اتساع فجوات الثقة.. المشكلة والحل - معتز بالله عبد الفتاح - بوابة الشروق
الإثنين 17 يونيو 2024 11:23 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

اتساع فجوات الثقة.. المشكلة والحل

نشر فى : السبت 24 ديسمبر 2011 - 12:05 ص | آخر تحديث : السبت 24 ديسمبر 2011 - 12:05 ص

هناك شروخ اتسعت، ورمال متحركة ابتلعت الثقة بين الفاعلين الأساسيين على الساحة السياسية المصرية. هى فجوات كبيرة لا بد لها من جسور حتى لا تغرق السفينة لا قدر الله. والغريب أن كاتب هذه السطور ذكر كلاما مشابها فى منتصف مايو الماضى لقيادات من المجلس الأعلى للقوات المسلحة فى اجتماع مغلق وهو ما تم نشره لاحقا فى «الشروق» من أن هناك ثلاث فجوات ثقة بين الفاعلين السياسيين تشبه الشركاء الذين يتشككون فى بعضهم البعض على النحو المفضى إلى تفسخ الشركة واستحالة العمل المشترك.

 

وكانت أولى هذه الفجوات ولم تزل، فجوة الثقة بين المجلس العسكرى وقطاع من المواطنين بحكم مصدرين: ابتداء فجوة بين المجلس العسكرى ومعظم أجهزة الإعلام. وكان التحذير آنذاك أن هذه الفجوة لو استمرت فى الاتساع ستؤدى إلى مأزق «تسييس المؤسسة العسكرية» بأكملها وليس فقط المجلس الأعلى وما لهذا من نتائج سلبية على رؤية القيادات الأدنى للقيادات الأعلى ومن ثم تماسك هذه المؤسسة. ومن هنا فإن المطلب مزدوج بأن تعين المؤسسة العسكرية، حتى فى حدود الباقى من الفترة الانتقالية، متحدثا رسميا لها، ولتكف بعض القيادات والخبراء الإستراتيجيون عن الاجتهاد الشفوى أمام أجهزة الإعلام على نحو يثير البلبلة ويرفع من معدلات الشك. كما أن مؤسسات الإعلام مطالبة بالتوازن فى الطرح وعدم السعى وراء السبق على النحو الذى يؤثر سلبا على المضمون. ولو كان الأمر بيدى لقمت فورا بدعوة كبار الإعلاميين والقانونيين لتشكيل «مجلس وطنى للإعلام» على النحو الموجود فى دول العالم المتقدمة كمؤسسة محايدة تراقب مهنية أجهزة الإعلام وتحاسبها من ناحية وتحميها وتدافع عنها من ناحية أخرى.

 

<<< 

والمصدر الثانى لفجوة الثقة بين المجلس العسكرى وقطاع من المواطنين، منشؤها الفجوة الهائلة بين المجلس العسكرى وقطاع واسع من ناشطى الثورة. والغريب أننى قلت من مايو الماضى «هذه الفجوة لو استمرت فى الاتساع ستؤدى إلى مأزق اعتبار أن المجلس الأعلى استمرار لنظام مبارك، وأن على الثائرين اسقاطه. الحل: آلية منتظمة للحوار بين القوى الوطنية المختلفة، بما فيها ناشطو الثورة، والمجلس العسكرى». ولكن المفارقة أن فكرة إنشاء مجلس استشارى التى كانت مطروحة آنذاك لمساعدة المجلس العسكرى لاقت عنتا واضحا من قبل المجلس لأنه ظن أنه ليس بحاجة إليه وأنه تدخل من المدنيين فى شئونه. والآن وبعد أن تشكل، بدا واضحا أن المجلس العسكرى سيستعين به فقط فى ما يريد وسيظل أداء المجلس العسكرى على ما يريد هو. ورغما عن يقينى بأن أغلب من دخلوه (سواء من نصف الأعضاء الذين استقالوا أو النصف الذى بقى) كان لهم هدف واحد وهو إنقاذ مصر من سيئات ما قد تلاقى فى ظل إدارة المجلس العسكرى. لكن الحقيقة المجلس العسكرى أثبت فى غير مقام أنه إما لديه أجندة خفية تظهر ملامحها فى تصريحات بعض قياداته، أو أنه كيان متعدد (وربما غير منضبط) على نحو يستحيل ترشيد سلوكه وعقلنة أدائه. وفى الحالتين، سيكون من الصعب جدا أن يستمر فى عضوية مجلسه الاستشارى الكثير من الأسماء النزيهة المستمرة فى عضويته، إن لم يحدث تغيير فى أداء المجلس العسكرى نفسه.

 

هناك فجوة ثقة ثانية بين الحكومة وقطاع من المواطنين ولها مصدر أساسى وهو فجوة بين الأداء الحكومى فى بعض القطاعات على المستوى الوزارى ومستوى المحافظين وما كان مأمولا. هذه الفجوة لو استمرت فى الاتساع ستؤدى إلى مأزق «الحكومة الفاشلة» والذى يعنى ضمنا عدم نجاح الثورة فى أن تأتى بحكومة تعكس طموحات المواطنين. ورغما عن أننى كنت أفضل أن يكون رئيس وزراء مصر الحالى شخصا مختلفا، أو أن يكون تغيير الحكومة فى فترة سابقة طالما أن المبدأ قائم، إلا أننى أتمنى لحكومة الدكتور الجنزورى أن تنجح فى إعادة هيكلة وزارة الداخلية وتغيير عقيدتها الشرطية من خلال الاستفادة من العديد من الدراسات التى أعدتها مراكز مختلفة مثل «مركز دعم واتخاذ القرار» بمجلس الوزراء وعدد من منظمات حقوق الإنسان. ولا بد أن يكون هذا الجهد جامعا بين المتخصصين المدنيين والشرطيين. وأن تعجل الحكومة الجديدة من جهود تسوية المنازعات مع المستثمرين المصريين والعرب والأجانب حتى يمكن استعادة الثقة فى الاقتصاد المصرى بأسرع وقت فضلا عن التنفيذ السريع لقرارات إصلاح العلاقة المتأزمة بين فجوة الأجور فى القطاع الحكومى والاستثمار العام.

