الحركة الديمقراطية المصرية وكارثة المعايير المزدوجة - عمرو حمزاوي - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 10:37 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الحركة الديمقراطية المصرية وكارثة المعايير المزدوجة

نشر فى : الجمعة 27 مايو 2016 - 10:00 م | آخر تحديث : الجمعة 27 مايو 2016 - 10:00 م
ترتكب جرائم طائفية وجرائم كراهية ضد أسر قبطية فى صعيد مصر (محافظة المنيا)، فيصمت بعض من يدعون الدفاع عن المبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات ويتجاهلون الاضطلاع بمهام الإدانة الأخلاقية (للعنف) والفكرية (للطائفية والتطرف) والتحذير من التداعيات الاجتماعية والسياسية (للممارسات التمييزية والجرائم الطائفية).

يصمتون، وكأن مواطنة المساواة الكاملة ليست ركيزة أساسية للتنظيم الديمقراطى المنشود الذى يفقد كل معنى ومضمون حال التمييز بين المواطنات والمواطنين إن على أساس الدين أو المذهب أو الطائفة أو العرق أو على أسس أخرى.

يتجاهلون، وكأن حرية الاعتقاد ليست حقا أصيلا من حقوق الإنسان لا يقبل المساومة أو المساحات الرمادية شأن حرية الاعتقاد هنا شأن الجهر بالانتماء لهوية دينية والممارسة العلنية للتعاليم والطقوس الدينية دون تهديد بعقاب وضمان أمن الأقليات الدينية وتجريم التمييز (الممنهج والعشوائى) والمساءلة القانونية الناجزة والمنضبطة للمتورطين فيه.

يصمتون ويتجاهلون، وكأن المبادئ الديمقراطية التى تدفعهم محقة إلى إدانة المظالم والانتهاكات الواسعة التى ترتكبها السلطوية الحاكمة فى مصر تستطيع أن تحتفظ أخلاقيا وإنسانيا ومجتمعيا وسياسيا بصدقيتها حال ترك الجرائم الطائفية وجرائم الكراهية دون إدانة صريحة. أو كأن مضامين المعارضة المنظمة لسطوة المقولات الفاشية التى تبرر المظالم والانتهاكات بنزع كل قيمة إنسانية عن رافضى السلطوية وكذلك مضامين معارضة إلغاء التعددية فى الفضاء العام وقصره على حشود مؤيدى الحكم يمكنها أن تنجو من مقصلة التهافت الأخلاقى والتسفيه المجتمعى حال الامتناع عن معارضة المظالم والانتهاكات التى يرتكبها أفراد ضد آخرين وعن تفكيك المقولات ذات الطبيعة الفاشية أيضا التى توظف فى تبرير الجرائم الطائفية.

***

وفى سياق مجتمعى آخر غير بعيد عنا فى مصر، تنتهك تفجيرات داعش الإرهابية فى طرطوس وجبلة السوريتين الحق المقدس فى الحياة وتسقط مئات الضحايا وتواصل فرض خرائط الدماء والدمار شأنها شأن الديكتاتور الذى لا يتوقف عن توظيف أجهزته العسكرية والأمنية لإلحاق جرائم إبادة وجرائم ضد الإنسانية بالشعب الذى يتسلط عليه. تأتى تفجيرات داعش الإرهابية بعد جرائم القتل الجماعى التى ارتكبتها أجهزة الأسد فى حلب، غير أن سطوة الصمت العام فى مصر بشأن المقتلة فى طرطوس وجبلة تتناقض على نحو صادم مع الإدانة الساحقة للمقتلة فى حلب، وتجعل من ثم شبهات التعامل المسيس والمذهبى مع المظالم والانتهاكات عصية على الاستبعاد.

وفى سياق مجتمعى ثالث غير بعيد أيضا عنا فى مصر، يتكالب على انتهاك حقوق الإنسان والحريات فى العراق خليط من أجهزة ومؤسسات الدولة التى أخضعتها الطائفة المهيمنة (الشيعة) لسيطرتها، ومجموعات عنف غير رسمية تتورط باسم مواجهة الإرهاب فى جرائم مفزعة ضد سكان المناطق غير الخاضعة للطائفة المهيمنة، وعصابات إرهاب كداعش وغيرها تجعل من المذهبية الزائفة (فى الخطاب المتطرف، الانتصار لأهل السنة فى مواجهة الشيعة الروافض) أداتها للتبرير الفاسد لجرائمها الوحشية. جميع هذه الأطراف الإجرامية تنتهك اليوم حق الناس المقدس فى الحياة فى مدينة الفلوجة، وتسقط ضحايا لا تتوقف قوائم أسمائهم عن الاستطالة. وفى حين تتراكم جرائم الطائفيين والإرهابيين المدفوعين بمذهبيات مقيتة وتغيب بينها الفروق الجوهرية أو النوعية، يخرج بعض من يزعمون الانتماء إلى الحركة الديمقراطية فى مصر ويعلنون الدفاع عن حقوق الإنسان والحريات فى مصر وعموم بلاد العرب بمقولات ساقطة أخلاقيا وإنسانيا ومجتمعيا تبرر للجرائم التى يرتكبها طرف من الأطراف بينما تدين الجرائم المماثلة للأطراف الأخرى.

