البوسطجى - كمال رمزي - بوابة الشروق
الثلاثاء 7 مايو 2024 6:40 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

البوسطجى

نشر فى : الأربعاء 25 مايو 2011 - 8:59 ص | آخر تحديث : الأربعاء 25 مايو 2011 - 8:59 ص
على استحياء، اعترض البعض على اختيار «البوسطجى» للعرض فى مهرجان «كان» يوم تكريم مصر. وربما معهم شىء من الحق فى هذا التحفظ، فثمة عشرات الأفلام «الكلاسيكية» البديعة ذات الشأن الرفيع، من الممكن أن تحل مكانه. لكن، يظل «البوسطجى» قادرا على الدفاع عن نفسه بنفسه، فعلى الرغم من مرور أكثر من نصف قرن على ظهوره «1968»، لايزال محتفظا برونقه الأبيض والأسود الأخاذ، وبقدرته على التأثير، سواء بأجوائه الريفية الصادقة، أو بقضيته الإنسانية التى تمس الضمائر، أو حركة المجاميع الموفقة، تعبيريا وجماليا، ومثل الأعمال السينمائية الكبيرة، ساهم «البوسطجى» فى الارتفاع بمستوى الكتابات النقدية التى واكبته، وعملت على تحليله فنيا، تبعا لتوجهات كل ناقد، والملاحظ أن معظم المقالات ابتعدت عن الأحكام العامة، الغائمة، القاطعة، واهتمت بجدية برصد التفاصيل الصغيرة، وقراءتها قراءة واعية. فعلى سبيل المثال، يلتفت الناقد الكبير، فتحى فرج لمكونات الإكسسوار ومعناها فى حجرة «البوسطجى»: نجد أثاثا باليا وجدرانا منتفخة بالرطوبة وكومة من علب السلمون ومرآة مكسورة وصورا عارية، كل هذه العناصر مع الإضاءة البارعة لأحمد خورشيد جعلت من البيت شيئا أشبه بالخرابة منه بمكان يعيش فيه آدمى.

أعتبر «البوسطجى» حدثا ثقافيا مهما، فعلى المستوى الشخصى، أصبح اسم حسين كمال مرموقا فى عالم الإخراج وأكد موهبته بعد فيلمه الأول المرتبك «المستحيل» الموغل فى تجريبيته.. ونظر لـ«البوسطجى» على أنه من إنجازات القطاع العام، فلولا «الشركة العامة للإنتاج السينمائى العربى» لما جرؤ الإنتاج الخاص على تحقيقه.. ومرة أخرى، يثبت الفيلم جدوى وأهمية الاعتماد على نصوص أدبية، خاصة إذا أسندت كتابة السيناريوهات لمتفهمين لطبيعة الأدب والسينما، كما فى هذه التجربة، حيث قام بالكتابة «صبرى موسى ودنيا البابا».. وغدا لـ«البوسطجى» حضور دائم فى أسابيع الأفلام والدراسات النقدية.

فى ذات العام، حقق كمال عطية فيلمه المتميز «قنديل أم هاشم»، وبعد ثلاث سنوات أخرج حسام الدين مصطفى «امرأة ورجل» 1971، المأخوذ عن قصة ليحيى حقى، العاشق لمصر، المتفهم لطبائع المصريين، بإيجابياتهم وسلبياتهم. وبينما لم يعلق يحيى حقى على فيلمى «قنديل...» و«امرأة...» كتب مقالة بديعة، عميقة، عن «البوسطجى»، نشرها بجريدة المساء صباح 6/5/1968 ــ فالجرائد الصباحية عندنا تصدر مساء الليلة السابقة، والمسائية تصدر صباحا.. هذه المقالة الثمينة، ضمها الناقد النزيه، المخلص، فؤاد دوارة، فى كتابه «فى السينما»، الذى جمع فيه مقالات حقى المتعلقة بهذا المجال.. فلولاه لما تيسر لنا الاطلاع على لآلئ صاحب «البوسطجى».

جاء فى المقال أنه كتب القصة باستانبول عام 1923، معتمدا على خيطين، أحدهما الواقع، ذلك أنه حقق بنفسه، حين كان وكيل نيابة، فى مصرع «جميلة» على يد أبيها وقرأ بعينيه الخطابات الواردة لها من حبيبها الغائب. والخيط الثانى «محض خيال»: مأساة البوسطجى الذى يفترسه الملل فى الصعيد فيقدم على فتح الخطابات التى تمر تحت يديه ليجد قدمه قد علقت بشرك.. ويعترف حقى أنه كان متأثرا بقصة «الأبله» لدوستويفسكى ــ هذا المحايد الذى ينبش مجرد ظهوره بين أفراد المجتمع كل ما يخفونه من نوازع وعواطف هو القنطرة الصماء التى يعبرون عليها إلى مصيرهم.. شكرا لساعى البريد.. أو «البوسطجى».

 

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات