أسئلة الأمن المحيرة - فهمي هويدي - بوابة الشروق
الأربعاء 8 مايو 2024 6:35 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أسئلة الأمن المحيرة

نشر فى : الإثنين 24 نوفمبر 2014 - 8:55 ص | آخر تحديث : الإثنين 24 نوفمبر 2014 - 8:55 ص

على عهدة الأهرام فقد تم خطف 856 مواطنا مصريا فى عام واحد (1912) بمعدل عدد يتراوح بين اثنين وثلاثة كل يوم. وليس معروفا عدد حالات الخطف الآن، بعدما اكتسب الخاطفون مزيدا من الخبرة، وتوفرت لهم من حصيلة عملياتهم وإتاواتهم الإمكانيات التى ساعدتهم على تطوير سلاحهم وتحديث سياراتهم فضلا عن أنهم أصبحوا أكثر دراية بخرائط الأثرياء والقادرين الذين يسارعون إلى الاستجابة لابتزازهم إنقاذا لأرواح ذويهم.

فى التقرير الذى نشرته الجريدة يوم السبت 22/11 وكتبه الزميل هانى بركات إشارة إلى أن البعض يؤثرون السلامة أحيانا ولا يبلغون الشرطة عن المختطفين حتى لا يتعرضوا لبطش العصابات، من ثم فالعدد قابل للزيادة. من المعلومات التى تضمنها التقرير أيضا أن المختطفين من أبناء الأكابر ورجال الدولة يتم العثور عليهم واستعادتهم بسرعة. أما من عداهم فأمرهم إلى الله. فى التقرير أيضا أن أعلى نسبة من الخطف تتم فى محافظات الصعيد، المنيا وأسيوط وسوهاج وقنا، وأن الخاطفين يستهدفون رجال الأعمال والتجار والأطباء، حتى إنه فى محافظة سوهاج تم خطف ستة أطباء الواحد تلو الآخر من مستشفى طما المركزى.

أشار التقرير كذلك إلى الحالات التى تتعثر فيها مساومات إطلاق المخطوفين، وتنتهى أحيانا بقتلهم للخلاص منهم فى حالة تمنع أهاليهم. وعجزهم عن دفع الفدية المطلوبة. ومن المصادفات أن الجريدة نشرت فى العدد ذاته خبرا عن إلقاء القبض خلال وقت قياسى على أشخاص خطفوا طفلا علموا أن جده من الأثرياء. ولم ينتبهوا إلى أن أباه ضابط كبير فى جهاز الأمن الوطنى، الأمر الذى حرك أدوات التحرى والرصد التى أوقعتهم قبل أن يساوموا أو يتصرفوا فى مصير الطفل.

قبل النشر بيوم واحد زارنى فى بيتى أحد الضيوف عند الظهر. وحين عاد إلى سيارته وجد زجاجها مكسورا، وكل ما أمكن حمله من داخلها مسروقا. وكان صاحبنا أفضل حالا من أحد الجيران فى شارع مجاور، سرقت سيارته بالكامل ولم يجد لها أثرا حين هم بالذهاب إلى عمله فى الصباح. ولم تكن بعيدة عن بيتنا البناية التى سكن فيها الممثل يوسف العسال، الذى نشرت الصحف أن شخصين طرقا باب بيته فى التاسعة والنصف صباحا بدعوى الكشف عن عداد النور، ثم اقتحما البيت وقاما بتكميمه هو وزوجته وسرقا ما استطاعا حمله وانصرفا، الأمر الذى أصاب الرجل بسكتة قلبية فاضت بعدها روحه وسقط ميتا. ولم تعد المشكلة مقصورة على انتشار اللصوص وعصابات الخطف، لأن الشباب ذاعت بينهم بدعة جديدة جعلتهم يتجمعون على نواصى الشوارع يوميا إلى ما بعد منتصف الليل. حيث يفترشون الأرصفة ويجلسون فوق سيارات السكان. وكنت أظن أنهم يتسامرون فقط ويتشاتمون وأحيانا يتعاركون مستخدمين المطاوى والجنازير، ولكن نتبين أنهم أيضا يتعاطون المشروبات الكحولية والمخدرات بأنواعها المختلفة، وهو ما رأيته بعينى ذات مساء من شرفة البيت.

