توصيل العلم للعامة - محمد زهران - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 7:37 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

توصيل العلم للعامة

نشر فى : السبت 24 سبتمبر 2016 - 10:40 م | آخر تحديث : السبت 24 سبتمبر 2016 - 10:40 م
الأبحاث العلمية والمؤتمرات العلمية تقتصر فقط على المتخصصين فى فرع ضيق من فروع العلم أما غير المتخصصين أو عامة الناس فلا يدرون عنها شيئا أو ما يصل إليهم يكون إما مخلا أو خطأ فما أهمية توصيل العلم للناس؟ وما هى المشكلات التى تواجه ذلك؟

توصيل العلم للعامة له أهمية كبرى للعامة وللعلماء أنفسهم وللمجتمع ككل، إذا علم الناس ما يحدث فى الوسط العلمى بدقة و لكن بطريقة سهلة ساعدهم ذلك على التفرقة بين العلم الحقيقى و الدجل، للأسف نجد الكثير من الإعلانات فى التليفزيون و الكثير من الإعلانات و المقالات على صفحات الجرائد و المواقع الإلكترونية تتحدث عن هذا الكشف العلمى الذى سيقضى على السرطان أو الذى توصل إلى معادلة ستقلب علم الفيزياء رأساً على عقب و الكثير و الكثير من هذا الدجل، عندما يصل العلم الحقيقى للناس بطريقة سهلة و شيقة فى الوقت ذاته سيتعلم الناس التفرقة بين ما هو علم و ما يشبه العلم.

شرح العلم للعامة له فائدة كبيرة للعالم نفسه، الفيزيائى الكبير ريتشارد فاينمان (Richard Feynman) والذى تكلمنا عنه فى عدة مقالات سابقة و هو الحاصل على جائزة نوبل فى الفيزياء وفى الوقت نفسه معلم قدير فعنده موهبة كبيرة جداً على شرح الأفكار المعقدة بطريقة سهلة يشرح طريقة مبسطة كى تعرف ما الذى تفهمه و ما الذى لا تفهمه و كيف تتعلم الشئ بعمق، هذه الطريقة هى الآتى: بعد أن تتعلم فكرة جديدة أو معلومة جديدة إشرحها لشخص من العامة أو حتى طفل صغير، إذا وجدت نفسك تشرح بطريقة معقدة وتستخدم مصطلحات متخصصة فإعلم أنك لم تفهم هذه المعلومة بالقدر الكافى، عليك فى هذه الحالة أن تركز فى النقاط التى لم تستطع التخلص من المصطلحات المعقدة أثناء شرحها، هذه النقاط هى التى لا تفهمها بالعمق الكافى فإذهب و إقرأ فيها فى الكتب المتخصصة ثم كرر التجربة مرة أخرى، بهذه الطريقة ستتعرف على نقاط الضعف فى فهمك وتعالجها، لذلك فأفضل الطرق للتعرف على نقاط الضعف فى فهمك هو الشرح أو التدريس لمن هم خارج تخصصك.

أثناء دراستى للدكتوراه فى جامعة ميريلاند كانت تجرى مسابقة سنوية لطلبة الدكتوراه، كل طالب عنده 15 دقيقة لشرح بحث الدكتوراه الذى يعمل فيه للجنة من ثلاثة أساتذة و لكنهم من خارج التخصص تماماً، فإذا كنت تدرس للدكتوراه فى مجال هندسة الحاسبات مثلاً كانت اللجنة على سبيل المثال من تخصص الكيمياء أو الأدب الإنجليزى أو التاريخ! و يفوز بالجائزة أفضل ثلاثة طلاب فى رأى اللجنة شرحوا بحثهم بطريقة سهلة ... ألا ينبغى أن نجرب هذه المسابقة فى جامعتنا ولو على مستوى صغير؟

المجتمع ككل يستفيد من توصيل العلم الصحيح للعامة لأنه يشجع الناس على متابعة التطورات العلمية و يعلى من شأن العلم فى هذا المجتمع و هذه هى الخطوة الأولى، الخطوة الثانية أن هذا المجتمع سيتعلم شيئاً فشيئاً الطريقة العلمية فى التفكير و التخطيط وهنا سيكون هذا المجتمع قد قطع شوطاً مهماً نحو التقدم، المجتمع العلمى هو أساس التقدم.

