داعش صناعة محلية - فهمي هويدي - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 2:46 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

داعش صناعة محلية

نشر فى : الخميس 26 فبراير 2015 - 9:55 ص | آخر تحديث : الخميس 26 فبراير 2015 - 9:55 ص

إذا فشلنا فى تحديد مصدر البلاء المسمى داعش، فلن نتمكن من فهم ظاهرته أو التصدى لها. هذه ملاحظة دفعتنى إلى تسجيلها تعدد الآراء واختلافها بخصوص منشأ الظاهرة ومصدرها. وما استوقفنى فى تلك الآراء أن أغلبها ــ فى مصر على الأقل ــ يشير إلى عوامل الخارج باعتبارها الجهة التى صنعت التنظيم وأطلقته، ورغم أننا اعتدنا أن نشير إلى إسرائيل فى مثل هذه الحالات لأسباب مفهومة لا داعى للإفاضة فيها، إلا أننى لاحظت ان مدارس التفسير فى الإعلام المصرى كانت هذه المرة أكثر تجاوبا مع اتجاهات الريح السياسية. إذ ندُرت الإشارة إلى الدور الإسرائيلى فى حين تعددت الإحالات إلى الدور الأمريكى، الذى يحظى بنصيب وافر من الهجوم والاتهام من جانب الإعلام المصرى، ولا أعرف ما إذا كانت تلك مصادفة أم لا.

وقد شجعنى على مناقشة الموضوع ما كتبه الدكتور جلال أمين بخصوصه أخيرا فى جريدة الأهرام (عدد ٢٣/٢). ذلك أنه تبنى الموقف ذاته وإن بصورة أكثر توازنا. فذكر أنه حين سمع بأمر «داعش» لأول مرة فإنه لم يتردد فى وصفها بأنها «ليست صناعة محلية، بل أجنبية، وان لم أستطع حتى الآن أن أحدد ما هى بالضبط الأيدى الأجنبية التى صنعتها».

قبل مناقشة الفكرة فإننى أمهد بملاحظتين هما:

* إننا فى الظواهر الاجتماعية نخطئ إذا أرجعناها إلى سبب واحد، لأن السلوك الإنسانى تتداخل فى توجيهه عوامل عدة، بعضها ذاتى موروث وبعضها مكتسب والبعض الثالث بفعل عوامل ومتغيرات تطرأ على البيئة السياسية.

وربما انضاف إلى تلك العوامل عنصر الضرورة الناشىءعن ضيق الخيارات أو ندرتها. وهو ما يعنى أن الظاهرة قد تفرزها عوامل محلية، فتزكيها عوامل أخرى إقليمية، وتتلقفها قوى خارجية لتستفيد منها وتوظفها لخدمة مصالحها. بل إن ما تعتبره بلاء يثير فينا مشاعر الرفض والنفور، قد يبدو هدية مجانية لأطراف محلية أخرى، حين تهول من شأنها وتثير فزع الناس منها، لتبرر بذلك إجراءاتها القمعية وتغطى به فشلها على جبهات أخرى.

* إن الدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية على رأسها رغم انها قد لا تتمنى لنا خيرا، إلا أنها ما عادت مضطرة للتآمر علينا، أولا لأن ما يحدث فى العالم العربى جراء صراعاته الداخلية يحقق للشامتين والكارهين مرادهم بغير جهد من جانبهم. وثانيا لأن أنظمة العالم العربى لم تعد تشكل مصدر إزعاج للدول الكبرى. وأيا كانت مواضع الاختلاف فى بعض المواقف والسياسات فالثابت أن العلاقات والمصالح الاستراتيجية ثابتة ومستقرة. ولا تلوح فى أفق المنطقة أية بوادر للمساس بالاستراتيجيات والمصالح الغربية، الأمر الذى قد يضطر بعض تلك الدول إلى زعزعة الأوضاع فى أنظمة المنطقة لتوجيه رسائل من أى نوع إلى قادتها.

إذا حاولنا تنزيل هذه الخلفية على أرض الواقع فسوف يلفت نظرنا ان تنظيم داعش الذى يعد جيلا متطورا من تنظيم القاعدة نشأ فى العراق التى كانت بيئتها مواتية تماما لاستنبات ذلك المشروع. إذ رغم تعدد فضائل العراقيين، إلا أن أحدا لا ينكر أن ثقافة القسوة والعنف لها جذورها فى بلادهم. ولئن قدم نظام الرئيس السابق صدام حسين نموذجا للقسوة والوحشية، إلا أنه لم يبتدع ذلك الأسلوب وإنما عممه فقط. فالسحل له تاريخ فى العراق. إذ كان ذلك حظ الأمويين فى شوارع البصرة فى بداية الخلافة العباسية. وهو ما تعرض له اثنان من العائلة الملكية الهاشمية فى بغداد بعد الثورة (فيصل الأول وخاله عبدالإله) وهو ذات المصير الذى لقيه رئيس الوزراء الأسبق نورى السعيد آنذاك (عام ١٩٥٨).

كما لم يسلم منه الجنود الأمريكيون فى الفلوجة. إذا أضفنا الاحتلال الأمريكى الذى أهان العراقيين وأذل المقاومين فى سجن أبوغريب، وسياسة القمع والقهر المذهبى الذى تعرض له أهل السنة فى ظل حكومة المالكى، فلا غرابة ان يستدعى كل ذلك النموذج الوحشى الذى شكلته داعش، واستخرجت لأجله مواريث العنف فى مواجهة الآخر، مستفيدة من مشاعر القهر لدى أهل السنة فى العراق. وقد وجدت هذه الموجة ترحيبا فى أوساط المتعصبين والمقهورين وأنصاف المتعلمين فى العالم العربى إلى ان وصلنا إلى ما نحن فيه الآن.

هذه الخلفية لا تحتاج إلى متآمر أجنبى، وان كان من الطبيعى والمفهوم أن يحاول كل صاحب مصلحة الإفادة منها، وبقايا حزب البعث وجيش صدام حسين المنحل بل والنظام السورى فى مقدمة هؤلاء. أما مسألة استعادة الخلافة وإزاحة كل من يعترض طريقها أو يتردد فى إعلان البيعة لها، فهى لا تختلف كثيرا عن استدعاء فكرة المهدى المنتظر التى يشيع البعض أنه سيظهر فى العام الحالى (٢٠١٥).

ولا ننسى أن مسألة الخلافة تدغدغ مشاعر أجيال المسلمين الذين نشأوا فى الغرب، فعانوا من التمييز والدونية، كما عانوا من قلة المعرفة بدينهم. وكان ذلك سببا فى سرعة انجذابهم إلى داعش ومشروعها.

لا يسرنا بطبيعة الحال أن تكون داعش صناعة محلية على العكس ما ذهب إليه الدكتور جلال أمين، ولكنها الحقيقة المحزنة التى يتعين الاعتراف بها. وأكرر أن ذلك لا يمنع من ان تحاول أطراف أخرى الإفادة منها.

ذلك ان داعش قدمت أكبر خدمة للنظام السورى لأنها اقنعت قطاعات عريضة من السوريين بأن جرائم نظام الأسد أهون من الفظائع التى أقدمت عليها داعش أو القاعدة، ثم إنها روعت العرب بصورة أنستهم قضية فلسطين ووضعت مسألة الإرهاب على رأس التحديات التى تواجههم. ذلك فضلا عن أنها شوهت صورة الإسلام والمسلمين فى العالم، من أوروبا وأمريكا إلى اليابان. بل إن المسلمين فى العالم الغربى أصبحوا ضمن ضحاياها، بسبب تنامى الحملات العدائية التى دعت إلى طردهم.

قل ما شئت فى التداعيات البائسة التى ترتبت على ظهور داعش فى العالم العربى، ولك أن تضيف ما شئت من أطراف حاولت أن تشيع الخوف منها وتستثمر ذلك الخوف لخدمة أغراضها، لكنك لن تستطيع أن تتجاهل أنها خرجت من بيئتنا وان خلفية القهر والظلم هى التى استدعتها بحيث استخرجت من شرائح المتعصبين وأنصاف الأميين اسوأ ما فيهم لكى يشوهوا أعز ما عندنا.

فهمي هويدي فهمى هويدى كاتب صحفى متخصص فى شؤون وقضايا العالم العربى، يكتب عمودًا يوميًا ومقالاً اسبوعياً ينشر بالتزامن فى مصر وصحف سبع دول عربية اخرى. صدر له 17 كتابا عن مصر وقضايا العالم الاسلامى. تخرج من كلية الحقوق جامعة القاهرة عام 1961 ويعمل بالصحافة منذ عام 1958.