السؤال الذى يشغلنى طول الوقت هو: أين الشرطة؟ وهو ما يفتح الباب لأسئلة أخرى من قبيل أنه إذا كان ذلك يحدث فى حى مصر الجديدة، وفى عز النهار أحيانا وغير بعيد عن قصر الاتحادية الرئاسى فلابد أن يكون الحال أسوأ بكثير فى المناطق النائية؟

ثمة إجابة غير مقنعة تقول إن الشرطة مشغولة بمكافحة الإرهاب. وهى تستصحب استنكارا لطرح السؤال سواء بدعوى أنه لا صوت يعلو فوق صوت المعركة، أو بدعوى أن البلد فى حرب والدولة مهددة بالسقوط، ولا ينبغى إشغال الشرطة بأية مهام جانبية قبل أن تكسب الحرب وتقضى على الإرهاب.

هذه الإجابة مردود عليها بأن حماية الناس وتأمينهم واجب ينبغى أن تؤديه الشرطة فى كل الأحوال، بل هو أول واجبات السلطة. ثم إن ذلك الذى يتهدد الناس يظل بدوره إرهابا ينبغى أن يوضع له حل. ولا مفر من الاعتراف بأن الشرطة قادرة على حماية الناس إذا أرادت، بدليل أنها تسارع إلى الدفاع عن الأكابر واستعادة ذويهم المخطوفين. أضاف إلى ذلك أننا نرى إسرافا فى حشد أرتال الشرطة لمواجهة المتظاهرين وحصار الجماعات وتأمين الشخصيات والمؤسسات العامة، فى حين نرى شحَّا فى تأمين الناس وحمايتهم. بل صار معتادا أن الشرطة لا تتحرك أو تستنفر إلا حين تتلقى بلاغا يتعلق بالإرهاب، لكنها باتت تتراخى وتتململ حين تبلغ بحادث سرقة أو سطو أو غير ذلك.

إننا لم نلمس جهدا جادا لتفسير ظاهرة انتشار الجريمة والاستهتار بالقانون والجرأة على الشرطة ذاتها التى فقدت هيبتها بعد الثورة، حتى يقال إن رجالها باتوا ينصحون بارتداء الثياب المدنية حين يظهرون فى الأماكن العامة ويتجنبون الظهور بالملابس الرسمية، التى كان يختال بعضهم بها فى السابق. ثم إننا لم نعرف خلفية تلك العصابات وهل أفرادها أناس محترفون وبلطجية، وهل لانتشار البطالة وتوقف بعض المصانع دخل فى تفاقم الظاهرة أم لا.

لقد انتشرت ظاهرة شركات الأمن الخاصة التى أصبحت تقوم مقام الشرطة فى حماية القادرين. وفى نفس الوقت فإن الناس أحكموا إغلاق البنايات والوحدات السكنية والنوافذ بالبوابات الحديدية، لكن ذلك لم يحل دون سرقة سياراتهم وخطف أطفالهم والاحتيال للاستيلاء على ممتلكاتهم وعقاراتهم. والنتيجة أننا لم نلمس كفاءة من جانب الشرطة فى حماية المجتمع، ولم نقتنع بالذرائع التى تبرر ذلك القصور. وفى الوقت ذاته فإننا نرى تضخما فى الجسم الأمنى وتعددا فى رءوسه الأمر الذى بدا إضافة إلى رصيد حماية النظام وخصما من شعور الناس بالأمن. وما يقلقنا فى كل ذلك ليس فقط ارتفاع مؤشرات وقوع الجرائم وإنما أيضا ذلك السكوت المخيم الذى يحاول تجاهل الظاهرة أو إنكارها.

فهمي هويدي فهمى هويدى كاتب صحفى متخصص فى شؤون وقضايا العالم العربى، يكتب عمودًا يوميًا ومقالاً اسبوعياً ينشر بالتزامن فى مصر وصحف سبع دول عربية اخرى. صدر له 17 كتابا عن مصر وقضايا العالم الاسلامى. تخرج من كلية الحقوق جامعة القاهرة عام 1961 ويعمل بالصحافة منذ عام 1958.