هناك عدة مشكلات تواجه توصيل العلم للناس، أولاً لا تهتم مراكز الأبحاث أو الجامعات بهذا النوع من النشاط حينما تقيم أعمال هذا العالم للترقية مثلاً بل تنظر فقط إلى الأبحاث المنشورة والمشاريع الممولة (هذه النقطة الثانية فى الجامعات الأمريكية خاصة) ثم يأتى بعد ذلك التدريس، إذا توصيل العلم للعامة لا يدخل فى الإعتبار، المشكلة الثانية هى أن العلماء أنفسهم أثناء دراستهم للدكتوراه لا يحصلون (فى أغلب الجامعات) على التدريب الكافى لأساليب التواصل و أساليب التفكير المنطقى، ثالثاً العامة حالياً و نتيجة للسبب السابق يرون العلم معقداً جداً بالنسبة لهم و من ثم يفقدون الإهتمام به و يقعون فريسة للدجل.

بالنسبة للمشكلة الأولى إذا لم توخذ المقالات المكتوبة للعامة أو البرامج العلمية الموجهة للعامة فى الإعتبار حين يتم تقييم عمل عالم من العلماء فعلينا على الأقل أن نوجد جوائز لهذه النوعية من الأعمال، المشكلة الثانية يمكن التغلب عليها بالتدريب على فنون الإلقاء عن طريق قراءة الكتب فى هذا المجال و مشاهدة محاضرات TED الموجودة على اليوتيوب بل إن محاضرات فاينمان و إن كانت قديمة فموجودة أيضاً على اليوتيوب بعد أن قامت شركة مايكروسوفت بتحسين الصورة والصوت، هذا بالنسبة للتحدث أما بالنسبة لتوصيل المعلومة عن طريق الكتابة فأفضل وسيلة هى قراءة المقالات العلمية الموجهة للعامة و ما أكثرها على الإنترنت و منها ما يكتبه ريتشارد بريستون (Richard Preston) و مقالات مجلات مثل ناشيونال جيوجرافك (National Geograpgic) و ساينتفك أمريكان (Scientific American) و الكثير غيرهم، تخيل كيف سيتحسن التعليم ماقبل الجامعى إذا كُتب الكتب المدرسية عن طريق علماء يحسنون توصيل العلم للعامة و يحسنون فن الإبداع فى الكتابة غير الروائية (Creative non-fiction)!

إذا أصبحت عندنا صحافة علمية وأصبح العلم الحقيقى يقَدَم للناس بطريقة شيقة فإن ذلك كفيل بحل المشكلة الثالثة التى ذكرناها أعلاه.

يجب ألا نغفل أنه كانت عندنا فى مصر تجارب رائدة فى هذا المضمار مثل أحاديث الدكتور على مصطفى مشرفة الإذاعية والتى صدرت فى كتاب بعد ذلك و مقالات الدكتور أحمد زكى العلمية المتميزة جداً، توقفت أو قلت جداً الصحافة العلمية فى مصرلفترة طويلة و لكننى الأن أجد بعض الخطوات الجادة نحو إحياء هذا الفرع الهام الجداً و الذى يحتاج إلى بذل جهد كبير من العلماء و الصحفيين معاً!

هل سيأتى اليوم الذى تكون فيه جميع صحفنا بها صفحة يومية للصحافة العلمية؟ هل سيأتى اليوم الذى يقرأ الناس فيه أخبار العلم قبل أخبار الرياضة و صفحة الوفيات؟ لنأمل ذلك!
محمد زهران عضو هيئة التدريس بجامعة نيويورك فى تخصص هندسة وعلوم الحاسبات، حاصل على الدكتوراه فى نفس التخصص من جامعة ميريلاند الأمريكية، له العديد من الأبحاث العلمية المنشورة فى الدوريات والمؤتمرات الدولية، بالإضافة إلى الأبحاث والتدريس.. له اهتمامات عديدة بتاريخ وفلسفة العلوم ويرى أنها من دعائم البحث العلمى، يستمتع جداً بوجوده وسط طلابه فى قاعات المحاضرات ومعامل الأبحاث والمؤتمرات، أمله أن يرى الثقافة والمعرفة من أساسيات الحياة فى مصر.
التعليقات