لدى البعض تعمل أجهزة ومؤسسات الدولة العراقية ومعها ميليشيات الحشد الشعبى على إنقاذ الفلوجة من قبضة داعش الوحشية والمتطرفة، ولدى البعض الآخر تواجه الفلوجة التطرف الشيعى الذى تحمله إليها أجهزة ومؤسسات وميليشيات طائفية ومذهبية. أما الإدانة القاطعة دون معايير مزدوجة لمجرمين تتنوع يافطاتهم ويتماهون فى انتهاك الحقوق والحريات، وتلك الإدانة الوحيدة للإبقاء للمبادئ الديمقراطية على معانيها ومضامينها المرتبطة بالعدل والمساواة ووحدة المعايير، فتغيب إلى حد مؤلم.

فى السياقين السورى والعراقى، كما فى سياق الجرائم الطائفية وجرائم الكراهية المرتكبة مؤخرا فى الصعيد، تنزع ازدواجية معايير التى تسيطر على مقولات الحركة الديمقراطية فى مصر الكثير من مصداقية المبادئ المدافع عنها وتورث الناس شكوكا تهدد القليل المتبقى من الفاعلية المجتمعية والسياسية لحديث حقوق الإنسان والحريات.

***

فى جميع هذه السياقات يتكرر فى ٢٠١٦ تورط بعض المنتمين للحركة الديمقراطية المصرية فى إنكار مظالم وانتهاكات صريحة، فى الصمت عن إظهار التناقضات الجوهرية بين حقوق الإنسان والحريات المستندة إلى قاعدة المساواة الكاملة وبين الجرائم الطائفية والمذهبية وجرائم الكراهية، فى تجاهل الإدانة القاطعة للإبادة والقتل والعنف والظلم دون معايير تسيس أو تقودها الاعتبارات التمييزية. يتكرر ذات التورط فى المعايير المزدوجة الذى يحضر منذ ٢٠١٣ بشأن التعاطى مع الانتهاكات التى تطول «من نختلف معهم فكريا وسياسيا»، من الإخوان واليمين الدينى إلى حركة ٦ ابريل وحركة الاشتراكيين الثوريين، ومن الكتاب والصحفيين المتمسكين بحرية التعبير عن الرأى إلى أعضاء فريق «أطفال شوارع» المتمسكين أيضا بحرية التعبير؛ ذات التورط الذى يرتب تارة الإنكار وتارة الصمت والتجاهل ويواجه الضحايا بسياج من العزلة المؤلمة.

وما لم تتخلص الحركة الديمقراطية المصرية من معاييرها المزدوجة، داخليا وخارجيا، سنظل دوما أسرى لمصداقية أخلاقية وإنسانية غير مستقرة ولفاعلية مجتمعية وسياسية محدودة ومهددة باستمرار.
عمرو حمزاوي أستاذ علوم سياسية، وباحث بجامعة ستانفورد. درس العلوم السياسية والدراسات التنموية في القاهرة، لاهاي، وبرلين، وحصل على درجة الدكتوراة في فلسفة العلوم السياسية من جامعة برلين في ألمانيا. بين عامي 2005 و2009 عمل كباحث أول لسياسات الشرق الأوسط في وقفية كارنيجي للسلام الدولي (واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية)، وشغل بين عامي 2009 و2010 منصب مدير الأبحاث في مركز الشرق الأوسط لوقفية كارنيجي ببيروت، لبنان. انضم إلى قسم السياسة العامة والإدارة في الجامعة الأميركية بالقاهرة في عام 2011 كأستاذ مساعد للسياسة العامة حيث ما زال يعمل إلى اليوم، كما أنه يعمل أيضا كأستاذ مساعد للعلوم السياسية في قسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة. يكتب صحفيا وأكاديميا عن قضايا الديمقراطية في مصر والعالم العربي، ومن بينها ثنائيات الحرية-القمع ووضعية الحركات السياسية والمجتمع المدني وسياسات وتوجهات نظم الحكم.
التعليقات