«قطع».. حلقات منفصلة متصلة - كمال رمزي - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 12:02 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«قطع».. حلقات منفصلة متصلة

نشر فى : الأربعاء 26 نوفمبر 2014 - 9:10 ص | آخر تحديث : الأربعاء 26 نوفمبر 2014 - 9:10 ص

أمر غريب قد يحدث مع عشاق السينما، خاصة حين يقرأ الواحد منهم، ويسمع، عن قوة وبراعة هذا الفيلم، أو تدنى وسخف ذاك العمل، وبالتالى يدخل دار العرض آملا فى مشاهدة ما لم يره من قبل، أو سيقضى ساعتين من الكدر فى متابعة ما لا يستحسن متابعته.

هنا، يلعب الخيال دورا فى التهيؤ النفسى، الذى من المحتمل أن يتبدد، بل قد يؤدى إلى إحساس ظالم بتروى الفيلم المحاط بالتبجيل، أو اكتشاف مناطق جودة فى العمل الذى يتعرض للزراية.

قبل حضور «قطع» إلى مهرجان القاهرة ليغدو نجم الافتتاح، سبقته سمعة طيبة، تتحدث عن مخرجه الموهوب، الألمانى، التركى الأصل، فاتح أكين، المولود فى هامبورج 1973، واستطاع فى سنوات قليلة أن يغدو علما مرموقا فى عالم الأطياف: حصل على «الدب الذهبى» فى مهرجان برلين 2004، عن «وجها لوجه»، ثم نال جائزة أحسن سيناريو فى مهرجان «كان» 2009، عن «حافة الجنة».. منحته لجنة التحكيم بمهرجان فينسيا جائزتها الخاصة 2009 عن «فى المطبخ».

إلى جانب أفلامه الروائية، حقق مجموعة ثمينة من الأفلام القصيرة والوثائقية.. فى معظم أعماله، يضع إحدى عينيه على تركيا، وعينه الأخرى على أوروبا، وألمانيا بالتحديد، معبرا عن العلاقة المركبة، إن لم تكن المعقدة، بين الجذور التى تضرب فى تربة، وفروعها الممتدة إلى تربة مختلفة.

«قطع» يتعرض لقضية شائكة: المذابح التى تعرض لها الأرمن على يد العثمانيين عام 1915، وهى ليست جديدة على شاشة السينما، فثمة عشرات الأفلام تناولت ذات الشأن، لكن «قطع» يأتى فى وقت يتابع فيه الناس، بقلوب متوترة، عمليات الذبح والتهجير القسرى، الأمر الذى يعطى الفيلم أهمية إضافية.

بحماس يتابع المرء ما يجرى على الشاشة فى أحداث ساخنة، تتصاعد، وتتسارع وتيرتها، لتصل إلى ذروتها مع انتهاء الثلث الأول من الفيلم، ثم، بعد التماسك والإحكام، يترنح العمل «يكاد يتفكك»، متحولا إلى مسلسل، على الطريقة التركية، من الممكن أن يستمر، بلا نهاية، وبالتالى، ينتاب المتابع الإحساس أنه يشاهد عدة أفلام، متباينة المستويات، بعنوان: «قطع».

«نزارات»، بطل الفيلم، بأداء الجزائرى الأصل، طاهر رحيم، يعيش مع أسرته المكونة من زوجة وابنتين توأم، فى مدينة «ماردين»، يتسم ببنيان قوى يليق بحداد.. يقبض عليه، مع غيره من الأرمن، لتسخيرهم فى خدمة الجيش العثمانى الخائب، إبان الحرب العالمية الأولى. تتعمد السلطات التركية إطلاق سراح السجناء، معتادى الإجرام، كى يقوموا بترويع الأرمن وذبحهم، على الطريقة الداعشية.. يتعمد المخرج، مع مصوره، الاقتراب من الرقاب المغدورة لرصد اندفاع الدم من موضع حز السكين.. لسبب ما، يتراجع «المجرم» المنوط به ذبح «نزارات»، ربما بواعز من يقظة ضمير مفاجئة، يكتفى بغرز طرف السكين فى العنق على نحو لا يؤدى للموت وإن كان يتسبب فى فقدان القدرة على النطق.

«نزارات»، تهيم فى صحراء، وتتحلى قدرات فاتح أكين التسجيلية، حين يقدم بقايا المجازر العثمانية: جثث وهياكل عظمية، خيام رمادية بقماش مهلهل، أنين يتصاعد من أجساد محتضرة، رائحة الموت تعبق المكان.. وسط الأجواء القاتمة، بالكاد، يتعرف إلى شقيقة زوجته، تخطره أن بنتيه على قيد الحياة بينما لقيت زوجته حتفها.. يصل الفيلم إلى ذروته، ذات الطابع التراجيدى، المأساوى، حين تتمنى شقيقة زوجته عليه أن يرحمها، بالقضاء عليها، لأنها لا تتحمل عذاب آلام جسمها المحترق.. بعد تردد، يذعن بطلنا لرجائها.. يخنقها بإيشارب مهترئ.

بعد هذه الذروة، يخفت إيقاع الفيلم، تكاد تتلاشى قضية الأرمن، بأبعادها الإنسانية، وملحميتها، لتتحول إلى حكاية فردية لرجل يبحث عن ابنتيه، على طريقة «جان فلجان» بؤساء فيكتور هوجو، مع فارق جوهرى. «جان فلجان» يجرى بحثه داخل باريس، بينما «نزارات» يتعقب بنتيه من الشام إلى هافانا فى كوبا، ومنها إلى أكثر من مكان فى الولايات المتحدة الأمريكية.. يكاد الفيلم أن يتحول إلى حلقات منفصلة، متصلة، بها مغامرات لا تخلو من تسلية، تبدد الكثير من عمق تأثير الجزء الأول.

أخيرا، ينتهى «قطع» نهاية شبه سعيدة. «نزارات»، يرى، من بعيد، إحدى بنتيه، العرجاء ــ الأخرى لاقت حتفها ــ وعلى طريقة عمنا الكبير، حسين رياض، فى «رد قلبى»، يعود الصوت المقطوع، مبحوحا، متحشرجا، مناديا على فلذة كبده.. هكذا، بدلا من أن يعبر الفيلم عن متاهة الأرمن، تحول هو.. إلى متاهة.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات