قد يهزم الجيل لكنه لا ينكسر - عبد الله السناوي - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 5:18 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

قد يهزم الجيل لكنه لا ينكسر

نشر فى : الإثنين 25 مايو 2015 - 8:30 ص | آخر تحديث : الإثنين 25 مايو 2015 - 8:30 ص

لا يمكن التطلع إلى المستقبل بثقة والماضى يصفى حساباته مع الذين ثاروا عليه تشهيرا بأى معنى وانتقاما من كل دور.

الجيل الجديد بأوسع معانيه محبط وغاضب وهو يرى أحلامه تتقوض رغم التضحيات التى بذلت والدماء التى سالت.

على الوجوه حزن وفى الكلام أنين.

فى أى صدام مع المستقبل فإن الحساب النهائى سوف يكون عسيرا.

عندما اجتاحت المظاهرات الغاضبة الجامعات المصرية عام (١٩٦٨) تندد بأحكام الطيران المخففة وتدعو إلى المشاركة فى صناعة القرار السياسى قال «جمال عبدالناصر»: «إذا اصطدمت الثورة مع شبابها فإنها تكون على خطأ».

استمع إلى صوت المستقبل وثار على نظامه ودعا إلى مجتمع مفتوح ودولة مؤسسات فى بيان (٣٠) مارس.

الاعتراف بمواطن الخلل فى بنية النظام ساعد مصر على تجنب أزمات لا تحتملها وهى تعيد بناء جيشها من تحت الصفر تقريبا لاسترداد سيناء المحتلة.

إنكار الحقائق يفضى إلى أوخم العواقب.

أزمة الدولة وشبابها عميقة وفجوات الكراهية تتسع من يوم لآخر بينما مصر تخوض حربا ضارية مع الإرهاب فى سيناء نفسها.

طلب الانتقام من «يناير» وما سعت إليه من تغيير واسع يلحق مصر بعصرها يفكك التماسك الضرورى لمواجهة هذا النوع من الحروب وينزع عن الحاضر شرعيته ويفسح المجال لاضطرابات محتملة عند أول منعطف خطر.

إذا كان هناك من يتصور أن قضية الجيل انقضت بالانكفاء على جراحه فهو واهم.
بعبارة بليغة للروائى الأمريكى «إرنست هيمنجواى» فى «العجوز والبحر»: «قد يهزم الرجل دون أن ينكسر».

الهزيمة محتملة دائما فى أية ثورات دون أن يعنى ذلك انكسارا لأهدافها أو تخليا عن أحلامها.
التاريخ يصحح نفسه مهما طال الأمد والأحلام الكبرى تستعصى على الكسر.

‫جيل «يناير»‬ ليس هو أول جيل يهزم، الأجيال المعاصرة كلها تعرضت فى ظروف أخرى لتراجعات من مثل هذا النوع.

جيل الأربعينيات حارب فى قناة السويس ضد معسكرات الاحتلال البريطانى وتظاهر فى الجامعات والميادين ولوحق وطورد لكنه لم ينكسر رغم ذلك كله.

تأثر بعصره فى طلب العدل الاجتماعى ووصلت ريح التغيير إلى حزب الأغلبية وتبنى زعيمه مصطفى النحاس «الطليعة الوفدية» بنزعتها اليسارية الصريحة على عكس التوجه العام للحزب.
فى المسافة بين عامى (١٩٤٦) و(١٩٥٢) نضجت تجربة جيل الأربعينيات.

بتلخيص ما فإن ما تأسس فى هذه المسافة من تطلعات ومشروعات وجد طريقه إلى التنفيذ بعد ثورة يوليو.

بعبارة أخرى فهذه ثورة جيل الأربعينيات.

هزائم أفدح لحقت بجيل السبعينيات، فكل ما حلم به تقوض وكل ما دفع ثمنه تراجع.

حارب كما لم يحارب جيل آخر على جبهات القتال بعد هزيمة (١٩٦٧) غير أن الجوائز كلها ذهبت إلى غير أصحابها.

صدمته بعمق أوسع عملية نهب للمقدرات العامة بينما الإرث الناصرى فى مخيلته والنزعات اليسارية تلهم قواه الحية.

تطلع إلى مصر جديدة تستأنف أدوارها فى محيطها وقارتها فإذا بأدوارها تتهمش وأوراقها تضعها كاملة فى«السلة الأمريكية».

تجرع جيل السبعينيات هزيمة بعد أخرى غير أنه لم ينكسر.

