التدين الآمن جذور الفقه قبل أصوله (2) - جمال قطب - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 1:47 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

التدين الآمن جذور الفقه قبل أصوله (2)

نشر فى : الجمعة 27 أبريل 2012 - 8:00 ص | آخر تحديث : الجمعة 27 أبريل 2012 - 8:00 ص

(1)

 

كان الجذر الأول للفقه الذى أدركه الصحابة والتابعون هو استراتيجية التدين التى أشرنا إليها فى المقالة السابقة، أما الجذر الثانى للفقه تنوع التكاليف الشرعية وتفاوت مستويات كل نوع فيما يخصه من المسئولية والجزاء والمصطلحات الدالة عليه ولا تتعداه إلى غيره، حيث استنبطوا من القرآن الكريم مركز التدين ومحاوره الأربعة الرئيسة الشاملة لفرائض الدين.

 

(2)

 

ومركز التدين هو الألوهية وما يلحقها من أسماء الله الحسنى وإرادته وأفعاله واختصاص الله بعلم الغيب وهذا المركز سماه أهل العلم (العقيدة) أى ما يؤمن به المسلم، والعقيدة هى مركز التدين وهى وحدها دون غيرها تستقل بمصطلحى (الإيمان والكفر) فلا يطلق لفظ الكفر إلا على الرافض لوحدانية الله واختصاصه بعلم الغيب واختتام النبوة بمحمد صلى الله عليه وسلم.

 

(3)

 

وحول هذا المركز أربعة محاور رئيسة أولها محور الشعائر وهى الصلاة والزكاة والصوم والحج وهى ضرورات لازمة لمن رضى الإسلام دينا، وفاعل هذه الشعائر مؤمن طائع؛وتارك هذه الشعائر مؤمن عاصٍ، ونظرا لأن الشعائر هى قربات لله سبحانه، فإن بعض الفقهاء يلحقها بمركز التدين (بالعقيدة) وأكثر الفقهاء على إفرادها واختصاصها بمصطلحى (الطاعة والمعصية) وعلى ذلك فقد نجد مؤمنا بالله ورسوله ينقص إيمانه بمقدار تركه لهذه الشعائر ويزداد إيمانه بقدر مواظبته عليها وتمسكه، بها ثم يتدرج فى زيادة الإيمان بقدر تأثير هذه الشعائر فى التزامه بالمحاور الأخرى للتدين.

 

(4)

 

أما ثانى محاور التدين فهو معاملات الإنسان الخاصة به أخذا وعطاءً، ثم ما بين المسلم وعائلته، وبين المسلم ومجتمعه، وبين المسلم وأمته، وبين المسلم والعالم الإنسانى كله، وجميع هذه المعاملات قد وضع الدين لها إطارا عاما هو (لا ضرر ولا ضرار) ثم وجه الدين أتباعه إلى أرقى أساليب المعاملات وأحسنها وخصص القرآن لهذا المحور مصطلحى (الحلال والحرام) فالمتجاوز لأحكام العلاقات قد ارتكب اثما ويوصف فعله بالحرام، ولا ينزع عنه وصف الإيمان ولا يتهم بالمعصية إلا فى حالة إصراره على فعل الإثم.

 

 (5)

 

أما ثالث محاور التدين فهو منهج العمل الذى يلتزمه المؤمن فى حياته، فإن كان المنهج الذى يلتزمه فى أداء الواجبات الشرعية المكلف بها مطابقا للقرآن ولما تواتر صحيحا عن رسول الله (ص)، ففعله صواب، وإذا خالف صحيح المنهج القرآنى والبيان النبوى له ففعله خطأ، وهكذا فالمؤمن الذى آمن بالله ورسوله وقبل تكاليف الشرع لكنه أخطأ طريقة التنفيذ لا يوصف فعله بغير (الخطأ) فلا يسلب عنه الإيمان، ولا يتهم بالمعصية.

 

وهكذا فإن مصطلحات محور العمل الشرعى هى (الصواب والخطأ)، ويؤكد أهل الفقه أن فى حالة إصرار المخطئ على الخطأ رغم إعلامه بالصواب من مصدر موثوق فإن الخطأ يتحول إلى خطيئة أى ينتقل إلى مستوى (المعصية) ويعتبر عاصيا بسبب إصراره على تجاهل الصواب وليس بسبب خطئه.

 

(6)

 

ورابع محاور التدين وآخرها هو محور الأخلاق النفسية من (صدق أو كذب) و(لين أو عنف) و(رحمة أو غلظة) و(صبر أو ثورة) و(حب أو بغض) وسائر منظومة الأخلاق من عناصر، وقد أختص الفقهاء محور الأخلاق بمصطلحى (الحسن والقبح) فلا يوصف صاحب السلوك السيئ بأكثر من وصف (قبيح) دون خلط بين القبح والمعصية ولا بين القبح والكفر.

 

(7)

 

وقد فطن أهل الجيل الأول الذين هم خير القرون إلى تنوع مجالات التكاليف الشرعية وأن فرائض الدين ليست من درجة واحدة ففرائض الاعتقاد غير فرائض العمل وكلاهما مغاير تماما لفرائض المعاملات أو فرائض المنهج وكل هذا مغاير لفرائض الأخلاق، ورغم اعتبار الدين لكل أوامر الله أنها فرائض فإن الفرائض ليست من درجة واحدة. وبهذا التنوع ضمنوا التزاما صحيحا بالقرآن، واقتداء حسنا برسول الله (صلى الله عليه وسلم) فلم تسمع الأذن فى مجتمعاتهم أساليب الجدل والمراء والتكفير حتى أجمعوا على قول (لا يكفر أحد من المسلمين بارتكابه ذنبا أو معصية) وانظر إلى علماء الحديث وكيف تعاملوا مع رواة الأحاديث وما وقع فيه من بعضهم من تجاوزات فترى الفقه الحق والأدب الرفيع وهم يرفضون الروايات الضعيفة فيصفون الراوى بقول: غافل ــ ساه ــ لاه ــ تغير عقله بل إن الإمام مالك حينما رفض رواية أحد معاصريه قال فى حقه.

 

 (هو رجل أرجو دعوته ولا أقبل شهادته)

 

فأين هذه النزاهة والحيدة بجوار ما نعاصره الآن؟

 

وهكذا فأحكام التدين كما يلى:

 

 

 

 

حتى ينضبط الوصف وتتميز المصطلحات وترشد الفتوى ويزداد المسلم قناعة بما يقرأه ويسمعه.

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات