الورد المحاصر في الزنازين - خالد سيد أحمد - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 4:19 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الورد المحاصر في الزنازين

نشر فى : الجمعة 24 يونيو 2016 - 8:30 م | آخر تحديث : الجمعة 24 يونيو 2016 - 8:30 م
دائما كانت كلمة مصر منذ القدم، يتبعها لقب «المحروسة»، إما لأن الله حباها بطبيعة فريدة، لعبت دورا كبيرا فى حمايتها من مغامرات الأشرار، أو لأن مدينة القاهرة التى تم تأسيسها لتكون عاصمة لمملكة الفاطميين فى مصر، جرى إحاطتها بسور لا يستطيع أحد عبوره إلا بإذن، ومن خلال الأبواب التى توجد به فقط، والمحاطة بحراسة دائمة على مدار الساعة، كما يقول الكثير من علماء الأثار والتاريخ.

فى السنوات الثلاث الأخيرة، بدا لقب «المحروسة» غير مناسب لوصف مصر فى ظل الواقع الذى تعيشه، بعد القبض على آلاف الشباب المعارضين وزجهم فى السجون، إلى درجة جعلت البعض يقدم بغير تجن على استبدال هذا اللقب التاريخى، بلقب جديد وهو«مصر المحبوسة».

هذا الواقع الأليم دفع الدكتور محمد البرادعى، نائب رئيس الجمهورية السابق، إلى اطلاق صرخة للإفراج عن الشباب المحبوسين، وقال فى تغريدة جديدة على موقع تويتر الأسبوع الماضى: «ليس بالقمع والظلم تحيا الأوطان وإنما بالحرية والعدل.. أفرجوا عن الشباب.. أفرجوا عن مستقبل مصر».

الشباب بالفعل هم مستقبل مصر وأغلى ما تملكه لمواجهة التحديات الصعبة التى نعيشها، ووفقا لاحصاءات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، فإن عدد الشباب فى مصر فى الفئة العمرية من 18 إلى 29 عاما، يبلغ نحو 20 مليون نسمة بنسبة 23.7% من إجمالى السكان، ويشمل 51.1% ذكورا و48.9% إناثا.

المشكلة الحقيقية فى سجن الكثير من هؤلاء الشباب، هو ان بعضهم حتى هذه اللحظة محبوس احتياطيا، أى انه لم تصدر بحقه أحكام قضائية، وكأن الحبس الاحتياطى أصبح عقابا وليس إجراء احترازيا، وأضحى المتهم «مدانا إلى ان تثبت براءته».

كما أن بعض هؤلاء الشباب موجود فى السجون بتهمة «خرق قانون التظاهر، والتظاهر من دون تصريح فى المناطق العامة»، رغم أن الدستور المصرى، أكد أن الحق فى التجمع السلمى هو حق مكفول بموجب المواثيق والاتفاقيات الدولية المعنية بحقوق الإنسان، وأقر فى مادته 73، أن «للمواطنين حق تنظيم الاجتماعات العامة، والمواكب والتظاهرات، وجميع أشكال الاحتجاجات السلمية، غير حاملين سلاحا من أى نوع، بإخطار على النحو الذى ينظمه القانون. وحق الاجتماع الخاص سلميا مكفول، دون الحاجة إلى إخطار سابق، ولا يجوز لرجال الأمن حضوره أو مراقبته، أو التنصت عليه».

ليس هذا فقط بل إن عددا كبيرا من المحتجزين فى السجون، يعانون من الحبس الانفرادى منذ سنوات، وهو من أشد أنواع الانتهاكات التى يتعرضون لها، رغم أن سقف هذا الحبس وفق القانون 30 يوما فقط، وهو ما أدى إلى اصابة بعضهم، «بأعراض ذهانية مثل الضلالات والهلاوس، ووصلت حالة البعض منهم إلى درجة الإقبال على الانتحار»، مثلما قالت حملة «الحرية للجدعان» التى أطلقت قبل ايام، وبالتعاون مع عدد من النشطاء على مواقع التواصل الإجتماعى، حملة واسعة باسم «لا للحبس الانفرادى».

هذا الملف المعقد، يلعب دورا رئيسيا فى الإساءة لسجل مصر الحقوقى على المستوى الدولى، ويساهم فى جلب انتقادات مجانية نحن فى غنى عنها، وبالتالى فإن الأمر يحتاج إلى تدخل رئاسى حاسم، لإطلاق سراح هؤلاء الشباب، طالما لم يتورطوا فى ارتكاب جرائم بحق هذا الوطن، وألا يتم الاكتفاء بالدفعات التى خرجت، وانما وضع حد نهائى لهذه المأساة الإنسانية لآلاف الأسر المصرية، التى ترى ورودها محاصرة فى الزنازين.

الإصرار على سجن الشباب من كل التيارات، خطأ تاريخى قاتل، ستكون له تداعياته الكارثية على المجتمع بكامله، ولن يحقق الاستقرار المأمول، بل سيساهم فى خلق بؤر توتر أشبه بالقنابل الموقوتة التى يمكن ان تنفجر فى أى وقت، وستصيب شظاياها حاضر ومستقبل هذه البلاد، كما أنه لن يقمع الأصوات الكثيرة المعارضة التى تصر بلا ملل أو كلل على «مصرية تيران وصنافير».
التعليقات