عارض بدأب الرئيس الأسبق «أنور السادات» فى خياراته الرئيسية من الإدارة السياسية لحرب أكتوبر إلى الانفتاح الاقتصادى وتفكيك القطاع العام.

كانت انتفاضة «يناير» (١٩٧٧) التى تضارع من حيث حجمها الجماهيرى ثورة «يناير» (٢٠١١) ثورته الناقصة.

تعرض «السادات» إلى إهانات لم يتعرض لها خلفه «حسنى مبارك» قبل إطاحته.

خسر الرجل الذى تحمل مسئولية قرار الحرب شعبيته وكاد أن يطيحه شعبه بعد أكثر قليلا من ثلاث سنوات من نصر أكتوبر لولا إلغاء قرارات رفع أسعار الخبز وبعض السلع الأساسية الأخرى التى أفضت إلى الغضب.

الشعبية رصيد يؤخذ منه ويضاف إليه.

عندما داست السياسات الاقتصادية على الطبقة الوسطى والفئات الأكثر فقرا لصالح «القطط السمان» حدث ما حدث.

جيل «يناير» يستشعر شيئا مما تعرض له أسلافه من مرارة التراجعات.

هو جيل صلب على ما أثبتت التجربة، فقد واجه آلة بوليسية متوحشة بصدوره المفتوحة.

غير أن الصلابة وحدها لا تكفى لإثبات جدارته وفرض كلمته على التاريخ.

لكل جيل قضية تلهم مخيلته رغم أية إحباطات.

الحرية قضية هذا الجيل.

وهذه قضية لا مفر من استحقاقاتها، فمصر لا يمكن أن تعود مرة أخرى للوراء بلا أثمان مرعبة.
مشكلته أن الثورة التى تصدر مشاهدها المهيبة سبقت تجربته وشعاراتها غلبت مبادئها.

على عكس جيلى الأربعينيات والسبعينيات افتقد إلى أية بنية فكرية تحدد ما يقصده من حرية وعدل اجتماعى، فأصبح ممكنا لكل من يطلب خطف الثورة أن يفعلها بسهولة كاملة.

كأى جيل آخر فهو يحتاج إلى وقت تنضج فيها الأفكار وخبرة تساعده على تجنب المطبات.

أمامه فسحة من الزمن لكى يرفع كل الركام الذى يحاول أن يقطع طريقه.

قصة الجيل الجديد بالكاد بدأت.

بحكم السن فإن (٦٠٪) من المصريين تحت الخامسة والثلاثين.

هذا يستدعى الحوار لا الصدام، التفهم لا التعالى، فتح قنوات المستقبل لا الزج خلف جدران السجون.

إذا كان هناك من يضايقه تمرد الجيل الجديد، فكل الأجيال التى سبقته تمردت.

الرهان على المستقبل إذا لم يكن تمردا على كل ما هو محتل أو فاسد ومستبد فلا أثر له ولا معنى.

ورغم أية أخطاء فادحة نسبت إلى هذا الجيل لتسويغ الانقضاض عليه فإنها لا ترق إلى جرائم نهب المال العام.

لا هم قتلة ولا فاسدون، لا رفعوا السلاح فى وجه المجتمع ولا سرقوا مقدراته بفحش.

فى لحظة الزخم بدا العالم منبهرا بهؤلاء الشبان الذين غيروا صورة مصر وأثبتوا أن التغيير ممكن، وفى لحظة الهزيمة نسى الجميع تقريبا مظلمتهم.

إذا كان هناك عدل فى هذا البلد فلا يعقل أن يفرج عن رجال الماضى بلا استثناء واحد تقريبا وأن يزج فى الوقت نفسه بالشباب المسيس خلف جدران السجون.

وإذا كان هناك دستورا يحترم فما معنى إدخال تعديلات على الإجراءات الجنائية تسمح للجنة حكومية أن تنسخ الأحكام القضائية وتفرج عن لصوص المال العام؟

معادلة هذا القانون: الإفراج مقابل المال.

إنه بسط حماية على الفساد.

وهذه إهانة لأى معنى دعت إليه الثورة وكل قيمة تبنتها.

إذا استمرت السياسات على هذا النحو فإننا داخلون لا محالة فى الحائط.

أخطر استنتاج أن تصفية الحسابات مع «يناير» وشبابه بلا ثمن يدفع وأن هزيمة الجيل لا قومة بعدها.

هذا مؤقت وعابر بكل حساب تاريخى.