 

هناك ــ ثالثا ــ فجوة ثقة بين القوى السياسية المختلفة بسبب فجوة بين الإسلاميين وغير الإسلاميين، وفجوة ثقة بين الثائرين ومعارضى الثورة ولو استمرت هذه الفجوة فإن «الاستقطاب الحاد» قد يصل إلى «حرب أهلية سياسية» لن تكون عنيفة، ولكنها ستكون معطلة.

والغريب أن معظم هذه الفجوات فى نهايتها تدور وتلف لتنتهى عند المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذى ارتكب أكبر خطأ استراتيجى بإطالة الفترة الانتقالية والتى جعلت الكثيرين، فى الداخل والخارج، مصريين وغير مصريين، يظنون فيه الظنون. ولم تعد تجد الرسائل الشفهية من قبيل الرسالة رقم 59 والتى أكدت، وصدقناها فى مايو الماضى، أن المجلس العسكرى يرفض أن يقفز على السلطة أو أن يسمح لأحد أن يقفز على السلطة، وتأكيده على الديمقراطية والشرعية واحترام نتائج الانتخابات. كان هذا الكلام فى مايو حين كنت، ومعى كثيرون، نصدق المجلس العسكرى أنه حريص على نقل سريع للسلطة. ولكن يبدو أن المجلس يتحين الفرص كى يطيل الفترة الانتقالية تحت أية حجة، وما زاد الأمر سوءا هو المادتان التاسعة والعاشرة فى وثيقة المبادئ الاسترشادية التى قام على رعايتها نائب الرئيس الوزراء السابق.

 

والأسئلة التى نسألها لقيادات مؤسسة الوطنية الأولى فى مصر (أى المجلس العسكرى)، هل من الوطنية فى شىء أن نبقى على مجلس الشورى الذى سيكلفنا مئات الملايين من الجنيهات فى ظل ظروف اقتصادية صعبة لينتج لنا مجلسا آخر مشابها لمجلس الشعب؟ هل من الوطنية فى شىء أن يظل المجلس الأعلى فى السلطة حتى أول يوليو مع علمنا أن هناك إحجاما داخليا وخارجيا عن المزيد من الاستثمار بسبب غياب حكومة شرعية فى البلاد مع شكوى الجميع من تدهور الاقتصاد؟ هل من الوطنية فى شىء أن يخرج علينا من يقول إن مجلس الشعب القادم له صلاحيات محدودة وأنه لا يستطيع مراقبة الحكومة، إذن لماذا قمنا بالثورة؟ هل من الوطنية فى شىء أن نسىء إلى جيشنا العظيم بأن نزج به فى معارك مفتعلة مع المدنيين أم من الأفضل أن يعد الجيش إلى ثكناته فى أسرع وقت؟

 

<<< 

الحل فى تقديرى يكون بإخراج المجلس الأعلى للقوات المسلحة بأسرع وقت من المعادلة السياسية من خلال ثلاث خطوات، هى أصلا ما كان ينبغى على المجلس الأعلى أن يلتزم به من البداية بحكم التعديلات الدستورية: أولا استكمال الانتخابات التشريعية لمجلس الشعب بدون انتخابات مجلس للشورى. ثانيا، الشروع فورا فى تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور حتى تتم عملها خلال شهرين، وعلى مراكز التفكير والباحثين أن يجتهدوا فى تقديم المقترحات التى يمكن الاستفادة منها فى صياغة دستورنا الجديد بناء على خبرات الدساتير الحديثة التى تم إقرار وتعديل أكثر من 40 منها فى آخر 10 سنوات. ثالثا، فتح باب الترشح لانتخابات الرئاسة فى أسرع وقت حتى نرى أمام أعيننا رئاسة مدنية منتخبة نغلق معها باب هذه الفترة المضطربة التى ما كانت لتدار على هذا النحو المعيب لو أن قيادات المجلس العسكرى والنخبة الإعلامية والثقافية والسياسية المذعورة أسرعت بالانتقال من مصر الماضى إلى مصر المستقبل. ومع ذلك الفرصة لم تضع، وعسى أن نتعلم أن نعمة الله، الحرية والعدالة والكرامة، غالية.

معتز بالله عبد الفتاح أستاذ العلوم السياسية بجامعتي القاهرة وميشجان، ويدير حاليا وحدة دراسات الإسلام والشرق الأوسط في جامعة ميشجان المركزية في الولايات المتحدة. حصل على ماجستير العلوم السياسية من جامعة القاهرة وماجستير الاقتصاد ودرجة الدكتوراه في العلوم السياسية من الولايات المتحدة. كما عمل في عدد من مراكز الأبحاث في الولايات المتحدة ومصر، له ثمانية كتب والعديد من المقالات الأكاديمية منشورة باللغتين الإنجليزية والعربية.
التعليقات