أسعار ودعم ومعاشات وإعفاءات - زياد بهاء الدين - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 6:47 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أسعار ودعم ومعاشات وإعفاءات

نشر فى : الإثنين 26 يونيو 2017 - 9:25 م | آخر تحديث : الإثنين 26 يونيو 2017 - 9:25 م
استقبلت وسائل الاعلام الرسمية والقريبة من الدولة القرارات الأخيرة بزيادة بعض المعاشات وبنود الدعم بارتياح بالغ وترحيب شديد باعتبارها تعبر عن انحياز الدولة للفقراء ومحدودى الدخل، وتساهم فى الحد من آثار التضخم الذى عصف بالجميع، وتخفف من الاحتقان فى الشارع.
أما المعترضون على تلك القرارات فى المساحات الاعلامية المستقلة الباقية، فقد أبرزوا أنها لا تكاد تؤثر فى موجة الغلاء الأخيرة والمستمرة، وأنها تضمنت فى حد ذاتها المزيد من الزيادات فى الاسعار، ولخص الكثير منهم محصلتها النهائية بأن «الحكومة أخذت باليمين ما أعطته باليسار».
وللدقة فإن القرارات الأخيرة شملت المجالات الستة الآتية: (١) زيادة نصيب الفرد على البطاقة التموينية من ٢١ إلى ٥٠ جنيها شهريا بالنسبة لأول أربعة أفراد فى الأسرة مع زيادة أسعار السكر والزيت، (٢) زيادة المستحق للمستفيدين من برنامجى «كرامة» و«تكافل» بمائة جنيها شهريا، (٣) زيادة المعاشات التأمينية بنسبة ١٥٪‏، (٤) إقرار علاوة دورية وأخرى استثنائية للخاضعين لقانون الخدمة المدنية وغير الخاضعين‏، (٥) زيادة نسبة الاعفاء والخصم الضريبى لأصحاب الدخول الأدنى، (٦) الاعفاء من ضريبة الأطيان الزراعية لثلاث سنوات.
وقد ترجم وزير المالية القرارات السابقة إلى مبلغ اجمالى قدره ٧٥ مليار جنيه هو قيمة ما سوف تتكبده موازنة العام المقبل لمواجهة هذه البنود الإضافية، مؤكدا مع ذلك أن الحكومة لا تزال تستهدف النزول بعجز الموازنة إلى نحو ٩٪‏ كى تظل ضمن المعدلات المتفق عليها مع صندوق النقد الدولى العام الماضى فى إطار برنامج الاصلاح الاقتصادى.
وفى تقديرى أن استجابة الدولة للغلاء الطاحن بدلا من تجاهله فى حد ذاته أمر جيد. ومهما كانت المبالغ ضعيفة إلا أنها تمثل للطبقات المعدومة فارقا لا يجوز الاستهتار به أو تصور أنه بلا قيمة. ولكن الاعلام التابع للدولة نجح فى افساد حتى هذه الخطوة الإيجابية بالمبالغة المعتادة فى تصويرها كما لو كانت طفرة فى مستويات معيشة الفقراء، والإلحاح على أنها «عيدية» رئاسية ومفاجأة جادت بها الدولة من خزائنها، بينما الحقيقة أن كل ما تنفقه الدولة هو فى النهاية من مال الشعب وَمِمَا يدفعه من ضرائب ورسوم، أو ما يتحمله من عبء الدين العام مستقبلا.
من جهة أخرى فإن القرارات الاخيرة بلا شك محدودة الأثر لأنها تأتى بعد زيادة فى الاسعار بلغت العام الماضى ٣٣٪‏ وتجاوزت ٤٠٪‏ للمواد الغذائية وفقا لبعض التقديرات. فإذا أضفنا إلى ذلك الزيادات المرتقبة فى أسعار الكهرباء والطاقة، وأن افضل توقعات الحكومة تشير إلى أن التضخم لن يقل هذا العام عن ٢٥٪‏، فإن هذا يعنى فى الواقع أن طوفان الغلاء لا يزال مستمرا وأن القرارات الأخيرة لن تكفى لتحويل دفة هذه السفينة الجانحة.
وأخيرا فإن هذه القرارات، وإن كانت تستهدف ذوى الدخول المحدودة بشكل عام، إلا أنها داخل هذا الوصف شديد الاتساع تعبر عن انحياز حتمى لصالح العاملين فى الدولة وأصحاب الدخول الرسمية على حساب فئة الشباب العاطل عن العمل أو المعتمد على أنشطة مؤقتة وغير رسمية. فهذه الفئة يصعب الوصول إليها من خلال القنوات التقليدية للمعاشات والعلاوات والإعفاءات الضريبية لأنها خارج هذه المنظومة بالكامل، وإن كانت تستفيد من الدعم العينى والنقدى. ولهذا فإن حمايتها لا تتحقق إلا من خلال توفير فرص العمل اللائق والرسمى.
المعادلة صعبة، ومطالبة الدولة بمزيد من الدعم والمساندة للفقراء يجب أن تكون فى إطار الواقع الذى نعيشه والموارد المحدودة بطبيعتها كى تكون مطالبة جادة ومسئولة. ومع ذلك، وحتى فى إطار هذه الموارد المحدودة، فإن هناك ثلاثة مجالات أساسية يمكن من خلالها حماية المواطنين من الغلاء الفاحش الذى دفع بمستويات معيشتهم إلى الانخفاض الحاد. أولها العمل على توفير المناخ المناسب لزيادة الاستثمار وتشغيل الشباب العاطل بمعدلات سريعة وهو ما لم يتحقق حتى الان برغم القرارات الاقتصادية القاسية والتشريعات المتوالية، وثانيها ضبط آليات السوق ومحاربة الممارسات الاحتكارية الصارخة فى الانتاج والتوزيع التى تجعل ارتفاع الاسعار يتجاوز ما يمكن تفسيره اقتصاديا، وثالثها اعادة النظر فى الانفاق العام على المشروعات القومية الكبرى كى لا نستمر فى الصرف بذات السخاء على المفيد منها وغير المفيد دون حساب أو مساءلة. القرارات الاخيرة إيجابية ولكن استمرار الاعتماد على زيادات المعاشات والدعم لن يأتى الا بآثار محدودة ومؤقتة طالما لم يواكبها اصلاح حقيقى فى الاستثمار والتشغيل والتوزيع يتعامل مع منابع الفقر لا نتائجه.

 

زياد بهاء الدين محام وخبير قانوني، وسابقاً نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير التعاون الدولي، ورئيس هيئتي الاستثمار والرقابة المالية وعضو مجلس إدارة البنك المركزي المصري.