لولا الميدان ما كان البرلمان وواهم من يتصور أن شرعية الميدان قابلة للإلغاء او الإقصاء او الابتعاد لمجرد أن مجلس الشعب اكتمل وانعقد. ومن الممكن أن يكون البرلمان فى صيغته الجديدة معبرا عن المجتمع المصرى فى هذه المرحلة ومن الجائز أن يكون برلمان الشعب فى هذا الظرف التاريخى المرتبك، لكنه ليس برلمان الثورة بالتأكيد، فالثورة لها مطالب أخرى وجدول أعمال مختلف تماما عن برنامج عمل البرلمان وتعقيداته وحساباته القائمة على الأرباح والخسائر.

وباختصار يمكن اعتبار البرلمان تعبيرا عن حالة تفاعل سياسى لحظى أما الميدان فهو مستودع الروح المصرية والتعبير عن قيم الأمة وأحلامها ومطالبها غير المرتبطة بالظروف المناخية والتقلبات السياسية.

ولعل مشاهد الخروج الكبير للمصريين الى الميادين امس بذهنية الطالعين لاستكمال مسيرة الثورة والمطالبة بحقوقهم فى مصر افضل واجمل هى افضل وأدق تعبير عن المزاج المصرى العام وأخلاقياته وضميره حيث كان الاجماع فى الميادين التى استعادت ملايينها على أن الوقت ليس وقت احتفال وطبل وزمر بل هو استئناف لمسيرة ثورية تعطلت بفعل قطاع طرق محترفين تربصوا بها وأثخنوها بالجراح وقتلوا فيها انبل أبنائها وبناتها ونهبوا اثمن ما فيها من كنوز أخلاقية.

ومن هنا لا تكون مبالغا إذا اعتبرت أن يوم أمس كان استعادة للروح المصرية وإظهارا لوعى اهالوا عليه طبقات من سخام الأكاذيب وعمليات الحصار الاقتصادى والترويع الامنى ظنا منهم بأنهم قادرون على كتم انفاس الثورة فى صدور المصريين بسيناريوهات رعب ومخططات مزعومة عن اعمال عنف واغتيالات وما الى ذلك من حواديت بلهاء تخيلوا انها قادرة على إلزام الجماهير منازلها.

إن هذا الاحتشاد الهائل فى الميادين درس حضارى جديد يقدمه الشعب المصرى للعالم مؤكدا إرادته وفرادته العبقرية فى صنع المستحيل والاهم من كل ذلك انه يوجه رسالة للجميع بأنه اكثر وعيا واعمق قراءة للأحداث من حاكميه وخادميهم من أبواق فاسدة تربت على القبح فأدمنته.

ويبقى على البرلمان الذى لولا صمود الثورة فى الميادين لما كان أن يثبت جدارته بالتعبير عن أحلام الامة المصرية وحقوقها فى الكرامة والحرية والعدالة وأن يرد الجميل للميدان صاحب الفضل عليه وعلى الجميع. ومن قلب الميدان لأرواح الشهداء سلام وتحية.