حوار.. طبق الأصل - كمال رمزي - بوابة الشروق
الإثنين 6 مايو 2024 6:51 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حوار.. طبق الأصل

نشر فى : السبت 26 يناير 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : السبت 26 يناير 2013 - 8:00 ص

لا يكتبه إلا أحد كتاب المسرح الكبار: مكثف، سريع، متصاعد، متصادم، موحٍ ومعبر. يدور على أرض الواقع بين سيدة مصرية تماما، قوية وشجاعة، ترتدى ملابس عادية، محترمة، مثل ملايين الموظفات اللاتى تحررن بفضل العلم والعمل. بدينة إلى حد ما، مثل بناتنا. تقترب من ضابطين ملتحيين، يقفان على الرصيف، بالقرب من بوابة وزارة الداخلية، يسندان لافتة مكتوبا عليها «نريد العودة إلى عملنا لنموت شهداء فى حب الوطن».

 

تسأل أحدهما سؤالا يتضمن درجة ما من الاستنكار.

 

ـ ..زمايلك بيموتوا وانت واقف مربى دقنك ومش عايز تشتغل؟!

 

الواضح إن الرجلين ارتبكا من السؤال الاستنكارى المباغت. وبينما رفع أولهما رأسه فى استعلاء تافه، لائذا بالصمت، أجاب الآخر، متلعثما، فى ارتباك.

 

ـ ..أيوه، علشان تبقى مدنية.. وعلشان ما حدش ينضرب على قفاه.

 

لم يفته أن يرفع كفه اليمنى ليضرب قفاه، تأكيدا للمعنى المبهم الذى يقصده.. واصلت السيدة بعنفوان.

 

ـ فيه حاجة اسمها تلتزم بقواعد النظام. ماربتش دقنك ليه وانت فى الكلية؟

 

حاول الشاب الملتحى، المعزول، الذى يرتدى زى الشرطة، استمالتها.

 

ـ أنا راجل طلعت بعد الثورة.. زى ما إنتى طلعتى بعد الثورة وبتتكلمى.

 

السيدة لم تبتلع الطعم، ولم تستجب للاستمالة.. قاطعته.

 

ـ لا.. أنا طول عمرى باتكلم.

 

بدأ عبار السبيل، كعادة الشعب المصرى، يتجمعون، للاطلاع على الأمر والمتابعة.. وفيما يبدو أن ضابطا، من العلاقات العامة، حليق الذقن، على درجة كبيرة من الذكاء، يضع على عينيه النظارة السوداء إياها، أراد إنهاء الموقف الذى قد لا يبشر بالخير، فتدخل طالبا من الملتحى المحبط عدم الحديث.. وبعد استماعه لكلام السيدة، علق:

 

ـ اللى بتقوليه جميل جدا.. لكن لابد أن ينص عليه القانون.. «عند كلمة قانون فتح قوسين بأصابعه على طريقة المذيعين وضيوفهم». وطالما أننا نحتكم للقانون، فإن هؤلاء من حقهم أن يرجعوا و«أشار بكفه نحو بوابة الوزارة».

 

نقلت السيدة الحوار إلى مستوى آخر، فتحت به جبهة جديدة:

 

ـ هو مادام الرئيس مربى دقنه.. إحنا لازم نربى دقننا.. «عادت إلى مرتكزها الثابت واستكملت» أصحابك بيموتوا وانت واقف مش عايز تشتغل ومربى دقنك.

 

فيما يبدو أن الضابط، بأريحيته، حاول تشتيت ذهن السيدة، فسألها إذا كانت تعمل فى مديرية أمن الجيزة.. أجابت، بثقة وشجاعة:

 

ـ لا.. أنا مدام سلوى.. أعمل فى مستشفى الشرطة.

 

هذه الإجابة تثير عند المرء عدة خواطر، أهمها ما يتعلق بما يمكن أن تكون قد رأته من مصابى أبناء الشرطة وجرحاهم، والكثير منهم قضى نحبه على يد المهربين وعتاة المجرمين، مما أدى إلى غضبها ضد الواقفين بلحاهم، على الأرصفة.

 

تجمع المزيد من الناس. ارتفعت الأيدى بأجهزة تسجيل صغيرة، وموبايلات مدججة بكاميرات تصوير.. عندئذ، تدخل مخبر، يرتدى زيا مدنيا.. طبعا، لم يعلن المخبر عن نفسه أو مهنته، ولكن كما قال عمنا صلاح جاهين «سمى المخبر مخبرا، لأن مظهره يدل على مخبره».. المخبر، بوجه مترب، يوحى أنه لم يغسله طوال نهار قضاه فى الشارع مراقبا، حانقا، بالإضافة لفانلة متسخة.. قال المخبر للضابط:

 

ـ لو سمحت، ممنوع الكلام مع الحريم.

 

وما أن ألقى بهذه الجملة الخائبة، حتى تفجر غضب الجميع، وبدا المخبر وكأنه «فص ملح وداب»، وبقى وجه السيدة المصرية، يفيض بالغضب والعزيمة والصلابة والوعى.

 

جدير بالذكر أن المادة الأرشيفية لهذا الشريط الجميل، منسوبة لصحفية لا أعرفها، اسمها «جين النقلى».. تعمل فى جريدة الوطن، فيما يبدو.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات