الاستقطاب الإسلاموى المدنى والصراع على شخصية مصر - مصطفى كامل السيد - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 6:15 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الاستقطاب الإسلاموى المدنى والصراع على شخصية مصر

نشر فى : الإثنين 24 يونيو 2013 - 9:55 ص | آخر تحديث : الإثنين 24 يونيو 2013 - 9:55 ص

لا يختلف أى ممن كتبوا عن شخصية مصر على أن الدين هو أحد مكوناتها.. ولكنهم لم يختزلوا كل مكونات الشخصية المصرية فى الدين.يحلو للبعض أن يصور الاستقطاب الحادث على الساحة السياسية المصرية فى الوقت الحاضر بأنه صراع على السلطة بين هؤلاء الذين فازوا بالأغلبية فى انتخابات تشريعية ورئاسية وبين من أخفقوا فى كسب نسبة عالية من أصوات الناخبين.

 

والواقع أن القضية الحقيقية التى يدور حولها هذا الاستقطاب هى شخصية مصر، هل ستبقى بمعالمها التى تحدث عنها كل من كتبوا عن شخصية مصر من جمال حمدان وأحمد صادق سعد وشوقى عبدالحكيم وميلاد حنا وغيرهم، أم تخرج الشخصية المصرية عن سياقها التاريخى وتصبح لها هوية أخرى هى التى يدعو لها الإسلامويون.

 

وهناك العديد من الأبعاد لهذه القضية، فى مقدمتها مسألة الاستمرارية أم القطيعة مع الماضى. القوى المدنية تدعو إلى الاستمرارية وتعترف بالإضافات الإيجابية لمسيرة التحديث فى مصر منذ عهد محمد على وكتابات الطهطاوى ومن بعده كل جيل التنوير، بل وتضم إلى هذه المسيرة ميراث الحقبة الناصرية.

 

أما الإسلامويون فهم يرفضون هذه الاستمرارية، ويدعون إلى قطيعة مع كل إنجازات مرحلة التحديث، وفى الواقع فإنهم لا ينكرون مرحلة التحديث وحدها، وإنما ينكرون كل ما جرى فى مصر منذ انتهاء عهد الخلفاء الراشدين، وهى دعوة أبسط ما يقال عنها إنها مستحيلة ليس فقط لأننا نعيش عهد التغير السريع، ولكن لأن كل ما تركته هذه الحقب التاريخية يصعب محوه لمجرد أن تلك هى رغبة بعض الحالمين.

 

••• 

 

والبعد الثانى لهذه القضية هو مكونات الشخصية المصرية. لا يختلف أى ممن كتبوا عن شخصية مصر على أن الدين هو أحد مكوناتها، وكان ذلك دائما، سواء فى عهد الفراعنة أو عهد الرومان، أو عهد الإسلام، أى أن الاعتقاد الدينى هو أحد ملامح هذه الشخصية.

 

ولكنهم لم يختزلوا كل مكونات الشخصية المصرية فى الدين، فهناك الموقع الجغرافى وهناك التكيف مع البيئة، والموروث التاريخى من عادات وتقاليد، ولكن الإسلامويين يريدون اختزال مكونات الشخصية المصرية فى الدين فقط، بل وفى تفسيرهم الخاص للدين الذى يتعارض مع الموروث الشعبى ومع فهم المؤسسة الدينية الرئيسية وهى الأزهر له.

 

ولهذا السبب أفضل أن أسمى هؤلاء بالإسلامويين وليس الإسلاميين لأن لهم فهمهم الخاص للدين الذى لا يتوافق عليه ربما أغلبية المسلمين، وخصوصا عندما يربطون الدين الإسلامى بالخلافة وبطاعة من رشحته الجماعة رئيسا لمصر.

 

ويتفرع عن هذا الفهم للمكون الدينى فى الشخصية المصرية بعد آخر، فإذا كان الاعتقاد الدينى هو أحد مكونات هذه الشخصية وأن هذا الاعتقاد لا يقتصر على دين معين، فإن الشخصية المصرية وفقا للقوى المدنية تقبل التنوع وتنفتح على الكثير من المعتقدات الدينية، ولذلك فقد عاش المسلمون والمسيحيون واليهود فى مصر فى وئام بل وشرح مثقف مصرى فى ثلاثينيات القرن الماضى لماذا هو ملحد، ولم يتعرض كتابه للمصادرة، ولم يتعرض هو للاضطهاد، أما الإسلامويين فهم ما زالوا لا يقبلون بعد أن تكون للمسيحيين حقوق المواطنة الكاملة، وتكشف سلوكياتهم أكثر من أقوالهم حقيقة ما يضمرون بالنسبة لهذه المسألة.

