دفن السردين - عمرو حمزاوي - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 7:45 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

دفن السردين

نشر فى : الثلاثاء 25 فبراير 2014 - 4:10 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 25 فبراير 2014 - 4:10 ص

هو اسم لوحة للرسام الإسبانى فرانشيسكو دى جويا (فرانشيسكو خوسيه دى جويا ١٧٤٦ ــ ١٨٢٨) يعتقد أنه أنجزها حول عام ١٨١٦ وبها يعرض طقسا احتفاليا يرتبط فى وسط إسبانيا (مدريد) بأعياد القيامة ومازال يحدث إلى اليوم. طقس دفن السردين يأتى فى ختام احتفالات دينية وشعبية للكاثوليك الإسبان تسبق فترة «الصوم الكبير» التى لا يسمح خلالها للصائمين بأكل السمك وتنتهى بحلول أعياد القيامة ــ ولهذا يدفن السردين ليؤشر رمزيا على الامتناع عن أكل السمك.

أما لوحة جويا فتظهر الجو الاحتفالى للطقس عبر جمع راقص تتصدره شاباتان (تشبهان كثيرا الدمى زاهية الألوان). إلا أن الجمع الراقص ترتفع فوقه لافتة كتبت عليها كلمة الموت، وتتخلله الكثير من الوجوه ذات الأقنعة وتلك الخالية من الملامح، وتحفه الأشجار رمادية اللون، ويقترب به من الشابتين الراقصتين راقص متشح بالسواد ومغطى الرأس وتكاد نظراته تفتك بهما وبالمحتفلين الآخرين الذين يبدو رقصهم حين التدقيق فى «دفن السردين» أقرب إلى الفعل الهستيرى والعنف. مشاعريا، دوما ما أخذت بالطاقة السلبية التى تنقلها لوحة جويا عبر رمزية الموت وهيستريا الجمع المحتفل. عقليا، دوما ما قرأت اللوحة كتحذير من خطر الجموع المدفوعة بغير العقل على نحو يمكن الآخر (الموت فى اللوحة) من الانقضاض عليها أو يجعلها هى تنقض على من هم خارجها (هيستريا وعنف الجمع الراقص فى اللوحة).

يذكر الكثير فى حياتنا بجمع «دفن السردين» غير المدفوع بالعقل على الرغم من أسباب وجوده الإيجابية (الاحتفال فى لوحة جويا، والانتصار للوطن فى مصر). فالسياسة تصرخ بها حكما ومعارضا مجموعات التى لا ترى إلا هيستريا الإلغاء المتبادل والمعادلات الصفرية والحلول الأحادية (عودة الدولة الأمنية وفى مواجهتها عودة الرئيس السابق محمد مرسى) وتجر المصريات والمصريين إلى خانات لا توافق بها ولا حلول مركبة (أمن وسيادة قانون وديمقراطية ومشاركة سلمية ووطن للجميع). والإعلام تهيمن عليه الأصوات التى تفرض على الجموع الرأى الواحد، تارة بصناعة الفرعون وتارة بإدعاء احتكار الحقيقة المطلقة وتارة بوطنية مشوهة لا تقبل الاختلاف وتارة بتبرير العنف والاستعلاء على الدماء.

ترقص الجموع المشاركة فى السياسة والإعلام بهستيريا وبعنف رمزى ولفطى ومادى، بينما حقائق المجتمع بسلم أهلى غائب وبانتهاكات حقوق إنسان تتوالى وبأعمال إرهابية تتكرر وبظروف اقتصادية واجتماعية ومعيشية خانقة ومأزومة تؤشر إلى الأخطار المحدقة بنا والتى يقتضى تجاوزها تكاتفنا جميعا فى وطن حر ومتسامح ومسالم.

عمرو حمزاوي أستاذ علوم سياسية، وباحث بجامعة ستانفورد. درس العلوم السياسية والدراسات التنموية في القاهرة، لاهاي، وبرلين، وحصل على درجة الدكتوراة في فلسفة العلوم السياسية من جامعة برلين في ألمانيا. بين عامي 2005 و2009 عمل كباحث أول لسياسات الشرق الأوسط في وقفية كارنيجي للسلام الدولي (واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية)، وشغل بين عامي 2009 و2010 منصب مدير الأبحاث في مركز الشرق الأوسط لوقفية كارنيجي ببيروت، لبنان. انضم إلى قسم السياسة العامة والإدارة في الجامعة الأميركية بالقاهرة في عام 2011 كأستاذ مساعد للسياسة العامة حيث ما زال يعمل إلى اليوم، كما أنه يعمل أيضا كأستاذ مساعد للعلوم السياسية في قسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة. يكتب صحفيا وأكاديميا عن قضايا الديمقراطية في مصر والعالم العربي، ومن بينها ثنائيات الحرية-القمع ووضعية الحركات السياسية والمجتمع المدني وسياسات وتوجهات نظم الحكم.
التعليقات