناريوهات الأفلام المصرية بأهمية الشخصيات الثانوية والهامشية، وبالتالى يصبح على الممثل منح تلك الشخصيات المهملة قدرا من الحضور والفاعلية، الأمر الذى درج وحيد سيف على توفيره بسخاء، وذلك بسبب ما يتمتع به من ثقافة وخبرة فى الحياة، تظهر بوضوح فى حواراته ببرمج التلفاز، وتنطلق على الشاشة فى عشرات الأعمال.. فى «المتسول» لأحمد السبعاوى 1983 يؤدى دور المسئول عن عمل العاهات للشحاذين، وبرغم حقارة المهنة، يتكلم ويتصرف كما لو أنه أحد كبار الأطباء.. إنه يدرك فن المفارقات، ويصل به إلى مستوى رفيع فى «محامى خلع» لمحمد ياسين 2002، حين يداهم مكتبه رجل أعمال، قوى البنية، مع رجال حراسته.. وخلال دقائق يتحول وحيد سيف، من صاحب مكتب محاماة محترم، إلى شخص منزعج لم يفقد وقاره بعد، ثم إلى فأر مذعور.

 

الشاشة الكبيرة بخلت على وحيد سيف. لم تمنحه سوى مناطق قليلة، شأنها شأن الشاشة الصغيرة وخشبات المسارح، لكن فناننا، استطاع أن يضىء تلك المساحات الصغيرة.

 

 

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات