فى الدفاع عن «القضية» - أيمن الصياد - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 4:20 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فى الدفاع عن «القضية»

نشر فى : الأحد 24 مارس 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأحد 24 مارس 2013 - 8:00 ص

عندما يذهب داعية محسوب على الإخوان المسلمين (فى اليوم التالى مباشرة لاندلاع قصة «الملابس العسكرية»)، إلى غزة فيخطب فيها مهاجما فريقا من المصريين يختلف معه سياسيا، فهو فى هذه الحال، وإن لم يدرك يسحب الفلسطينيين إلى غير معركتهم. بل ــ ولا أظننى مبالغا ــ إلى حيث لا يطيقون، فضلا عن أنه إلى حيث «يخسرون حتما». فتاريخ مصر «وجيشها» مع القضية لم يبدأ بالأمس. والتاريخ الحقيقى كتب فى الفالوجة ١٩٤٨ وسيناء ١٩٥٦ و١٩٦٧ كما كتب فصلٌ حزينٌ منه فى فندق هيلتون النيل ١٩٧٠ حينما حاولت مصر «حتى النفس الأخير» إنقاذ الفلسطينيين «ومخيماتهم» من دفع ثمن الخلافات العربية الداخلية وحساباتها المعقدة.

 

أتفهم حسن النوايا، «وجموح المشاريع». ولكن «الطرق المفروشة بالنوايا الحسنة» لا تؤدى إلى الخير دائما. وبعض التروى «والحكمة» قد يكون مفيدا.

 

•••

 

فى زمن لم تكن الأنظمة العربية كافة قد عرفت التعددية، حرص أبوعمار ورعيله الأول على أن تكون منظمة التحرير الفلسطينية وعاء «لكل» الفلسطينيين، رغم تشوهات لم تكن خافية «لولاءات العواصم». وبغض النظر عن تجاذبات إقليمية فى لحظة تاريخية صعبة انحازت به إلى حماقة صَدَّام فى المسألة الكويتية (١٩٩٠) فقد نجح ياسر عرفات لسنوات طويلة فى أن يبحر بسفينة القضية الثخنى بالجراح «مستقلا» فى بحار الخلافات العربية ومستنقعاتها اللزجة؛ من عمان الكرامة وأيلول الأسود، إلى بيروت الليطانى وتل الزعتر، إلى تونس حمام الشط. وكان مرفأه «الآمن» دائما.. القاهرة. تحفظ له ــ حتى وقت نكستها ــ استقلاله. فلم يكن للقاهرة أبدا كعواصم أخرى فصيلا، تضرب به «أو تتاجر». بل كان الموقف دائما وثابتا؛ من «القضية»، لا من هذا الفصيل أو ذاك.

 

يعرف جيلنا كم عانى فلسطينيو الشتات فى هذه الدولة العربية أو تلك لا لسبب إلا بسبب تقلبات السياسة وأهوائها. وكم دفع بسطاؤهم فاتورة الخلافات والانقلابات والمكيدات وأحلام الزعامة. بعد أن صارت المخيمات «المؤقتة تعريفا عند إنشائها» قدَرا ومصيرا. تتعاقب عليها الأيام والسنون.. والأنظمة. كله يتغير؛ حتى «النظام العالمى» نفسه.. لم يبق من الاتحاد السوفييتى غير الكريملين، ولم يبق من باندونج وعدم الانحياز غير الاسم والذكريات.. لم يبق من القرن العشرين الذى عصف بمنطقتنا وأحلامنا شىء يذكر.. ولم يبق للفلسطينيين؛ الضحايا الدائمين لكل تفاصيل هذا القرن وتوازناته غير «المفاتيح القديمة»، وأحلام العودة، وصورِ الشهداء، وخرائط الأرض قلادة على صدور الفتيات.. ثم صوت فيروز القادم من بعيد، يحاول صداه أن يعبر «الجسر الخشبى» ليطرق أبواب «القدس العتيقة».

