خطابنا الدعوى إلى أين؟.. 2: المرسل.. ح: الاختصاص الوظيفى - جمال قطب - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 3:13 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

خطابنا الدعوى إلى أين؟.. 2: المرسل.. ح: الاختصاص الوظيفى

نشر فى : الجمعة 24 أبريل 2015 - 9:30 ص | آخر تحديث : الجمعة 24 أبريل 2015 - 9:30 ص

ــ1ــ

«الخطاب الدعوى» أحد أكبر العوامل المؤثرة فى الصحة النفسية لجميع الناس المسلم منهم وغير المسلم. كما أن الخطاب الدعوى بحكم طبيعته معروض ومتاح لجميع الأعمار (العمر الزمنى/ العمر العقلى) ولجميع الثقافات والمستويات العلمية والفكرية. ولذلك فهذا الخطاب لابد وأن تتفرغ له مؤسسة متخصصة تتولى سائر مراحل إعداده ومستويات تعليم وتدريب المكلفين بحمله وإبلاغه.

ــ2ــ

وأول ضوابط: الاختصاص الوظيفى، هو استقلال المؤسسة بجميع أنشطتها بعيدا عن جميع ألوان التنافس الحزبى، ولذلك فمؤسسة الخطاب الدعوى يجب أن تكون «مؤسسة دولة» وليست «مؤسسة حكومية» تتغير خططها وبرامجها مع كل انتخابات تشريعية ــ التزاما بقواعد الديمقراطية والتعددية ــ وعلى ذلك فلابد من إلحاق جميع أنشطة وزارة الأوقاف ــ وفورا ــ بمشيخة الأزهر الشريف، واعتبار المساجد امتدادا طبيعيا للأزهر ومعاهده، الأمر الذى يرفع أيدى جميع المغامرين والمشتاقين وحاملى الأوراق المخلوطة والمغلوطة ــ عن المساجد ومنابرها، وتصبح المساجد قطاعا من قطاعات الأزهر يشرف عليها أساتذة الدعوة والعلوم الدعوية.
وثانى الضوابط: هو سرعة إلحاق «دار الإفتاء» بمشيخة الأزهر فتصبح قطاعا من قطاعات مجمع البحوث يتولى مهام (الاجتهاد والإفتاء) وبهتين الخطوتين (تبعية المساجد ثم الإفتاء للأزهر الشريف) يسترد الأزهر عافيته ويبتعد الخطاب الدعوى بأقسامه الثلاثة عن الصبغة السياسية والحكومية، ويصبح الأزهر مسئولا عن الكلمة المتخصصة علما وشرعا، فيتفرغ لها ويسترد ثقة الناس فيه، فينسحب التطرف والتطفل والتكسب من العلم الشرعى.
وثالث ضوابط التخصص: أن يعاد تطوير الأمانة العامة للدعوة بالأزهر ــ تطويرا يثرى الخطاب الدعوى وينقيه مما عليه من قصور وشوائب، بالإضافة إلى وضع النقط على الحروف فى التمييز بين «ما فرض الله»، وما بينه «رسول الله»، وما فهمه «العلماء فى كل عصر»، كذلك حصر ثوابت الواقع ومتغيراته، حتى يخرج الخطاب الدعوى محققا «مقاصد الشرع» مع «مقاصد الناس» فيضيف بكل كلمة «كيفا وكما» إلى «مقاصد الأمة».
وحجر الزاوية فى تطوير الأمانة العامة للدعوة بالأزهر هو إعادة هيكلة تلك الأمانة وتوزيع مهامها على الشكل التالى :
إدارة عامة للعلوم الدعوية: ( التفسير والحديث والفقه... إلخ)
إدارة عامة للعلوم الإنسانية: ( الاجتماع ــ الاقتصاد ــ السياسة)
إدارة عامة للعلوم السلوكية: ( علم النفس ــ التربية ــ البيئة)
إدارة عامة لعلوم الاعلام: (المذاع ــ المرئى ــ المقروء)
إدارة عامة للفنون التعبيرية: (السينما ــ المسرح ــ الدراما)
وتشترك الإدارات الخمس فى إعداد الخطاب وتخطيط قوالبه ومساراته.

ــ3ــ

واختصاص الأزهر «بالخطاب الدعوى» لا يعنى كهنوتا، ولا يحول دون مشاركة كل من يجد قدرة أو رغبة، ولكن اختصاص الأزهر يستهدف إنجاز «مسؤلية الدولة» عن خطاب دعوى راشد غير مسيس وغير متعصب وغير هادف لنشر مذهب أو رؤية للبعض، فالدولة مسئولة عن الخطاب الدعوى العام وعن اتصافه بالرشد والاعتدال، وعدم اتخاذه لمكيالين أحدهما للأخذ والآخر للعطاء. ولا يستطيع إنجاز هذا الخطاب غير مؤسسة متخصصة لا تلتزم بغير دستور البلاد ونظامها العام، ولا تدين لأى حزب أو لأى جماعة مهما كان إلا ما يتوافق مع النظام العام للدولة وشعبها.
ومن دعائم التخصص أن يمتلك الأزهر بعض آليات البلاغ من إذاعة/ تلفاز/ فضائيات / مجلات... إلخ، وذلك كحد أدنى لا ليفرض رأيه أو يمنع غيره، بل ليقوم بين سائر الخطابات المعلنة مقام الجهة العلمية المتخصصة التى تقدم الرأى العلمى الراجح دون كهنوت ولا سلطان. أما أن تنطلق كل النوافذ والأبواق بقدرات مدعومة من الدولة إيجابا أو سلبا وتلقى كل ما تراه ويعجز الأزهر عجزا بليغا عن إعلان رأيه أو محاورة غيره، فذلك ما لا يساعد الدولة فى الخروج من كثير من الأنفاق المظلمة.
إن الناس ــ كل الناس ــ يسألون، ولهم كل الحق، عن الرأى الملتزم بأصول الدين دون سياسة ولا أيديولوجية ــ فإذا قدرت الدولة على إعانة الأزهر، فقد أعانت نفسها وذاتها وقدرتها على الصمود، وإذا تركت الأمر كما هو، فلن تغلق أبواب السخط والتمرد والشرود، وكل ذلك يؤرق الاستقرار ويعيق التنمية.

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات