زمن الخرافات فى العلاقات الدولية - بسمة قضماني - بوابة الشروق
الخميس 23 مايو 2024 4:45 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

زمن الخرافات فى العلاقات الدولية

نشر فى : الأربعاء 24 فبراير 2010 - 10:47 ص | آخر تحديث : الأربعاء 24 فبراير 2010 - 10:47 ص

كتاب أساسى فى علم العلاقات الدولية صدر مؤخرا باللغة الفرنسية لوزير الخارجية الفرنسى السابق هوبير فيدرين والذى عمل فى قصر الإليزيه على مدى 14 عاما كمستشار للرئيس فرنسوا ميتران ثم كأمين عام للرئاسة بين 1981 و 1995، ثم وزيرا للخارجية فى حكومة ليونيل جوسبان عام 1997 حيث قاد السياسة الخارجية الفرنسية على مدى خمس سنوات فى ظل رئاسة جاك شيراك.

زمن الخرافات، هو عنوان هذا الكتاب الذى يؤكّد على سمعة فيدرين العالمية كأحد أكبر الخبراء، بل والمنظرين، للعلاقات الدولية الجديدة. وهو من السياسيين الفرنسيين القلائل الذين يقيّمون حجم ودور بلاده فى التحولات العالمية بحيادية كاملة، بل يطرح رؤية مجرّدة من أى ادعاء طارحا تفسيرات موضوعية حيث يقطع الطريق أمام كل الذين، فى فرنسا أو فى أوروبا، ما زالوا يتشدقون بتفوق وامتياز القارة العجوز، وهم كُثر. فالرؤية واقعية، بل وتشكيكية أيضا، ولكنها ليست سينيكية أبدا. وبذلك فهو يتميز عن المنظّر الآخر للعلاقات الدولية الحديثة، هنرى كيسنجر، الذى قرأه بتمعّن وتأثّر بفكره بشكل واضح. فخلف رؤيته الواقعية هذه، تظهر بوضوح مبادئ أخلاقية صلبة، وهنا تكمن أهمية الكتاب.

***

إن وصف النظام العالمى الجديد على أنه متعدد الأقطاب ليس شيئا جديدا، ولكن الجديد فى وصف فيدرين هو أن العالم قد دخل فى مرحلة زمنية طويلة الأمد تتحرّك فيها الأقطاب وكأنها صفائح تكتونية ويُعاد فيها توزيع الأوراق. وتبقى النتيجة مجهولة وكل الاحتمالات واردة، باستثناء احتمال واحد وهو استمرار هيمنة الغرب بأقطابه المختلفة، وبهذه المقولة، يكسر فيدرين الخرافة الأولى.

فإذا كانت الولايات المتحدة ما زالت القطب الرئيسى من حيث عوامل القوة المختلفة، فإنها دخلت فى مرحلة اختلفت فيها التحديات وتغيّرت هوية القوى التى تحتاج أن تصل معها إلى صيغة تعايش وتعاون. أما الغرب ككل، فالمطلوب تغيير سياساته لتصبح غربية أقل وكونية أكثر. فعليه مثلا أن يتقبل قبل كل شىء أنّه من حق الصين أن تطالب بإعادة النظر فى قواعد اللعبة الدولية ومراجعتها لأنها لم تعد تتناسب مع ميزان القوى، ولا يجوز للغرب أن يعترض على ذلك لأن العالم بحاجة إلى الصين بقدر حاجتها إليه.

الخرافة الثانية هى أن الولايات المتحدة مضطرة لمراعاة أوروبا وإعطائها الأولوية فى وضع سياساتها الخارجية لأن أوروبا هى الحليف الأول. ألا يتنبّه الأوروبيون إلى أن دورهم قد أضحى ثانويا، وأن أمريكا تتعامل مع هذه العلاقة وكأنها إرثٌ تاريخى من واجبها أن تحافظ عليه ولكنه غير قادر على مساعدتها فى مواجهة التحديات الكبرى.

فمثلا، يرى فيدرين أن القادة الأوروبيين يتصرفون كالأطفال عندما يتأثرون، حيث هم يحتجون لأن الرئيس أوباما اعتذر عن حضور قمة أوروبية ــ أمريكية فى مايو المقبل فى مدريد بدلا عن سؤال أنفسهم عما يمكنهم أن يقدموه. فلقد فوتت أوروبا فرصة أن تفرض نفسها فى عهد الرئيس بوش الابن، وتصرفت بجبن مفرط أمام السياسات الخاطئة التى تبناها والتى أدت إلى كوارث معروفة. ونقد سياسات أمريكا ليس بالضرورة معاداة لها كما حاول البعض أن يصوّر الأمر.

وحتى إن كان هناك نوع من المعاداة لهذه السياسات فى فرنسا فإن سببها الرئيسى هو الغيرة من أمريكا لسلبها الدور التاريخى من فرنسا كمصدر أساسى للقيم الكونية، وهو الشىء الذى تعتبره فرنسا من خصوصيتها. وفى الوقت نفسه، بدأ يتبلور تيار فى المجتمع الفرنسى عند فئة من المحافظين الجدد، والذى مهّد لوصول الرئيس نيكولا ساركوزى. هذه الفئة تتبنى رؤية الرئيس بوش الذى لم يتعلّم من أخطائه، بل عاد وأكّد رؤيته فى خطاب الوداع حيث ينقسم العالم بالنسبة له إلى محورى الخير والشر، وهى رؤية تنسف أساس مفهوم الدبلوماسية وهى التى استنبطت أساسا للتعامل مع الرأى المخالف ومفاوضة الأعداء.