 

ربما وسط كل هذا الضجيج الأجوف، بتنا بحاجة إلى أن نسمع بعضا من أغنيات الستينيات القديمة. وربما قبل أن يتوه بنا

 

الحُداة الحمقى، علينا أن نقلب بعضا من صفحات تاريخ قريب: لنتذكر ونتدبر كيف أن جهود الصهاينة لم تقتصر على ترسيخ «واقع جغرافى» على الأرض، بل امتدت إلى محاولة ترسيخ «واقع لغوى» فى الأذهان والألسنة ومداد الأقلام، يمتد بحكم طبائع التفكير والإدراك إلى السياسة فهما، وإلى الأرض تأثيرا وفعلا. من قبيل ذلك ما عرفناه من إلحاح على استخدام تعبيرات مثل «يهودا والسامرة».. «والقطاع». بل والأدهى من ذلك «المناطق». ولم يكن ذلك كله إلا بهدف أن تختفى من اللغة تدريجيا كلمة «فلسطين».. ومن ثم «القضية». وأخشى أننا لم نعط لهذا الأمر أبدا قيمته. والذى يحاول أن يحلل احصائيا مضمون الخطاب العربى فى إعلامه وتصريحاته فى السنوات الخمس الأخيرة مقارنة بمثيله فى الستينيات أو السبعينيات، سيكتشف كم مرة صرنا مثلا نقول «غزة» وكم مرة نقول «فلسطين»… وبغض النظر عن الأسباب، وهى عديدة ومتباينة، فلذلك معناه، ومن ثم مترتباته ونتائجه.

 

•••

 

أيا ما كان الأمر، فقد هالنى، ومعى كثيرون لغطا تجاوز كل منطق، بدا معه أن «القضية» ستلحق بطابور الخاسرين الطويل مما يجرى فى مصر بعد «ثورتها» من استقطاب جرنا اليه من جرنا اليه. وأخشى أننا وسط العواصف الترابية التى باتت تحجب كل رؤية بتنا بحاجةٍ إلى أن نتذكر مجموعة من الحقائق:

 

• مع كل التقدير «وشهادة الحق» لحماس ونضالها وطابور شهدائها (وعلى رأسهم شيخ الشهداء أحمد ياسين)، فحماس «تعريفا» ليست غزة، وغزة «العزيزة علينا جميعا» ليست فلسطين. وإلا استدرجنا إلى ما أراد الإسرائيليون (أصحاب مصطلح «القطاع») استدراجنا اليه من فصل لغزة.. عن الضفة.. عن القضية.

 

• وعليه، فرغم حقيقة علاقة حماس «الفصيل» بالإخوان «الجماعة»، إلا أن الموقف السلبى المتصاعد فى مصر تجاه الإخوان؛ إن شعبيا أو اعلاميا أو داخل الجهات ذات العلاقة، لا ينبغى أن ينسحب أبدا لا على حماس، ولا على قضية، هى بحكم التاريخ والجغرافيا قضيتنا قبل حماس وبعدها.

 

• إن حسابات الأمن القومى المصرى، منذ الفراعنة تعرف الامتداد الشرقى، وأن العبث بهذا الملف؛ جموحا كان «من هذا الفصيل أو ذاك»، أو تأكيدَ سطوةٍ «من هذا الجهاز أو ذاك»، أو تصفية لحسابات سياسية داخلية «من هذا الفريق أو ذاك»، أو حتى لمجرد التعبير عن حنق أو كراهيةٍ لجماعة حاكمة هو ضرب من ضروب المراهقة.

 

• إن هناك من يعمل على استكمال خطته الدؤوب لقلب الصفحة الأخيرة فى الخرائط الجيوبوليتية للنصف الثانى من القرن العشرين، بما فيها الصراع العربى الإسرائيلى (هناك صراعات أخرى مرشحة جرى التمهيد لها بنجاح منقطع النظير).

 

• إن العدو، الذى أرجو ألا ننساه وسط «معاركنا» الصغيرة، سيظل هو المشروع الصهيونى «ونتاجه»، مهما حاول المحاولون الترويج الممنهج والمنظم لعداوات أخرى تقتات على هويات دينية، واستحضار دؤوب لتاريخ طائفى.

 

• إن «القضية» والعدو؛ تعريفا، وحسابات لأمننا القومى، لا بد وأن تظل بعيدا عن خلافاتنا الداخلية. وعلى الجميع؛ هنا «وهناك» أن يدرك ذلك جيدا. مهما أغوته أوهام اللحظة، أو أعمته كراهيته.

 

•••

 

وبعد..

 

أتحدث هنا عن فلسطين «القضية»، لا عن غزة «القطاع». مؤكدا على أهمية ألا نُستدرج ولو بحسن نية إلى اختزال القضية إلى مشكلة قطاع عرضه عشرة كيلو مترات «حُشر» فيه سكانه. وحتى لا يتحول سؤالُ القضية فى النهاية، كما يحاول المخططون فى تل أبيب وغيرها إلى محض سؤال إنسانى: «ماذا نفعل مع أولئك المحشورين؟»

 

وقانا الله وإياهم «والقضية» شرَ الإجابة.

أيمن الصياد  كاتب صحفى
التعليقات