 

ويتفرع عن قبول التعدد لدى القوى المدنية الانفتاح على الآخر والاستعداد للنهل من خيرات الثقافات الأخرى التى يزخر بها العالم، ولذلك فهم لا يعانون أى صعوبة فى التعامل مع منجزات الحضارة الإنسانية فى أى مكان، أما الإسلامويين فهم فى خصام مع كل هذه الحضارات، بل وعندما يعيشون فى كنف واحدة من هذه الحضارات فهم فى حالة هجرة مؤقتة يستعينون على ألامها بنقل أسلوب حياتهم فى مصر إلى تلك المجتمعات غير الإسلامية التى اضطرتهم ظروف الحياة التعليمية والاقتصادية إلى الهجرة لها.

 

يتعلمون اللغة الأجنبية على مضض، ويرفضون الانغماس فى النشاط الثقافى والاجتماعى لهذه البلاد والذى يمكن أن يتعلموا منه الكثير لفائدتهم شخصيا ولفائدة مجتمعاتهم، ولذلك يعودون من هجرتهم المؤقتة إلى هذه المجتمعات مثلما ذهبوا، ولا يدركون أن المسلمين الأوائل فى الأندلس والعراق قد أضافوا إلى الحضارة الإنسانية بعد أن هضموا حضارات الغرب والشرق.

 

•••

 

كما أن أحد أبعاد هذا الخلاف بين الفريقين هو أساس شرعية الحاكم. طبعا كان ادعاء الفراعنة أنهم ينتسبون إلى الإله، أوزيريس فى الأسطورة الشهيرة، أحد أسس شرعيتهم، ولكن هذه الشرعية كانت أيضا تستند إلى الخدمة التى يقدمها الفرعون لرعيته، وهى فى الأساس رعاية نهر النيل والوقاية من فيضانه وضمان استمرار تدفقه، وقد أطاع المصريون القدماء فرعون طالما أنه كان يقوم بهذه الوظيفة الأساسية لاستمرار العمران فى الوادى المحفوف بالصحراء من شرقه وغربه، وعندما أهمل الفرعون ابن الإله هذا الواجب ثار عليه المصريون، وتاريخ مصر القديمة حافل بمثل هذه الثورات.

 

القوى المدنية تدعى ولها كل الحق فى ذلك أن حاكم مصر يقصر فى أداء هذا الواجب ولا يكفل للمصريين حاجاتهم الأساسية ولا يبدو أيضا أنه منشغل بذلك، أو هو يحلق وراء وهم أن يمكنه الاقتراض من الخارج أن يحل للمصريين مشاكل حياتهم اليومية. الإسلامويون على الجانب الآخر يدعون إلى طاعة الحاكم لمجرد أنه يقول إنه حاكم مسلم، وإنه يسعى لتطبيق شرع الله دون أن يفعل ذلك، ودون أن يقرنه بعمل نافع.

 

•••

 

وقد اتفق كل من كتب عن شخصية مصر إلى ميل المصريين للمسالمة، وأنهم يلجأون إلى العنف فقط عندما تضيق بهم سبل الحياة. هذا هو ما التزمت به القوى المدنية عندما بادرت بالدعوة لثورة يناير التى أدهشت العالم بسلميتها، ولم يعرف عن القوى المدنية لجوءها للعنف فى التعامل مع المصريين الآخرين. أما الإسلامويون، فليس العنف فقط واحدا من سمات تاريخ معظم فصائلهم، ولكن سمعنا الدعوة له منذ أيام، فقال قائل منهم من «يرش مرسى بالماء نرشه بالدم،» وقال آخر «قتلانا فى الجنة وقتلاهم فى النار» فى دعوة صريحة للاستشهاد.

 

هل ستشهد الأيام المقبلة تضييقا لمساحات الخلاف هذه؟ أشك فى ذلك فهذه رؤية للعالم هى أساس هوية كل من الطرفين، ولكن ربما يدعو نجاح روحانى الداعى للانفتاح على الجميع فى مجتمعه وفى العالم فى جمهورية إيران الإسلامية درسا لأعداء الانفتاح الفكرى فى مجتمعنا.

 

مصطفى كامل السيد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة
التعليقات