لقد سارع الرئيس ساركوزى لتبنى مواقف مشابهة، وأخذ قرار إعادة ضم فرنسا إلى القيادة العسكرية للحلف الأطلسى والذى كان الرئيس ديجول هو من أخرجها منها فى الستينيات من القرن الماضى. ولقد ادعى تبريرا لهذه العودة بأن ذلك سوف يعطى فرنسا ثقلا أكبر فى عملية صنع القرار ضمن الحلف. ولكن بعد عامين على هذا القرار، لا يوجد هناك أى دليل على تعزيز الدور الفرنسى، بينما هناك دلائل كثيرة على تفشى فكر المحافظين الجدد، ومن بينها تبنى رؤية خطيرة، هى فى الواقع رؤية الليكود الإسرائيلى، لقضايا العالم الإسلامى والعالم العربى.

رغم كل الانتقادات التى وجهها فيدرين للسياسات الأمريكية، وموقفه المتحفّظ من الحلف الأطلسى الذى يعتبره أداة لسياسات أمريكا قبل كل شىء، فإنه يحظى باحترام كبير فى الولايات المتحدة ويبقى على علاقة وثيقة مع مسئولين سابقين عن السياسة الخارجية الأمريكية.

ويتهمه بعض المراقبين بأنه غير معنى بقضايا حقوق الإنسان فى العالم ولا يوليها أهمية، معطيا الأولوية للاعتبارات الأمنية كعامل محدد فى العلاقات بين الدول. وفى هذا النقاش أيضا، يجد فيدرين نفسه وحيدا يعارض الفكر السائد الذى نشرته إدارة بوش وسارت خلفه أوروبا، ليس حرصا على حقوق الإنسان فى المجتمعات العربية والصينية والروسية حسب فيدرين، وإنما لسببين أساسيين

أولّهما أن سياسة الدفاع عن حقوق الإنسان هى مجرد موقف استعراضى تبنته أوروبا كبديل عن سياسة جدية تواجه بها التحديات الحقيقية المطروحة أمامها.

السبب الثانى، وهو أخطر، يتمثّل فى أن أيديولوجيا حقوق الإنسان هى امتداد للفكر والسياسات الاستعمارية القديمة، وكأن هذا الفكر داءٌ لم يستطع العالم الغربى أن يتخلص منه، فيعيد إنتاجه ويٌضفى عليه شرعية جديدة من خلال خطاب عام يدّعى التفوق المعنوى والأخلاقى.

وأخيرا، الخرافة الكبرى التى يسعى فيدرين للقضاء عليها، هى أن الغرب قادر على التأثير فى مجتمعات أخرى وعلى تغييرها بناء على مبادئه ومعتقداته. ففى أفغانستان مثلا، قدّمت البلدان التى أسهمت بقوات عسكرية فى الحرب على الطالبان حجتين، الأولى، أن الحرب ضرورة فرضت نفسها على الغرب لحماية أمنه المباشر، وهذه حجة مقبولة ويمكن تبريرها أمام الرأى العام.

أما الثانية، والتى أتت بعد قلب نظام طالبان، فيمكن تلخيصها بعبارة «محاربة الهمجية». وهذه أكذوبة خطيرة لأنه ليس لدى الغرب القدرة على فهم مجتمع معقد كهذا، ولا على التأثير فى التركيبة السياسية والاجتماعية للبلاد.

مع هذا المنطق، عادت الدول الغربية، خاصة الأوروبية منها، إلى ممارسة سياسة سبق وأثبتت عدم جدواها إبان ماضيها الاستعمارى. فلماذا تدّعى الحكومات أن جنودها مستعدون للتضحيات من أجل أن يعيش الشعب الأفغانى فى ظل الديمقراطية، وأن تذهب الفتيات الأفغانيات إلى المدارس؟ هنا تكمن الأكذوبة والادعاء الذى لم تعد الشعوب مستعدة أن تدفع ثمنا من أجله.

ينتهى فيدرين فى تحليله لدور الغرب وسياساته قائلا إن أهم تحد أمام العالم بأكمله هو أن ينجح الرئيس الأمريكى باراك أوباما فى تطبيق مقترحاته للتعامل مع التحديات الأساسية، لأنها تنطلق من رؤية ونية سليمتين، وأهم عناصر هذه الرؤية هو تصوّره للتعامل مع العالمين العربى والإسلامى، وفهمه لقضية الصراع العربى ــ الإسرائيلى.

إن لدى فيدرين رؤية متكاملة وأفكارا محددة إزاء قضايا الشرق الأوسط سنخصص لها مقالا آخر فى موعد قريب.  

بسمة قضماني  مدير مبادرة الإصلاح العربي
التعليقات